دولة الإحباط ـ عدنان الساحلي

الجمعة 10 نيسان , 2020 10:53 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تستمر متاهة لبنان وحكومته في ازماتهم المتوالية، من دون ما يشير إلى نجاح يذكر في مواجهتها بجدارة كافية.

ويبدو أن الخشية باتت لدى كثيرين من اقتراب الوقت الذي يظهرون فيه خيبتهم من حكومة الرئيس حسان دياب، التي إستهلكت مهلة المائة يوم التي أعطتها لنفسها، من دون أن يرى اللبنانيون منها غير تصريف الأعمال وإرتباك ظاهر في مواجهة المشاكل المحدقة، حتى أن قيام وزير الصحة حمد حسن بواجبه بصدق وجدية ونشاط، في إدارة موارد الدولة بمواجهة جائحة "كورونا"، ظهر وكأنه بدعة، أو أمرأًغريباً عن لبنان واللبنانيين، لم يتعودوا عليه، خصوصاً بعد مناخ الفساد وإستغلال السلطة، الذي ميز أعمال معظم الحكومات السابقة، التي أوقعت لبنان في حفرة مديونية قيمتها مائة مليار دولار، لا تجد الحكومة الحالية، حلولاً لها إلا بالمزيد من المديونية التي تلوح في أفق الأفكار المتداولة!

فاللبنانيون الذين إنتفضوا على فساد حكومة سعد الحريري، يتطلعون إلى إجراءات مخالفة لما كان سائداً، تنقض السياسات المالية التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه. وتبدأ في الدرجة الدنيا بمحاسبة الذين هربوا أموالهم إلى الخارج، لأنها لو كانت أموالاً مشروعة لما خافوا عليها. إلا إذا كانت قناعة السياسيين الجدد أن ليس بالإمكان أفضل مما كان، في هذه الحالة هم يدفنون آخر الآمال بإحياء هذا الوطن المريض.

ومن سوء طالع الحكومة، أن العميل عامر الفاخوري سفاح سجن الخيام، وضعها في إمتحان صعب سقطت فيه في وجه النفوذ الأميركي المتسلط على لبنان. فابتلعت إهانة تهريبه رغم قرار القضاء بمنع مغادرته الأراضي اللبنانية. في حين أن أقل ما كان متوقعاً منها هو وقف "التسهيلات العسكرية" المعطاة للأميركي في  مطارات لبنانية، يستعملها كقواعد لجنوده ومنطلقاً لتحركاته.

ولأن أصوات اللبنانيين إرتفعت بالشكوى من وجود سلطة حاكم بأمره في مصرف لبنان، عاصر عهوداً رئاسية عدة وحكومات متعاقبة ولم يتزحزح عن موقعه وعن راتبه الخيالي، الذي يفوق راتب حاكم البنك المركزي الأميركي، لم تتجرأ الحكومة على المس به ولا بصلاحياته، التي جعلت أركان الدولة يجهلون ما هي الأموال الداخلة أو تلك الخارجة من مصرفهمم المركزي. بل أن طلبها الخجول من وزير ماليتها دعوة حاكم مصرف لبنان إلى تخفيض الرواتب الخالية في المصرف، بدءاً من راتبه، تماشياً مع حالة الإفلاس التي تضرب مالية الدولة، قوبلت منه بإزدراء عبر عنه تعيينه مساعدته "مستشارة ممتازة" براتب قيل أنه خمسة وعشرون مليون ليرة، في وقت قررت فيه الحكومة ذاتها، التكرم على العائلات التي أوقف الحجر المنزلي الصحي القائم مصادر عيشها، بمبلغ أربعمائة ألف ليرة لبنانية لتسد فيه مصاريفها لشهر كامل. حتى أن عزم الحكومة على تعيين نواب للحاكم سلامة، وفق القوانين السائدة، قوبل بتهديد أميركي لعدم المس بأحد مساعديه، باعتباره (وبكل وقاحة) متعاوناً مع الأميركيين.

وفيما يتخبط لبنان الرسمي والشعبي في حمأة ازماته الإقتصادية والمالية والصحية، تعود ذكرى الثالث عشر من نيسان 1975 لتحيي ذاكرة من يتجاهل أن ما نشهده هو أزمة وعطل بنيوي في النظام ومقوماته، منذ بداية تأسيس هذه الكيان، الوظيفي بنظامه، العصي على التغيير؛ والرافض لمغادرة طريق الفساد والسمسرات والمحسوبيات، ضمن منطق المحاصصة الموزع "بالعدل" بين تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف.

ولمن نسي أو لم يعايش ظروف تلك المأساة، فإن الحرب التي فجرتها مجزرة "بوسطة" عين الرمانة في ذلك الوقت، لم تكن في حقيقتها حرباً على المقاومة الفلسطينية وتجاوزاتها، فأحد رموز تلك الحرب أمين الجميل، قبل أن يصبح رئيساً، كان محامي حركة "فتح" لقائدها ياسر عرفات. واستمر في وظيفته تلك طوال فترة الحرب.

كانت مجزرة عين الرمانة فاتحة لحرب تستر فيها أهل النظام بالتحريض على الفلسطينيين، لينقضوا على الحراك الشعبي المتنامي حينها والذي نظم نفسه في نقابات عمالية قوية واتحادات طلابية صلبة، وأحزاب تكتلت في مشروع جامع؛ واجهت جميعها في الشارع فساد السلطة واجبرتها على تقديم تنازلات، جرى ضرب معظمها لاحقاً من حكومات ما بعد الطائف. التي كشفت أن هذا النظام غير أقنعته ولم يغير جوهره رغم مئات آلاف الضحايا الذين سقطوا في تلك الحرب.

إن ضعف حكومة الرئيس دياب في مواجهة الفساد والفاسدين في السلطة، يخيف أكثر مما يطمئنن. ففي العام 1975 وجدت في السلطة حكومة مشابهة، قادها رئيس مستجد وضعيف، مما سمح للمؤامرة أن تمر وتدمر لبنان. واللبنانيون يخشون أن يكون ضعف وارتباك هذه الحكومة، فرصة للمتواطئين في حرب الإخضاع المالي والإقتصادي، التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية على لبنان، للإنقلاب وتخريب ما  تبقى من بنية ومؤسسات البلد، فيكون ذلك طريق الأميركي ومعه تابعه "الإسرائيلي" للتخلص من مقاومة تقض مضاجعهم وتعرقل مشاريعهم.  


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل