المغرب بين فيروسي كورونا التاجي والتيار الوهابي ـ فادي عيد وهيب

الخميس 16 نيسان , 2020 10:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تسير الأمور في أغلب دول العالم بوتيرة واحدة وهي الحرب على فيروس كورونا، بينما تعيش المملكة المغربية أوضاعاً مختلفة بعض الشئ عن باقي دول العالم، لكن وضعها ليس بغريب عن حال الشرق الأوسط المضطرب دوما، ففي الثالث من أبريل/ نيسان الجاري قضت المحكمة الابتدائية بعين السبع في مدينة الدار البيضاء بالسجن لمدة عام مع النفاذ مع دفع غرامة مالية قدرها ألفي درهم مغربي على الشيخ السلفي المعروف عبد الحميد أبو النعيم، وجاء ذلك الحكم على خلفية اتهام أبو نعيم بالتحريض على الكراهية، والتمرد على ما أمرت به السلطة في المملكة، وأرتكاب جنايات وجنح ضد الأبرياء، بعد أن نشر أبو النعيم فيديو على موقع فيس بوك، يقول فيه :"إن البلد الذي يأمر بإغلاق المساجد يكون قد أرتد عن دينه، وكفر بعد إيمانه، وأصبح دار حرب وليس دار سلام." في إشارة منه إلى قرار الحكومة المغربية بإغلاق جميع دور العبادة في ظل خطوات الدولة المغربية لمكافحة تفشي فيروس كورونا.

إلى ذلك، فإن الشيخ أبو النعيم كثيراً ما شكك في وجود فيروس كورونا بالأساس، بعد كم لا أخر له من التصريحات التى دعا فيها مسلمي المملكة المغربية إلى عدم الإلتزام بأي قرار من قرارات الحكومة، كل ذلك وأكثر جعل المكتب الوطني لمكافحة الإرهاب والجريمة يفيض به الكيل، بعد أن منح القصر الملكي المغربي العديد من الفرص لمختلف أبناء تيار الإسلام السياسي.

ولمن لا يعرف من هو الشيخ السلفي عبد الحميد أبو النعيم، فانه واحد من أبرز رجال الفكر الوهابي في المغرب على الاطلاق، فبعد أن عمل كمدرس لمادة التربية الإسلامية في منطقة درب السلطان التى كان يقطنها، تفرغ لنشر أفكاره الوهابية، ولذلك عزل بصفة نهائية من مهامه في وزارة الأوقاف المغربية بعد أن ضاقت الوزارة ذرعا بما كان يصدح به على المنابر الدعوية.

وقد تتلمذ أبو النعيم على يد الشيخ تقي الدين الهلالي الذي يعد أول من أدخل الدعوة السلفية إلى المغرب، بعد الشيخ أبو شعيب الدكالي والشيخ محمد بن العربي العلوي، وكان قد رحل إلى المملكة العربية السعودية في شبابه وجلس إلى كل من الشيخ محمد بن صالح العثيمين وعبد العزيز بن باز وعبد الكريم الخضير وعبد المحسن العباد، وذهب الى القاهرة التى وجد فيها أفضل من أقتنع بأفكاره الشيخأبو إسحاق الحويني، وتم بينهم لقاءات عديدة.

كما أن أبو النعيم يعد واحداً من أكثر وأشرس من هاجم كل التيارات السياسية غير الإسلامية والافكار العلمانية، حتى أعتاد لسانه على سب وقذف القيادات الدينية البارزة بالمملكة المغربية، ونتذكر وقت محاكمته بتهمة إهانة بعض المؤسسات كوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكذلك عندما حرض على قيادات حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية.

ويبدو أن أبو النعيم قد فتح الباب لغيره، من التيارات الإسلامية المتطرفة التى تعمدت الأصطياد في الماء العكر، وأستغلال أزمة كورونا أسوأ أستغلال، حتى جاء الدور على نجل الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الإسلامية (جماعة إسلامية معارضة شبه محظورة) ياسر العبادي ليهاجم هو الأخر النظام المغربي أيضا، فاعتقلته سلطات الأمن من بيت والده في مدينة سلا المجاورة للرباط، وذلك عقب نشره تدوينة وصف فيها الحكومة والنظام المغربي بـالنظام الديكتاتوري الإرهابي.

وما زاد الطين بلة هو تصريح الناطق الرسمي بأسم الجماعة حسن بناجح، الذي قال في تدوينة له "أن الاعتقال هو مؤامرة لصرف الجماعة عن ما تقوم به، مما هو معلن ومما لا تعلنه من واجبات تجاه المجتمع، فمن المؤكد أن للجماعة من الحكمة والفطنة والتبصر ما يحصّنها عن الانجرار لفخ الإلهاء عن الإنجاز، أو السقوط في مكيدة اتخاذها شماعة لتبرير الاختلالات الرسمية الواضحة في تدبير الأزمة الحالية"

وعليه نتوقع أن يعيد القصر الملكي رؤيته في تعامله مع تيارات الإسلام السياسي مرة أخرى، فبعد أن راهنت المملكة المغربية على التيار الصوفي وحده، وقدمت له الدعم على حساب باقي التيارات المتشددة والمتطرفة على خلفية التفجيرات التى شهدتها الدار البيضاء في 16 مايو/ أيار 2003م، لكن القصر الملكي اكتشف عدم قدرة التيار الصوفي في شغل مكان جماعة الإخوان المسلمين بالأمس، وها هو الأن يشاهد التيار السلفي المتطرف، وهو التيار الذي سارت أسهمه في تصاعد بعد حركات الإحتجاج الشعبي في دول المنطقة 2011م، فالقصر الملكي الأن في حيرة شديدة بعد أن وجد نفسه بين شقي الرحى (الإخوان والسلفيين) حيث كان يعتقد لسنوات طويلة أنهم أصبحوا أذرعاً له في الشارع المغربي بعد سلسلة من الأتفاقات السرية معهم، فالإخوان وإن كان القصر الملكي قدم لهم ثاني أهم منصب في البلاد، وهو منصب رئيس الحكومة وبعض الحقائب الوزارية ونصف الكراسي البرلمانية، كي يتجنب ما حدث لدول الربيع العربي من صدام دموي بين تنظيمات الإخوان والحكومات، مع العلم أنه منذ ما قبل 2011م، والقصر الملكي يتعامل بنظرية احتواء جماعة الإخوان ، لكن الإخوان اصبحوا عبئاً على الملك محمد السادس، في ظل فشل رئيس الوزراء الأسبق عبد الاله بنكيران (المحسوب على حزب العدالة والتنمية الإخواني) والحالي سعد الدين عثماني والمحسوب على نفس الحزب والجماعة أيضا، في تنفيذ أي تنمية أو مشروعات قومية للبلاد تنهض بأقتصادها الذى كان العامل الرئيسي للاحتجاجات الشعبية، بينما التيار السلفي الذي يفترض أنه لا ينخرط في السياسة والعمل السياسي، أصبح الآن في المغرب كمشروع الإخوان المسلمين الذي يروج لنفسه بأنه يحمل مشروعاً متكاملاً لأدارة الدولة، واليوم التيار السلفي يكشر عن أنيابه فى المغرب ويعلن تمرده على كل الأتفاقات التي عقدها مع القصر الملكي سابقا، حتى أن السلفيين عقدوا العزم ولأول مرة على التغريد خارج السرب، ومهاجمة النظام المغربي عبر أبرز رجالهم، فسجل الشيخ السلفي أبو النعيم أول تمرد سلفي على القصر الملكي، بعد أن كانت كل تيارات الإسلام السياسي تنأى بنفسها من كل الصدامات السابقة التى حدثت بين الشعب والنظام، والتى كان أبرزها فى الريف المغربي بقيادة ناصر زفزافي.

حقيقة الأمر، لقد بات القصر الملكي المغربي في حيرة أمام قلة حيلة التيار الصوفي في الشارع، والفشل الإخواني في الحكومة، وتمرد السلفي على المنابر، فهل يكتب المستقبل القريب علاقة جديدة بين القصر الملكي والأحزاب العلمانية، أم نرى صيغة جديدة أكثر تعقيدا لإعادة العلاقة بين القصر الملكي والتيارات الإسلامية تكون أكثر إرضاء للبعض على حساب البعض الأخر.

كما لا يفوتنا طبيعة العلاقة بين الرياض والرباط والتى سيكون لها إنعكاس مباشر على شكل تعامل القصر المغربي مع التيارات السلفية المدعومة ماليا ومتأثرة فكريا بالسعودية، فالمغرب اليوم يواجه وباءين وليس وباء واحداً، الأول فيروس يتطاير في الهواء أصاب الف فرد من الشعب المغربي، والثاني فكري يتنقل بين الأفكار مدمراً الأف العقول من أبناء المغرب وممزقاً أبناء الوطن الواحد، كما يمزق فيروس كورونا القفص الصدري.

 

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل