قراءة في سقوط قاعدة الوطية الليبية في يد الغازي التركي ـ فادي عيد وهيب

الخميس 21 أيار , 2020 08:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

فجر يوم الأثنين 18مايو/ ايار الجاري شنت قوات "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق الليبية هجوماً برياً ضخماً على قاعدة الوطية العسكرية (قاعدة عقبة بن نافع الجوية سابقاً) والتى يتحصن فيها 1500جندي من جنود القوات المسلحة العربية الليبية بعد أن نفذ الطيران التركي المسير أكثر من 100 غارة على القاعدة.

وبعد أن تم تدمير أغلب منظومات الدفاع الجوي الروسية لدى الجيش الليبي بقاعدة الوطية صار جنوده في مرمى سهام طائرات بيرقدار المسيرة التركية، الأمر الذى أجبر الجيش الليبي على الإنسحاب السريع، لأن الجيش الوطني الليبي في غرب ليبيا كان مقتصراً على نقطتين فقط، الأولى في مدينة ترهونة بفضل أهلها الصامدين، والثانية بقاعدة الوطية بفضل تحصيناتها، وكان فيها كامل ثقل الجيش الليبي في الغرب، وكانت قاعدة الوطية الأمل الوحيد للمشير حفتر في تحرير طرابلس، ولكن بعد أن بشرنا أردوغان كعادته ببداية الأسبوع الماضي عن مفاجأت مقبلة، حلت فجر الأثنين هذه المفاجأت بسقوط قاعدة الوطية في يد الأتراك.

يفترض أن تكون تركيا تمر بظروف اقتصادية طاحنة ومشاكل في الداخل بسبب الليرة، لكن أردوغان عزز حضوره في طرابلس الليببية حيث البنك المركزي، وجلس على المقعد الأول لإدارة الحرب في غرب ليبيا بدلا من ايطاليا، بعد أن عزز جيوبه بأموال صناديق الدوحة السيادية بعد مشهد إضطرابات الوكرة.

وكان يفترض في ظل العملية العسكرية البحرية "إيرين" التي ينفذها الإتحاد الأوروبي على سواحل ليبيا، أن يتراجع أردوغان عن دعم ليبيا عبر البحر المراقب من سفن تلك العملية ومن الطائرات المجهولة التى تحوم يوميا في كل سماء ليبيا، وأن يستغل حلفاء المشير حفتر على ما يقدم للجيش الليبي عبر البر (غير المكشوف)، ولكن الأمر أنقلب على حلفاء حفتر، والأن صار أردوغان هو من يهدد بكشف دور الإمارات علنا في مجلس الأمن بعد سقوط أسلحة الجيش الليبي في يد مرتزقة حكومة الفرقاطة بعد إنسحاب الجيش من قاعدة الوطية.

وحقيقة الأمر، فإن الوضع في غاية السوء والخطورة ويذكر بيوم الخيانة الأسود في غريان وسقوطها في يوليو/ تموز الماضي، فالغازي التركي يلعب على المكشوف ويصرح علنا، لانه أدرك حجم نظرائه الحقيقي بأوروبا، وأن السلاح هو من سيفرض الكلمة على الساسة، مستغلا رغبة الانجلو ـ أميركي في أن تبقى نتيجة الحروب في كل من سورية، ليبيا، اليمن تعادل، أي لا غالب ولا مغلوب كي يستنزف الجميع بلا إستثناء.

وعلى غرار تصريحاته المثيرة للجدل صرح المتحدث بأسم الجيش الوطني الليبي قائلا :"بأن الإنسحاب من قاعدة الوطية إنسحاب تكتيكي"، وهنا روج البعض لتلك المقولة بعد أن بذل جهدا كبيرا في تصديقها.

ونرد بالمنطق ونقول لماذا ينسحب الجيش من النقطة الوحيدة له في غرب ليبيا ؟!

وكيف يترك أكبر وأكثر قاعدة عسكرية محصنة في كامل القطر الليبي ؟!

وهل يوجد جيش ينفذ إنسحاباً تكتيكياً، تاركاً كل ما يملكه من سلاح وذخائر، حتى صار الأمر لافتاً في سهولة حصول المرتزقة على سلاح الجيش وكأن الدول الحليفة للمشير حفتر دعمت المرتزقة وليس الجيش.

للأسف الشديد تصريحات المشير خليفة حفتر أو اللواء أحمد المسماري في الفترة الأخيرة أصابها التخبط والتسرع، ولم تعد تترك أي أثر في النفوس من كثرة تكرارها دون جدوى.

كيف للمشير خليفة حفتر أن يصرح بإلغاء العمل في إتفاق "الصخيرات" وتوليه أدارة البلاد في 27ابريل/ نيسان الماضي، وإعلان "ساعة الصفر" رقم 12 على الأقل لتحرير طرابلس، بعد أن مر أصلا على عملية تحريرها أكثر من عام، ثم يعاود الظهور في اليوم التالي، ويعلن وقف الحرب على محاور طرابلس بحجة الكورونا وإستجابة للمجتمع الدولي تجاه الهدنة الأنسانية ! وفي النهاية صار الوضع الأن في الغرب الليبي أسوأ مما كان عليه قبل اطلاق عملية تحرير طرابلس.

وبعد أن عرض مرتزقة مليشيات قوات "بركان الغضب" فيديوهات لا أول لها من أخر لضرب منظومات بانتسير الروسية والاستيلاء على أسلحة وذخائر الجيش، كيف يصرح الجيش الليبي بعدها بأن إنسحابه كان تكتيكياً؟!

فأي تكتيك هذا وأي عاقل سيصدق هذا الهراء ؟

حقيقة الأمر لم يعد هناك أمل في أن يحسم الجيش الليبي الحرب وحده أمام الغازي التركي، ونحن هنا نعذر الجيش الليبي بحكم قدراته المحدودة في التعداد والعتاد، ونثني على ما قدمه خلال الأعوام السابقة وما سيقدمه حتى تحرير كامل ليبيا، ولكن على حلفاء الجيش الليبي أن يدركوا أن عدم النزول بثقلهم إلى الميدان الليبي سيترتب عليه، ليبيا مقسمة لشرق وفى الجهة الأخرى غرب وجنوب معا، فالتركي سيسعى للجنوب والطريق ممهد أمامه، وهذا ما سيمهد لشمال أفريقي إخواني بأمتياز، شمال أفريقي تحت مظلة العثمانيين الجدد، فتداعيات المشهد الليبي ستصل للمغرب غربا وحتى سيناء شرقا، ولا نستبعد ان تكون التطورات التى حدثت في سيناء مؤخرا على صلة عن ما يدور في غرب ليبيا.

وهنا نقول أن روسيا تدافع فى ليبيا عن مصالحها فقط كحال الأميركي والتركي والفرنسي والأيطالي، كما تفعل روسيا في سورية، فكل الأطراف الخارجية تدخل للملف الليبي طمعا في كعكة إعادة الإعمار، والإستحواذ على اليورانيوم والنفط، ولتعزيز أوراق كل طرف ضد الأخر لمساومته به أو الدخول معه في صفقة مستقبلا، أما دول الجوار الليبي فالأمر لهم أمن قومي ومسألة وجود.

وهنا سيطرح سؤال أخر أولا أين دور تونس والجزائر؟

وثانيا أين دور الجار والداعم التاريخي لليبيا إلا وهي الشقيقة الكبرى مصر؟

أولا فيما يخص تونس والجزائر، فالتاريخ يقول أنه عندما أراد الإستعمار الأيطالي ضرب نضال المجاهدين الليبيين في مقتل أقام شريطاً من الأسلاك الشائكة بطول حدود ليبيا مع مصر وليس مع الجزائر أو تونس التى أصبحت موانئها نقطة إنطلاق المرتزقة التركمان والسوريين نحو طرابلس.

ثانيا فيما يخص الدور المصري فقد قيل الكثير، ولكن الجديد يبدو أن مصر لا ترغب في الصدام مع المجتمع الدولي قبل الصدام مع أثيوبيا بسبب سد النهضة بعد شهرين من الأن، ولذلك تتصدر الإمارات المشهد في فريق داعمي المشير حفتر.

أخيراً وليس آخراً، ملحوظة يجب إلا تفوتنا في ظل رؤيتنا الشاملة لم يدور في ليبيا، وهو بعد أن سيطر مرتزقة الغازي العثماني على قاعدة الوطية تصدر هاشتاج "الوطية" موقع تويتر، والى هنا لا يوجد غريب فالحدث جلل وكبير، ولكن أن يكون هذا الهاشتاج متصدرا في دولة مثل الكويت غير المنخرطة في الملف الليبي بأي شكل، فهذا أمر يدعو للوقوف أمامه، خصوصاً عندما تكون تعليقات الأشخاص المصاحبة لهذا الهاشتاج داعية لقتل جنود الجيش، ومباركة لإحتلال الغرب الليبي، ومتغنية بأسم خليفة المسلمين أردوغان.

ما يحدث في الكويت منذ أسابيع من تحريض بالداخل الكويتي ضد الجالية المصرية المتواجدة هناك، وما حملته عناوين الصحف الرسمية ومواقع التواصل الكويتية من تنمر ضد المصريين لم يكن مجرد صدفة، بل أمر مرتب ومعد له لاجندة معينة لا علاقة لها بالأمن القومي الكويتي، فماذا ستحمل الأيام القريبة المقبلة لليبيا؟!

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل