خطة إقتصادية بنكهة "حريرية" ـ عدنان الساحلي

الجمعة 08 أيار , 2020 10:15 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يقول المثل العامي اللبناني الشائع: "أنفّخ على اللبن البارد، لأنه لسعني عندما كان حليباً ساخناً".

ينطبق هذا المثل على حال معظم اللبنانيين مع حكومة الرئيس حسان دياب. فمجرد كون الحكومة برئاسة غير سعد الحريري، لا يكفيها لكي يعطيها اللبنانيون ثقتهم. ولأن تغيير رئيس الحكومة السابق سعد الحريري جرى أكثر من مرة، فجاءت النتائج مخيبة لآمال معظم اللبنانيين، لذا يخشى ألا تكون تجربة دياب أفضل حالاً، خصوصاً مع ظهور ملامح الخطة الإقتصادية التي يقال أنها خطة لإنقاذ الإقتصاد اللبناني من الإنهيار. وهي لا تختلف في بعض جوانبها عما سبق أن أراده الحريري ورفضه اللبنانيون. من دون أن ننسى أن البعض قدم للحريري "لبن العصفور" لكي يبقى سيداً على السراي، لكن "وحيه" أمره بغير ذلك.

تسلم فؤاد السنيورة رئاسة الحكومة، بدلاً عن ضائع. وبقي، كما كان سابقاً، جزءاً من فريق عمل الحريرية السياسية. التي يقال أنها بدورها قد تشهد تغييراً في واجهاتها الأولى.

وجرى ترئيس نجيب ميقاتي، وسط ترحيب وتهليل بانه سيكون نقيض الحريرية في سياساته وتحالفاته وفي أدائه الداخلي. لكنه كان أكثر جرأة منها في تلبية كل ما طلبه منه محركوا الحريرية الأميركيون وممولوها السعوديون. وها هو حليفاً عضوداً، أو حتى لدوداً، للحريرية. وعلى عداء مع من رشحه وزكاه وفتح له طريق الإنضمام إلى نادي رؤساء الحكومات.

حتى تمام سلام، الذي عانى الأمرين من دخول الحريرية السياسية إلى بيروت، إذ أنها أسقطته من موقعه النيابي كوريث لزعامة تقليدية عريقة مثّلها الراحل صائب سلام. وانتزعت منه دوره في رئاسة جمعية المقاصد والإشراف عليها. لذا صنف ترؤوسه للحكومة هزيمة للحريرية وإعادة إعتبار له. لكنه سرعان ما تمسك ببيت الطاعة وحصل على مقعد نيابي من ضمن اللوائح الحريرية. وها هو مجرد عضو في "تجمع" رؤساء الحكومات الحريريين، الذين يستنطقهم "شيخهم" سعد كلما أحس بضعف أو بهجمة عليه من إحدى الجهات.

وبينما يحاول رئيس الحكومة الحالي الظهور بأنه يختلف عن الحريري، الذي كان الإعتراض الشعبي قوياً على قبوله بشروط مؤتمر "سيدر"، التي لا تختلف في الجوهر عن شروط صندوق النقد الدولي، التي باتت معروفة للقاصي والداني، لكثرة ما تداولها الكتاب والمحللون، ها هي حكومة دياب تتوجه نحو صندوق النقد وتبدي رغبتها بإحياء عروض سيدر" التمويلية المشروطة.

وكان الرئيس سعد الحريري في أواخر أيام حكومته، التي سبقت حكومة دياب، هيأ برنامجاً إقتصادياً "لإصلاح" ما خربته حكوماته وحكومات والده الراحل رفيق الحريري. تقاطعت بعض بنوده مع ما تحضر حكومة دياب ليكون برنامجها، الذي عقد لقاء سياسي في قصر بعبدا هذا الأسبوع، بحثاً عن إجماع وطني على مضمونه. ومن أبرز بنود خطة الحريري إقتراحه فيها تجميد زيادة الرواتب والأجور لمدة 3 سنوات، بدءاً من عام 2020، في حين أن حكومة دياب ستجعلها خمس سنوات. كما أقترح تعديل نظام التقاعد وزيادة أسعار الكهرباء، وإلغاء دعمها تدريجياً ورفع معدل الضريبة على القيمة المضافة على الكماليات إلى 15% ، ورفعها تدريجياً إلى هذا المعدّل على بقية السلع الخاضعة للضريبة؛ وزيادة رسوم التبغ بمقدار 3 آلاف ليرة للمستورد و1500 ليرة للمحلي، وزيادة رسوم المشروبات الروحية بنسبة 100%. وهذا حصل واقعاً ومضاعفاً مع حكومة دياب، بفعل هبوط قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي؛ والإرتفاع الفاحش في أسعار السلع الضرورية والكمالية، المحلي منها قبل المستورد.

واللافت في ورقة الحريري، هو ما تضمّنته تحت عنوان «الاستقرار النقدي وخفض عجز ميزان المدفوعات». ففي معرض تأكيدها «الاستمرار في سياسة استقرار سعر الصرف»، أي بمعنى تأمين الشروط لمواصلة تثبيت سعر الليرة، طرحت اللجوء إلى المزيد من الديون الخارجية، عبر «تأمين خطوط ائتمان بالعملة الأجنبية لتمويل عمليات التجارة الخارجية»، أي الاستدانة من الخارج لتمويل الاستيراد. وحكومة الرئيس دياب تضع نصب أعينها الإستدانة مجدداً، لكن مع تفلت سعر الليرة، التي إنهارت قيمتها أمام الدولار، بنسبة تقارب 300 في المائة، حتى اليوم، بما الغى مفعول سلسلة الرتب والرواتب أضعافاً مضاعفة. وبات اللبنانيون يخشون الأسوأ، على غرار تكرار مسرحية تشريع زراعة المخدرات، التي عارضها فريق سبق أن أعلن رفضه لها. لكن أكثرية المجلس النيابي صوتت "بكل ديموقراطية" على تشريع ما كان محرماً. وغداً، قد توافق الحكومة على تسليم رقبة لبنان إلى صندوق النقد وشروط "سيدر" وتقبل بسلطة إنتداب تعينها الإدارة الأميركية، التي لا يمل الناطقون باسمها حتى الساعة، عن التذكير بتلك الشروط. فهل نبدأ الندب من اليوم، أم ننتظر وقوع الواقعة؟ أو أن الوقت قد حان لوضع مشروع وطني للتغيير عابر للطوائف والمناطق، يعامل جميع اللبنانيين بعدالة لا تتجرأ أمامها المرجعيات الطائفية عن حماية الفاسدين. ولا تضع خطوطاً حمراً أمام تطبيق القانون على أي كان.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل