أقلام الثبات
منذ ما قبل انتشار وباء الكورونا، والرئيس الأميركي دونالد ترامب يكرِّر على مسامع الدول المُنتِجة للنفط وفي طليعتها المملكة السعودية، أن الولايات المتحدة لم تعُد بحاجة الى نفط الشرق الأوسط، بعد أن بات النفط الأحفوري الصخري - رغم كلفته العالية - رديفاً بل بديلاً عن نفط الآبار التقليدية، ومع ذلك، استفادت أميركا من الإنخفاض الحاد في سعر البرميل الذي تهاوى لما دون الثلاثين دولاراً لتعزيز إحتياطها الإستراتيجي، وقطف ثمار الحرب القائمة بين روسيا والسعودية في رفع سقف الإنتاج لدى الدولتين لتعويض خسائر انهيار الأسعار.
هذه الحرب خرجت عن السيطرة، لأنها لا تقتصر على الدول المُنتِجة للنفط "أوبيك"، ولا الدول المُنتِجة من خارجها التي تنضوي تحت "اوبيك+"، بل هي حربٌ آحادية أباحتها لنفسها كل دولة في المجموعتين للحدِّ من انهيار اقتصادها، وسط انحسار الطلب على النفط سواء في الدول الصناعية الكبرى التي أقفلت مصانعها تحت وطأة الكورونا، أو الدول النامية التي خَلَت شوارعها تحت وطأة الحجر الصحي من المُستوردِين والمستهلكين.
الولايات المتحدة وشريكتها السعودية لا تواجهان روسيا فقط، لأن التنِّين الصيني قد تعافى بعد أن صدَّر الوباء الى كافة أنحاء العالم - إذا كانت هوية الكورونا صينية -، وبدأت الصناعات الصينية بإنتاج وتصدير مليارات الكمامات، وملايين من الألبسة الواقية وآلاف من أجهزة التنفس، وأميركا العملاقة التي تتصدَّر الدول المنكوبة بالوباء، عاجزة عن تأمين كمامات للطواقم الطبية والتمريضية لديها، إضافة الى انسحاب أزمة البطالة العالمية عليها، بحيث استطاع الوباء القضاء على ملايين الوظائف التي كان ترامب يتباهى منذ أشهر قليلة خلال حملته الإنتخابية أنه استحدثها.
الأزمة الكبرى التي تجمع بين الحليفين الأميركي والسعودي هي في انهيار أسعار السندات الإستثمارية، ولا نهاية لها مع انتهاء زمن الكورونا، لأن تداعياته ستكون ركوداً عالمياً في الإقتصاد، وتتأثر به أكثر من سواها الدول التي تعمل على تحفيز الإستثمار، وهو ما يحصل حالياً في الولايات المتحدة وسوف يكون أقسى على السعودية لأسباب ترتبط في سندات الإستثمار.
منذ أيام أطلق ترامب صرخته بوجوب تخفيض كلاً من روسيا والسعودية انتاجهما لتحسين أسعار النفط، مهدداً بفرض رسوم على استيراده للحدّ من تأثيراته على سوق الإستثمار في النفط الأحفوري الصخري في أميركا التي انهارت أسعار سنداتها، وهو تحديداً ما سوف يحصل لبورصة أسهم آرامكو التي "تملّكها" محمد بن سلمان ويبني عليها آماله في "رؤية 2030" حيث كان الرهان علي الإستثمار في مشتقات النفط.
إنهيار سوق سندات الإستثمارات نتيجة الركود الإقتصادي الذي سوف يُخلِّفه وباء الكورونا على دول العالم، ومنها الولايات المتحدة والسعودية، يرتدي طابع الفظاعة، وإذا كانت بعض الإقتصادات الكبرى كألمانيا قادرة على الصمود، والإقتصادات المتوسطة كما هو حال بلجيكا، والفقيرة كما هو حال إيطاليا المنكوبة التي انفتحت على روسيا والصين وأدبرت عن الإتحاد الأوروبي، فإن الإقتصادين الكبيرين الأميركي والسعودي قد تلقيا ضربة قاسية نتيجة البطالة التي تسُود أسواق العمل، والضربات التي تنال من أسهم بورصات الإستثمار في النفط، وسوف تُفرمِل عنجهية ترامب وغطرسة بن سلمان.
أباطرة النفط وحرب الخسائر المُتبادَلة ـ أمين أبو راشد
الأربعاء 08 نيسان , 2020 08:50 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة