تشريع الحشيشة .. عسل أميركي مسموم ـ عدنان الساحلي

الجمعة 24 نيسان , 2020 09:58 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

نجح مشرعو الفساد في مجلس النواب اللبناني، المشاركون بالفعل والتحاصص في سرقة أموال الشعب، بفرض قانون لتشريع زراعة الحشيشة على اللبنانيين عموماً وعلى أبناء بعلبك والهرمل خصوصاً، لتكون هذه الخطوة محطة مفصلية في تأكيد نجاح الحرب الأميركية على لبنان لمحاصرة المقاومة والتخلص منها، بعد محاربتها بشتى الطرق والوسائل، بما في ذلك الإساءة إليها وإلى حواضنها الشعبية، خصوصاً في رمزية أن مقاومة "حزب الله" تحديداً إنطلقت من منطقة بعلبك الهرمل، فيجري وصمها بأنها بؤرة مخصصة لزراعة المخدرات، كجزء اساسي من الحرب على المقاومة وحواضنها.

اسقط مجلس النواب بكل وقاحة القوانين الإصلاحية وتلك المتعلقة بالمساعدات الإجتماعية؛ وأقر تشريع زراعة الحشيشة.

 صحيح أن هذا التشريع قد يطال مختلف المناطق. لكن زراعة الحشيشة موجودة منذ عشرات السنين في بعلبك  والهرمل. وهي كلفت هذه المنطقة مشاكل وإشتباكات ومداهمات ودماء غزيرة؛ واعتقالات ملأت السجون من المتهمين بزراعة هذه النبتة والإتجار بها. فما الذي سيقوله الفاسدون في مجلس النواب لأرواح الذين قتلوا على مر العقود والسنين الماضية، بذنب زراعتهم لها. وماذا سيقولون لذلك المؤمن الذي فضل اللقمة الحلال مع الفقر وإحترام القانون، على الثراء الحرام مع زراعة الحرام ومخالفة القانون؟ فالذاكرة الجمعية لأهل بعلبك الهرمل، تحفل بقصص عن كثيرين رفضوا تحقيق ثروات بزراعة الحشيشة والأفيون. وزارع أي من النبتتين هو نفسه زارع الأخرى.

ففي عرف أغلبية الناس أن زراعة هذه النبتة حرام وإغضاب للخالق ومخالفة لشرائعه. فماذا سيقول مشرعو زراعة الحشيشة للأحياء من هؤلاء ولقبور الأموات منهم، هل سيقولون لهم انكم كنتم أغبياء لأنكم فضلتم التقوى والورع على الغنى والثروة؟ علماً أن كثيرين باعوا أملاكاً ليرسلوا أبناءهم للتعلم في جامعات الداخل والخارج. وبعد هذا التشريع لن يتوجه إلاّ القلة نحو العلم. وسيمتهن كل باحث عن عمل هذه الزراعة، بوجهها المخدراتي لا الطبي. فهل هذا هو مطلب الغيورين على بعلبك الهرمل؟

هذه الزراعة موجودة في بعلبك ـ الهرمل منذ عشرات السنين، باعتبارها زراعة ممنوعة بحكم القانون والشرائع والأعراف. فأي سلطة أو دولة تستطيع أن تحولها إلى مجرد زراعة للإستخدام الطبي. وهل يضمن المجلس النيابي الممثل لسلطة غائبة عن كل هموم شعبها، أن البقاع مع تشريع هذه الزراعة، لن يتحول إلى تكساس عربية وكولومبيا شرقية، مع نفحة مافياوية أميركية. وأن التقاتل على الأرض وعلى زراعة هذه النبتة لن يكون سمة المرحلة المقبلة، في منطقة يشهد تاريخها البعيد والقريب تقاتل سكانها على الرعي والري، بما ورطهم في عمليات ثأر إمتدت تداعياتها عشرات السنين وحصدت أرواحاً كثيرة غالية على محبيها. وخلفت أحقاداً إستلزمت عقوداً من التهدئة حتى أزيلت آثارها. وجاء هذا التشريع ليجدد أسباب الصراعات ويضع الناس أمام الواقع القديم الذي إجتهدوا للتخلص منه.

فهل عن جهل أم عن تآمر، سوق الذين سوقوا وشرعوا هذا القانون، الذي سيعيد منطقة بعلبك ـ الهرمل مائة سنة إلى الخلف. وأن ما يقولونه عن الإنماء ما هو إلا ثرثرة لا تطعم خبزاً، لأن أهل المنطقة مزارعون كانوا يحصلون على الفتات، أما الأرباح الفاحشة فهي ل "سكك التهريب" المحمية والغريبة عنهم، التي تأكل البصلة وقشرتها. ويمكن معرفتها إذا رسمت خطاً بيانياً من بعلبك باتجاه البحر، حيث تتولى "السكة" نقل البضاعة إلى البلدان الأوروبية والأميركية. ويعرف أبناء بعلبك والهرمل أن أي محاولة من أحدهم للقفز فوق السكة ونقل "منتوجه" إلى الخارج، كان يعني إستضافته سنوات وسنوات في السجون الأميركية والأوروبية. ونظرة إلى العميل عامر الفاخوري، تشرح كيف يشبك البعض علاقات مع أجهزة مخابرات القوى الخارجية، حتى لوكان بعضها معادياً، فيتوصل إلى مجالسة دونالد ترامب وأمثاله والتصور معهم.

وحتى لا ينخدع الناس، فإن الأميركي ومعه قاعدته العسكرية المتقدمة في المنطقة "إسرائيل"، إضافة إلى أتباعهم من عرب النفط وادواتهم في الداخل اللبناني، فشلوا حتى اليوم في ضرب المقاومة أو حصارها، أو عزلها عن جمهورها والمؤمنين فيها. فعمدوا إلى شن حرب الإخضاع المالي والإقتصادي التي يعاني اللبنانيون من فصولها، خصوصاً في حرب الدولار على الليرة، التي تتم بأيادي لبنانية مجرمة وعميلة. ويأتي تشريع زراعة الحشيشة في هذا السياق، ليضرب بيئة المقاومة ويفجرها من الداخل، خدمة للمشروع الأميركي- الصهيوني وأدواته الداخلية.

ومثل هذا التشريع لن يفيد منطقة تعتبر الشريحة العظمى من سكانها أن هذه الزراعة محرمة شرعاً. وأنها تدنس أرضها إذا زرعت فيها وتهدر معها إيمانها وتقواها وصلاتها. وتعتبر في الوقت نفسه كل من يتعاطى بها خارجاً عن القانون و"مأشلطاً" أي فاقداً للقيم الدينية والأخلاقية، تطارده الدولة.     

فهل لاحظ المشرعون "الغيورون" على مصالح أبناء البقاع، أن السجون ما تزال مكتظة بالمتهمين بزراعة الحشيشة أو الإتجار بها. وأن التشريع لم يرافقه منح هؤلاء عفواً ولا قرر منحهم تعويضاً عن سنوات القهر والعذاب التي أمضوها في السجون.

كذلك، هل دقق الفرحون بتشريع هذه الزراعة، باشخاص المستفيدين من تشريعها؟ وهل أجرى أحدهم دراسة أو إحصاء عمّا آلت إليه ملكيات الأرض الكبرى في المنطقة، خلال السنوات الأخيرة ومن باع ومن إشترى إستعداداً لتوسعة هذه الزراعة؟

حتى محاولة إستدعاء نموذج زراعة التبغ لا ينجح. فزراعة التبغ لم توقف نزيف الهجرة الجنوبية. والتراخيص ستكون للأزلام. وريجي الحشيشة ستكون للمحظيين والمحاسيب.

ولمن يحاول زج المقاومة في كل ما يفرح سيده الأميركي، فان الواقع يؤكد أن الأكثرية الساحقة من تجار المخدرات وزارعيه بعيدون عن المقاومة، إن لم يكونوا معادين لها، فالبيئة المؤمنة ترفض هذه الزراعة. في حين أن ممتهنيها بحكم المصالح، منفتحون على السكك المشبوهة المرتبطة بأعداء المقاومة.

ويعرف المستفيدون من هذه الزراعة، أن لا دولة في لبنان قادرة على تطبيق القانون لا قبل التشريع ولا بعده. وبالتالي، فإن تشريع زراعة المخدرات بالنسبة لأبناء المنطقة سيعني العودة إلى العشائرية والعائلية وترسخها أكثر فأكثر، لتعيد بعلبك ـ الهرمل إلى ماضيها، محميات لهذا النافذ وذلك المستقوي. وستعود أكثر فاكثر ميداناً للتبارز والقتل وإستعراض النفوذ. وستذهب كل الجهود المضنية التي بذلت لدفع الناس خطوات نحو المدنية والتقدم هباء، لتعود بعدها عادات القتل والثأر وغياب القانون وسيادة شريعة القوة.

أهل البقاع وبعلبك ـ الهرمل تحديداً يحتاجون إلى إنماء يستغل أراضيهم الواسعة ويخدم شبابهم الذي إنتشر في الداخل والخارج، ينهل من علوم الجامعات ويواكب عصر التكنولوجيا والبحث العلمي والإبتكار الصناعي، لا إلى "إنماء مسموم" هدفه دفعهم مائة سنة إلى الخلف، ليعودوا إلى التقاتل على ملكية الأرض، بعد أن يحولهم المجلس النيابي بالجملة إلى زارعي حشيشة وتجار مخدرات. حتى أن بعض الخبراء يؤكد أن الأرض التي تزرع بنبتة الحشيشة، لن تعود صالحة لزراعة سواها من المزروعات الحيوية الضرورية لإطعام الإنسان.

ففي أي خانة سيوضع هذا التشريع، طالما أن البلاد بكل فاعلياتها تدعي أنها تشن حملة على الفساد، هل هو "إنماء"، تؤكد إستطلاعات حديثة أنه سيوسع من دائرة متعاطي هذه المادة المخدرة. أم هو الفساد بعينه يتم تشريعه إرضاء لفاسد هنا ومتزعم هناك؟

والأخطر أن يكون التشريع وسيلة الذين نهبوا مال الدولة، بحثاً عن مصدر مال يسرقوه مجدداً، فتكتمل جريمتهم لتصبح أشبه بابادة شعب.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل