أقلام الثبات
نهاية الأسبوع المنصرم، عاش اللبنانيون فصلاً جديدًا من فصول الحرب الأهلية، وعادت التوترات الأمنية الى الشوارع في مشهد ينبئ بأن الحرب باتت قاب قوسين أو أدنى، وأن كل الترقيعات الكلامية السابقة، والحديث عن دروس وعبر، كان مجرد شعارات إنشائية فارغة، وأن الحرب لم تنتهِ في النفوس ولا في عقول السياسيين، وأن أدوات القتل والانتحار الجماعي جاهزة للإستخدام كل يوم.
لقد أفشلت الفتنة المتنقلة التي أطلت برأسها يوم السبت، كل رومانسية "الثورة" وصيحات التغيير في الساحات، علمًا أن المدّعين بأن ما حصل مفاجأة، وغير محضّر مسبقًا، إنما يكذبون على أنفسهم بالدرجة الأولى، وعلى الناس بالدرجة الثانية.
قبل أسبوع من تظاهرة 6 حزيران، انتشرت على مجموعات الواتساب وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات تحريضية تعود الى زمن الحرب الأهلية، وتمّ تعبئة "الشوارع" المذهبية كافة (من دون استثناء)، فمن حماية الطائفة، الى حماية السلاح، الى حماية الأشرفية... تمت تعبئة شباب متحمس بأن "الآخر" قادم للقتال، وبات عليكم الاستعداد للدفاع عن النفس.
الجميع يتحمل المسؤولية بالتأكيد، كل مَن شارك في التحريض والتعبئة والتحشيد، واستقدام الغوغاء بهدف إثارة الفتنة والقيام بأعمال التخريب... لكن، بالدرجة الأولى، تتحمل الطبقة السياسية المسؤولية الأولى والأخيرة عن كل ما حصل وسيحصل في المستقبل، علمًا أن السبت -بالمناسبة- هو مجرد "بروفة"، لما يجب أن يعتاد عليه اللبنانيون.
تتحدث بعض مجموعات "الثورة" أن الدعوة المشبوهة الى نزع سلاح حزب الله والى انتخابات مبكرة، هي من أفشلت عودة الحياة الى حراك 17 تشرين، وهي التي حوّلت الثورة الى فتنة متنقلة تجوب بين أزقّة الفقر في العاصمة.
وفي هذا الإطار، يهمنا أن ندرج بعض الملاحظات:
أولاً؛ إن الداعين الى نزع سلاح حزب الله، يدركون أن هذا الأمر يحتاج الى أكثر من اعتراض أو مظاهرة، بل يحتاج الى استراتيجية دفاعية يتوافق عليها اللبنانيون، وتؤدي الى حماية لبنان من التهديدات الاسرائيلية، فما الهدف من طرحه؛ هل هو الضغط على الحزب، أو تقديم أوراق اعتماد للسفيرة الأميركية، أو الاثنين معًا؟.
ثانيًا؛ يدرك الجميع أن الثورات في العالم أجمع، لم تنجح إلا بعدما طرحت عناوين عريضة يتوافق عليها جميع المعارضين للسلطة، وتنتفي معها الاختلافات الحزبية، فهل كان الداعون الى هذه المظاهرات تحت تلك العناوين يريدون ضرب السلطة فعليًا أو تقويض الثورة وإنهائها؟.
ثالثًا؛ هل يمكننا أن نفكر - ولو للحظة- أن حديث السيد نصرالله في مقابلته الأخيرة مع الاعلامية بثينة عليق، الذي اعطى الإنطباع بأن "هاجس حزب الله منع الحرب الأهلية والتقسيم وأن هذا الأمر يعتبر أولوية للحزب تتقدم على أولوية معركة مكافحة الفساد"، قد دفع البعض الى الاعتقاد ان التهديد بالحرب وبالفتنة المذهبية، قد يؤدي الى تنازلات سياسية يقدمها الحزب في موضوع الفساد أو في مواضيع سياسية أخرى!! هل يمكن الاعتقاد، بأن الفاسدين والطامحين الى الرئاسة الذين يريدون تقديم أوراق اعتماد للأميركيين، قد أعطيوا بعد حديث السيد نصرالله، ورقة هامّة يلوحون بها ويستخدمونها للابتزاز عنوانها "الحرب الأهلية التي تخشونها"!!
في النتيجة، لقد صحّ كلام السيد موسى الصدر بالفعل، حين وصف الطبقة السياسية اللبنانية بأنها "بلا قلب، ...وليس لديها مشكلة أن تذهب الى حرب أهلية لتحمي امتيازاتها" كما نقل عنه السيد نصرالله في مقابلته الأخيرة.
بالفعل، لقد رأينا يوم السبت المنصرم، حقيقة تلك الطبقة، التي عبثت بأمن اللبنانيين واستقرارهم، لإرسال رسائل سياسية واستدراج الخارج، وكأن لا جوع يضرب لبنان ولا أزمة اقتصادية، ولا من يحزنون.