أقلام الثبات
كان لافتًا تحذير رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب من أزمة غذاء قد تضرب لبنان، كما معظم دول العالم بسبب وباء كورونا، علمًا أن لبنان يعاني منذ ما قبل كورونا من أزمة اقتصادية كبرى، سببها - بالدرجة الأولى- الفساد والسرقة ونهب الخزينة العامة التي قام بها السياسيون المتعاقبون على الحكم منذ 30 عامًا، بالإضافة الى نموذج الاقتصاد الريعي الذي شجّع دائمًا الاستيراد على الانتاج، والذي جعل من المتعذر على المزارع اللبناني انتاج الغذاء بسعر أقل من كلفة استيراده.
من هنا، يبدو من المنطقي أن تكون قضية "الأمن الغذائي" من أولويات الحكومة اللبنانية، أي العمل للوصول الى القدرة على توفير احتياجات الغذاء الأساسية لأفراد الشعب، وضمان وجود حد أدنى من تلك الاحتياجات بانتظام وبدون انقطاع، وبشكل يستطيع معه الجميع الوصول إليها.
ولكن، عندما نتحدث عن الأمن الغذائي، فأننا ندرك أن تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل قد لا يكون ممكنًا، أي أن الزراعات اللبنانية وحدها قد لا يمكنها سدّ كل ما يحتاجه اللبنانيون من احتياجات أساسية (أقلّه في المدى المنظور)، وعليه، يجب أن ننظر الى إمكانية تأمين هذه الاحتياجات من خلال الانتاج المحلي، واستيراد الجزء الآخر من الخارج.
وعلى هذا الأساس، على الحكومة اللبنانية، النظر الى الأمن الغذائي بنظرة اقتصادية شاملة، أي بالتركيز على السياسات الاقتصادية ككل، والأداء الوظيفي للإقتصاد اللبناني الشامل، فالقضية أبعد من توازن بين عدد السكان وانتاج الغذاء محليًا، بل يكمن في توفير قدرة الصناعات اللبنانية على التصدير، وهكذا يتوازن التصدير والاستيراد بالحد المقبول، فيستورد لبنان حاجاته الاستهلاكية ويصدّر الفائض لديه، فينشأ توازن مقبول نوعًا ما في الميزان التجاري.
وهكذا، نجد أن معضلة "نقص الغذاء" هي معضلة تعانيها معظم الدول التي تعاني التعثّر الاقتصادي، ولا تعني فقط عدم القدرة على انتاج الغذاء، أو عدم وجود وفرة من الغذاء في الأسواق، بل عدم قدرة المواطنين على شراء تلك المواد بسبب أسعارها الباهظة، أو بسبب عدم امتلاكهم القدرة الشرائية لتأمين الكافي من الغذاء.
وفي تفكير بحلول لما طرحه رئيس الوزراء اللبناني في مقاله في الواشنطن بوست، يمكن الحديث عن بضعة حلول آنية، وأخرى طويلة الأمد:
- أولاً: على الحكومة اللبنانية، التفكير بالامن الغذائي اللبناني بشمولية أكبر من قضية غذاء وانتاج زراعي، بالرغم من أهميته. على الحكومة العمل فورًا على آلية تشجيع الصناعة اللبنانية، والاستفادة من الخبرات المحلية والخارجية في مجال الجودة، بالاضافة الى تخفيض الرسوم والضرائب على المعامل اللبنانية، وذلك لتحقيق توازن اقتصادي مطلوب بقوة لتحقيق الأمن الغذائي الشامل.
ثانيًا: الانفتاح على السوق السوري والعراقي في أقرب وقت ممكن واستيراد المواد الغذائية والاستهلاكية من الجارتين الأقرب. وتشير الدراسات أن العراق قد استطاع في السنوات الأخيرة تأمين الاكتفاء الذاتي من الطحين والحنطة وبدأ بالتصدير. لذا فإن التباكي بأن أوكرانيا وروسيا - التي يستورد منهما لبنان القمح - قد أعلنتا وقف التصدير الى الخارج، هو عمليًا أمر سهل الحلّ وقد يكون مناسبة لتحقيق الانفتاح على الجوار الاقليمي.
إن مكابرة بعض اللبنانيين، والتلطي بالأمور السياسية والضغوطات الخارجية لعدم الانفتاح على سوريا، لن يؤدي سوى الى زيادة الصعوبات على اللبنانيين. إن إقفال المعابر غير الشرعية، هو أمر صحي ومفيد للبلدين، ويجب أن يستبدل بتعامل حدودي رسمي. أما التذرع بالعقوبات الأميركية على سورية، فيمكن للبنانيين أن يتفاوضوا مع الأميركيين بإصرار، كما فعل العراقيون وحصلوا على استثناء من العقوبات المفروضة على إيران... وهنا تكمن أهمية الموقف اللبناني السيادي في هذا الإطار.