دياب والدهر الحريري ـ عدنان الساحلي

الجمعة 17 نيسان , 2020 11:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

هل تصلح الماشطة ما افسد الدهر؟

هذا المثال ينطبق على واقعنا اللبناني الحالي، بحيث يحور السؤال إلى: هل يصلح دياب ما أفسده الحريري؟

والواقع أن "الماشطة" ليست أمام ما أفسده الحريريين الأول والثاني وحدهما، بل أنها أمام منظومة كاملة من الفاسدين المتسلطين الذين اتفقوا على عدم بناء دولة. وأن تكون محاصصة بالتساوي بينهم في سرقة ونهب المال العام. وهذا الفعل ليس هدراً، بل إستحواذ، إذ أن شيئاً من المال العام لم يضع هنا أو هناك، بل تحول إلى ثروات خيالية، جرى فيها شراء الدور والقصور والعقارات الموزعة بين المناطق والطوائف. وتم فيها توسيع النفوذ وتكبير "الزعامة". واستثمرت بوضعها في المصارف، لتقدمها هذه بدورها للحاكمين أنفسهم، ديوناً للدولة بفوائد خيالية. ثم جرى تهريب معظمها إلى خارج البلاد عندما قرر الحريري وشركاؤه ترك البلد للفراغ.

والواقع كذلك، وكما اعترف رئيس الحكومة حسان دياب، الذي اعطى حكومته هوية مقدرة لدى اللبنانيين بزيارته الرئيس سليم الحص، أن المسألة أعقد وأصعب مما يتصورها البعض. فالمتحكمون بالدولة والمتسلطون على رقاب العباد، المحميون بكونهم "زعماء طوائفهم"، ليسوا لقمة سهلة لا لحكومة دياب ولا لكل من يفكر بإصلاح أو بمحاسبة على فساد هنا، أو سرقة  مال عام هناك، أو إستغلال للسلطة هنالك. وهم أنفسهم، كقوى سياسية، حاربوا حكومة الحص في عهد الرئيس اميل لحود وتغلبوا عليه.

كما أن البلد من الأساس، لا يملك مقومات وطن قادر على إطعام شعبه، إذ أنه عاش ونما وجمع ثروات على حساب مصائب ونوائب الجوار، لكنه فقد دوره ووظيفته، عندما عم البلاء الصهيوني ولم يعد الأخرون يحتاجونه. لم يعد لبنان مستشفى العرب التي يتطببون فيها. ولا الجامعة التي تعلمهم أصول الثقافة الغربية وتقاليدها. ولا المصرف الذي يخزن فيه الحكام وحاشيتهم سرقاتهم من مال النفط وثروات شعوبهم. حتى السياحة والإصطياف فيه باتت بدائلهما كثيرة ومتوفرة لعرب النفط، فماذا سيفعل الوطن الصغير المفتعل ليبقى على قيد الحياة؟ حتى كانت "ثالثة الأثافي" بقدوم الحريرية لتستنفذ ما تجمع لديه من ثروات ومن أموال الأيام البيض. وكذلك من مدخرات تعب وكدح المغتربين من أبنائه، الذين إقتحموا مجاهل العالم بحثاً عن عمل ولقمة عيش، فجمعوا ثروات حملوها إلى وطنهم، إضافة إلى عشرات المليارات التي تمت إستدانتها، فإذ بها تتبخر كلها، في لعبة أدارها الحكام المتحصنين خلف طوائفهم وخلف تبعيتهم لسفارات تحميهم وتدير سياساتهم، بالتحالف مع أصحاب المصارف، الذين نالوا حصتهم من دورهم الوسيط هذا، فتضاعفت رساميلهم بشكل خيالي، لتصبح بعشرات المليارات بعد أن كانت أقل من 300 مليون دولار عام 1992.

هكذا نجحت خطة تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، التي تكاملت مع حرب الإخضاع المالي الأميركي ضد لبنان، في إفلاس هذا البلد وإفقار شعبه. فالفاسدون هالهم أن يحصل اللبنانيون على سلسلة رتب ورواتب، يعوضون فيها بعض ما خسرته مداخيلهم في التضخم الإقتصادي الذي تشهده البلاد. فتحدثوا منذ لحظة إقرار السلسلة، عن نية رفع سعر الدولار، لتعطيل مفعولها وسرقة ما وفرته لمحدودي الدخل.

وتوازى ذلك مع عمل الأميركي بنفوذه وأدواته، على مواصلة عقوباته لخنق لبنان إقتصادياً، لإجباره على تقديم تنازلات سياسية، تترجم بقبوله الشروط الأميركية وهي مطالب "إسرائيلية" في قطاع النفط وإقتطاع من الأرض والتخلي عن دور المقاومة. ويعرف كل متابع أن التهديدات الأميركية شملت التلويح باللعب بالدولار ضد الليرة، كوسيلة من وسائل إفقار وتجويع اللبنانيين. 

 لذلك، إن ما نشهده هذه الأيام لم يعد يقتصر على جريمة سرقة المال العام التي جرت فصولها طوال العقود الثلاثة الماضية، بل أن جريمة جديدة تنفذ بحق اللبنانيين هذه الأيام، تم فيها إسقاط قيمة الليرة الوطنية، خسر المواطن اللبناني بنتيجتها خمسين في المائة من قيمة دخله. وما يحصل أن الأميركي عمل على تجفيف مصادر العملة الصعبة المتجهة إلى لبنان. في حين تولى الفاسدون وسارقو المال العام تهريب أموالهم الحرام إلى الخارج وهي بالمليارات. واللافت أن الحكومة الحالية التي تتعرض لحملة من قبل تحالف الفاسدين، تتلهى بملاحقة نتيجة هذه اللعبة، عبر الحديث عن إرتفاع الأسعار واستغلال التجار. في حين أن الأولى بها مطاردة من أخرج امواله من لبنان وسرق أموال اللبنانيين المودعة في المصارف.

وفي كل الأحوال، غيّر العلم والتطور ما كان مستبعداَ في السابق. وبات في إمكان "الماشطة" إصلاح ما أفسد الدهر. ووجوه الجميلات تشهد على ما بات متاحاً، شرط أن تقتنع حكومة حسان دياب أن لبنان الذي تريده متعافياً، يجب أن يختلف في الشكل والملامح عن ذلك الذي دمرت الحريرية وحلفائها حيويته. لبنان ما بعد الحريرية يجب أن يناقض الشكل الذي ارادته له الحريرية ومن وقف خلفها وبجانبها. والإستثمار لصالح الوطن يختلف تماماً عن إستثماره واعتباره سلعة للبيع في اسواق لصوص العالم.

       

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل