أقلام الثبات
عمليات الضمّ المنوي تنفيذها صهيونياً ، لم تكن متاحة ، لولا حالة التراخي والتساهل التي أبداها الجانب الرسميّ الفلسطيني ( السلطة والمنظمة ) في مواجهته للسياسات العدوانية والإجرامية التي أقدم عليها الكيان الصهيوني ، على مدار 27 عاماً من عمر اتفاقات " أوسلو " ، التي ألحقت أفدح الضرر بالقضية وعناوينها الوطنية ، وأتاحت للاحتلال وكيانه من فرض وقائعه الميدانية ، في التهويد والاستيطان ومصادرة الأراضي ، وحصار قطاع غزة ، والاعتقالات اليوميّة ، والتعمّد في القتل لمجرد الشبهة .
ما تنوي القيام به حكومة الرأسين " نتنياهو وغانتس " من ضمّ واسع ، لا يمثل إلاّ القاعدة المادية في مسار تصفية القضية الفلسطينية . فالحركة الصهيونية بكل مكوناتها الدينية والسياسية ، تقر بأنّ الأرض لليهود ، وليس للفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين أيّ حق لهم فيها ، وتحديداً في " يهودا والسامرة " ، أيّ الضفة الغربية التي هي اليوم وأكثر من أيّ مضى تحت رحمة مقصلة الضم الصهيونية . فقد دعا الحاخام " يهودا القالي " أبو المنظرين للحركة الصهيونيّة ، والأب الروحي لزعيم تلك الحركة " تيودور هرتزل " في العام 1834 . إلى وضع الأسس الأولى لإقامة دولة الكيان على الأرض الفلسطينية واستيطانها ، من خلال الترويج لأفكاره ، والتي حملت عنواناً " اسعِ يا إسرائيل ، لاقامة مستعمرات يهودية في فلسطين " . حاييم وايزمن كان شديد الوضوح عندما قال : " نريد خلق أوضاع في فلسطين نتمكن من خلالها أن ننشئ آخر الأمر مجتمعاً في فلسطين ، يجعل فلسطين يهوديّة بمقدار ما انكلترا انكليزيّة وأمريكا أمريكيّة " . وهذا ما دعا إليه " ايغال آلون " في العام 1967 أمام اتحاد الكيبوتزات ، إلى توطين اليهود في الضفة الغربية ، وفي مرتفعات الجـولان ، وذلـك بهدف تدعيم أمن الكيان ، وهو ما أكدّ عليه أمام اللجنة السياسية لحزب العمل في العام 1968 .
في المقابل كان الجانب الفلسطيني الرسمي يقدّم رؤى سياسية تمسّ السقف السياسي والوطني " تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها " ، من خلال طُرِح برنامج النقاط العشر العام 1974 ، والموافقة على مقررات قمة فاس الثانية في أيلول 1982 ، ومن ثم إعلان وثيقة الاستقلال 1988 ، والانخراط في مؤتمر مدريد بعد اعتراف المنظمة بالقرارين 242 و 338 كشرط لقبول مشاركة منظمة التحرير في أعمال المؤتمر ومن ضمن الوفد الأردني . وجاء التوقيع على اتفاقات " أوسلو " العام 1993 ، والتنازل عن 78 بالمائة من أرض فلسطين ، مقابل سلطة أثبتت الوقائع بعد 27 عاماً أنها لن تتطوّر إلى دولة فلسطينيّة ، لتُشرع الأبواب أمام أحزاب الكيان الصهيوني على اختلافها وخلافاتها من صياغة رؤيتها المتطابقة في عدم منح الفلسطينيين أياً من حقوقهم بما فيها تقرير المصير وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس . وهذا ما أعلنه الشريكان في اتفاقات " أوسلو " ، اسحاق رابين وشمعون بيريز ، اللذين أكدا " أن التسوية النهائية مع الفسطينيين ، لا يمكن أنّ تؤدّي إلى دولة فلسطينية مستقلة ، وتقسيم القدس ، والتنازل عن السيطرة في غور الأردن " .
المتوجّب العمل عليه لمواجهة عمليات الضمّ كخطوة متقدمة في المشروع الصهيوني ، والتي تمثل " صفقة القرن " إحدى ركائزه على طريق " يهودية الدولة " . أن تكون الخيارات الفلسطينية معبّرة في القدرة على اتخاذ الخطوات التالية :-
- تنفيذ قرارات التي اتخذها المجلسين الوطني والمركزي من دون إبطاء . والخروج من دائرة الرهانات على أية تطورات في شأن إمكانية التراجع عن عمليات الضم .
- إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني ، والتأكيد على خيار الشعب الفلسطيني في المقاومة .
- إعادة بناء وتشكيل مؤسسات منظمة التحرير ، على أسس سياسية وتنظيمية وديمقراطية ، بما يكفل شراكة وطنية حقيقية . وعقد مجلس وطني فلسطيني توحيدي خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة . وإلى حين تنفيذ ما جاء في اتفاق القاهرة في أيار 2011 ، لإنهاء الانقسام ، وإعادة اللحمة السياسية والجغرافية بين الضفة والقطاع ، يتولى الإطار القيادي الموقت مهام قيادة المنظمة ، وذلك بموجب ما توصلت إليه الفصائل في العام 2003 والعام 2005 في القاهرة .
- العمل على الفصل بين المنظمة والسلطة ، ومغادرة ونقل دوائر ومؤسسات المنظمة إلى خارج الوطن المحتل ، يشكل المهمة الملحة والعاجلة في ضوء التطورات القادمة .
- رغم الانقسام ، لا يجوز أن يبقى قطاع غزة بمنأى عن أية إجراءات يتم اتخاذها في سياق عمليات الضم في تموز القادم . وأي تقاعس أو تخلف عن قيام المقاومه بواجباتها الوطنية ، يصب في تصفية القضية وهذا ما تهدف إليه " صفقة القرن " . على أن يقابلها في تكامل نضالي كفاحي ، إعلان العصيان المدني في عموم الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس .
- من خلفية أنّ قضية اللاجئين من بين العناوين المستهدفة في " صفقة القرن " ، المطلوب التوقف عن تهميش االلجوء الفلسطيني من خلال إعادة الاعتبار له في الشتات والمغتربات . والذي يمثل اليوم نصف تعداد الشعب الفلسطيني ، وعلى أكتاف ودماء وتضحيات أبنائه انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة العام 1965 .
- تعزيز التعاون الوثيق مع الأحزاب والقوى الوطنية الأردنية ، من أجل التصدي وإسقاط عمليات الضم ، أو مشاريع الوطن البديل ، أو ما يسمى ب" الخيار الأردني " . لأن ما يعمل عليه كيان الاحتلال وينوي تنفيذه يعرض الفلسطينيين وحقوقهم والأردنيين وسيادتهم الوطنية على حدٍ سواء إلى الخطر .
- تعزيز وتوثيق العلاقة مع القوى العربية والإسلامية الحزبية والشعبية لتفعيل مقاطعة الكيان ومواجهة جائحة التطبيع المتفشية على غير صعيد ، بما فيها الثقافي والديني والرياضي والدرامي .. الخ . ومن المبكر القول أنّ هناك إمكانية تراجع النظام العربي في معظمه ، خصوصاً الخليجية منها عن خطواته في التطبيع ، أو الانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته كقضية مركزية للأمة . وإصلاح هذا النظام يحتاج إلى أن تستنهض الأحزاب والقوى الشعبية العربية حضورها ودورها في تحمل مسؤولياتها التاريخية في هذا السياق أولاً ، ومن ارتباطاً في قدرة الحركة الوطنية الفلسطينية في استعادة دورها الطليعي ثانياً . وهي التي شكلت خلال مراحل ما قبل الانزلاق إلى هاوية التسوية الرافعة لهذه الأحزاب .