أقلام الثبات
تخطى الوضع في ليبيا مرحلة الكارثة بعد سقوط ترهونة، وما أرتكبته عصابات الانكشارية الجدد من فظائع في حق أهلها، على غرار ما أرتكبه هولاء المجرمون ضد أهالي صبراتة وصرمان، بل وتمادى تبجح الغازي التركي متجاوزاً كل الخطوط الحمراء التى كان يفترضها البعض، بعد أن وصل الى منتصف الساحل الليبي وبات يهدد مناطق الهلال النفطي، وهي الكارت الوحيد الذي يمنح المشير خليفة حفتر قوة سياسية.
والحقيقة أن التركي ليس ساذجاً كي يكتفي بما حصل عليه، فما المانع من استمرار التقدم والطريق الى شباك الخصم مفتوحة على مصراعيها، وأن الخطوط الحمراء الروسية متغيرة كل ساعة وليست ضامنة لحماية تمركزات الجيش بالجفرة، فالهدف الأهم للرئيس التركي من التوغل في ليبيا وقبل الاستيلاء على النفط والغاز (قطر لم تتأخر عنه في توفير كافة أحتياجات بلاده من موارد الطاقة) هو الوصول الى مصر من جديد.
وهنا الكل بات يتسأل : ماذا تنتظر مصر كي تتدخل قبل فوات الأوان ؟
الحقيقة وإن كان ما يحدث في ليبيا له تداعيات خطيرة على الأمن القومي المصري، فتدخل مصر قد يكون له تداعيات أخطر، ولكم رؤيتنا في أسباب حرص مصر الشديد فى التعامل مع الملف الليبي.
أولا : مصر تدرك حجم الدعم الأميركي والبريطاني لتركيا، والأهم حقيقة أهداف الروس من دعم المشير حفتر، وأن أوروبا ستبقى في خانة رد الفعل، وأن كل ما سبق ليس لديه مانع من أستنزاف أقوى جيش بالمنطقة وتوريطه في حرب، سواء من أجل التخلص من العقبة الوحيدة لاطماعهم في المنطقة، أو لعقد صفقات تسليح جديدة مع مصر.
ولذلك جاءت ردة فعل مصر الأولى عبر مبادرة سياسية لأستهلاك أخر محاولة سياسية أمام المجتمع الدولي الذي يغض البصر عن جرائم تركيا في ليبيا، بعد رأب الصدع بين المشير حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح، في الوقت الذى أتسعت فيه الفجوة بين رئس حكومة الوفاق فايز السراج الذى أعطى أمر من تركيا بأستكمال عمليات بركان الغضب ردا على المبادرة المصرية، بينما طلب نائبه أحمد معيتيق بالاستجابة للهدنة ووقف أعمال القتال، بعد زيارته لموسكو التي قدم لها عرض مغري جدا يبدأ بتسليم الجاسوسين الروسيين المحتجزين في طرابلس وينتهي بحصص نفطية ومشاريع إعادة الاعمار
ثانيا : رغبة مصر في عدم الصدام مع المجتمع الدولي بسبب ليبيا قبل الصدام بسبب ملف سد النهضة الاثيوبي، خصوصاً وان داعمي مشروع سد النهضة بأثيوبيا هم نفس داعمي أردوغان في ليبيا، والهدف واحد.
ثالثا : بعد دخول روسيا بقوة إلى الميدان الليبي داعمة نفس الطرف الذي تدعمه مصر، في المقابل نزول أردوغان بكل ثقله لمحاربة الروسي هناك بالنيابة عن الولايات المتحدة وبريطانيا، تحولت ليبيا الى سورية جديدة بالمنطقة إن جاز التعبير.
رابعا : خوف مصر من الانزلاق في مستنقع يستنزف طاقتها العسكرية ومخزونها الأقتصادي المحدود، فالقاهرة لن تدخل في أي مواجهة عسكرية بليبيا إلا وهي على يقين مسبق بتوقيت ونتيجة نهاية تلك الحرب.
والتاريخ يقول أنه عندما أراد الاستعمار الأيطالي ضرب نضال المجاهدين الليبيين في مقتل أقام شريطاً من الأسلاك الشائكة بطول حدود ليبيا مع مصر وليس مع الجزائر أو تونس التي أصبحت موانئها نقطة إنطلاق المرتزقة التركمان والسوريين نحو طرابلس
أخيراً وليس آخراً كان لدى مصر فرص لإنهاء الحرب الليبية في صالحها ولكن للاسف البطولات الكبرى لا يحسمها إلا لاعبون يحرزون الأهداف من أنصاف الفرص، ولم يستغل أحد ما يحدث للولايات المتحدة الأن سوى روسيا والصين وإيران وتركيا، بينما أكتفى العرب بالبكاء على ما يحدث لترامب.