الثبات ـ من ذاكرة التاريخ
كان الرئيس هاشم بك الأتاسي أباً للجميع، لم تختلف حياته العادية، عن حياته وهو رئيساً للجمهورية .
وكان بابه مفتوح للجميع لا حاجب ولا بواب يحجبه عن الشعب الذي اختاره وأحبه، وكان يصلي في مسجد المرابط القريب من القصر الجمهوري بالمهاجرين، فكانوا يبعثون له من القصر قبل صلاة الجمعة من يمد له سجادة صغيرة يحفظ له مكانه في الصف الأول، فيجيء الشيخ حسن آغا المهايني، فيترك المسجد كله ليصلي على هذه السجادة لا يقوم عنها، فلما كثر ذلك منه جاءه الشرطي يسأله أن يقعد في مكانٍ آخر، يسأله بلطف ولين، فيصرخ الشيخ المهايني بأعلى صوته: يا ابني هذا بيت الله، وكلنا عباد الله، فليس لأحد من العبيد أن يفضل نفسه على غيره في بيت سيده إلا بإذنه، إن المسجد يا ولدي لا يحجز فيه مكان لأحد، من سبق كان هو الأحق بالمكان. وكان هاشم الأتاسي يأتي مبتسماً، فيجلس بأي مكانٍ يجده فارغاً أمامه.
ومرة، وفي عشية ليلةٍ باردة، زار هاشم بك وهو رئيس للجمهورية، أحدُ القضاة، وخلال حديثهم سمع الرئيس الاتاسي صوت المطر فما كان منه إلا أن خرج للشرطي الذي يقف على باب منزله ليقول له: روح يا ابني لبيتك وولادك، فاسهر معهم ونام عندهم، فاليوم برد ومطر وربك هو الحامي، فتلكأ الشرطي بداية بإجابة الطلب، ولكنه مالبث أن استجاب بعد إلحاح الرئيس عليه، وقبل أن يمضي في طريقه، ناداه الرئيس الاتاسي ليعطيه مبلغاً من المال ليأخذ به شيئاً لأهله وعياله.