قصيدة "المنفرجة" .. الإمام أبي حامد الغزالي

الإثنين 30 آذار , 2020 12:38 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الشدَّةُ أوْدَتْ بالمُهَجِ ... يَا رَبِّ فَعَجِّلْ بالفَرَجِ 

والأنْفُسُ أضْحَت فِي حَرَجٍ ... وبِيَدِكَ تَفْرِيجُ الْحَرَجِ

هَاجَتْ لِدُعَاكَ خَوَاطِرُنَا ... وَالوَيْلُ لَهَا إِنْ لَمْ تَهِجِ

يَا مَنْ عَوَّدْتَ اللُّطْفَ أَعِدْ ... عَادَاتُكَ باللَّطْفِ البَهِجِ

واغْلِق ذَا الضِّيق وشدَّتِهِ ... وافْتَح مَا سُدَّ مِنَ الفُرُجِ

عِجْنَا لِجَنَابِكَ نَقْصِدُهُ ... والأنْفُسُ فِي أوْجِ الوَهَجِ

وَالِى أفْضَالَكَ يَا أَملِى ... يَا ضَيْعَتَنَا إِن لَمْ نَعِجِ

مَنْ لِلْمَلْهُوفِ سِوَاكَ يَغثْ ... أَوْ للمُضَّطَرِ سِوَاك نَجِي

وإسِاءَتُنا لَنْ تَقْطَعَنَا ... عَنْ بَابِكَ حتَّى لَمْ نَلِجِ

فلَكمْ عاصٍ أخْطَا وَرَجَاكَ ... ابْحَث لَهُ مَا مِنْك رجى

يَا سَيِّدَنا يَا خَالِقِنَا ... قَدْ ضَاقَ الحَبْلُ على الوَدَجِ

وَعِبَادُكَ أضْحَوا فِي ألَمٍ ... مَا بَيْنَ مُكَيْربٍ وَشجي

والأحْشَا صَارَتْ فِي حَرَقٍ ... والأعْيُنُ تَمَارَت فِي لُجَجِ

فالأعْيُنُ صَارَتْ فِي لُجَج ... غَاصَتْ فِي المَوْجِ مَعَ المُهَجِ

والأزمنةُ زَادَت شِدَّتُها ... يَا أزْقةٌ علَّك تَنْفَرجِ

جِئْنَاكَ بِقَلْبٍ مُنْكَسِر ... وَلِسَانٍ بالشكْوَى لَهجِ 

وَبِخَوْفِ الزّلَّةِ فِي وَجَلٍ ... لَكِنْ بِرَجَائِكِ مُمْتَزِجٍ 

فكم اسْتَشْقَى مَرْكُومُ الذَّنْبِ ... بنَشْر الرَّحْمَةِ والأرَجِ

وَبَعيْنِكَ مَا تَلْقَاهُ ومَا ... فِيهِ الأحْوَالُ مِن المزجِى

وَالفَضْل أتْمِمْ وَلَكِن قَدْ ... قُلْتَ ادْعُونِي فَلْنَبْتَهِجَ 

فَبِكُلِّ نَبِيٍّ نَسْأَلُ يَا ... رَبَّ الأرْبَاب وكلِّ نجي

وَبِفَضْلِ الِّذكْرِ وَحِكْمِتِه ... وَبِمَا قَدْ أَوْضَحَ مِنْ نَهَجِ

وَبِسِرٍّ الأحْرُفِ إذْ وَرَدَتْ ... بَضِيَاءِ النُّورِ المنْبَلَجِ

وَبِسِرِّ أُودِعَ فِي بَضَدِ ... وَبِمَا فِي وَاحٍ مَعَ زَهَجِ 

وَبِسِرِّ البَاءِ وَنُقْطَتِهَا ... مِنْ بِسْمِ اللهِ لِذِي النَّهَجِ

وَبِقَافِ القَهْرِ وَقُوَّتِها ... وَبِقَهْرِ القَاهِرِ للمُهَجِ

وَبِبَردِ المَا وإِسَاغَتِه ... وَعُمُومِ النَّفْع مَعَ الثَّلَجِ

وَبِحَرِّ النَّارِ وَحِدَّتها ... وَبِسِرِّ الحُرْقَةِ والنُّضْجِ

وَبِمَا طَعِمْتَ مِنَ التَّطْعِيم وَمَا ... ضَرَحَتْ مِنَ الضَّرَجِ

يَاقَاهِرَ يَا ذِي الشدَّة يَا ... ذِي البَطْش أغِثْ يَا ذَا الحُجَجِ

يَا ربّ ظَلَمْنَا أنْفُسَنَا ... وَمُصِيبَتُنَا مِنْ حَيْثُ نَج

يَا ربّ خُلِقْنَا مِنْ عَجِلٍ ... فَلِهَذَا نَدْعُو باللُّجَجِ

يَا ربّ وَلَيْسَ لَنَا جَلَدٌ ... أنَّى والقَلْبُ عَلَى وَهَجِ 

يَا رَبّ عَبِيدُكَ قَدْ وَفَدُوا ... يَدْعُوك بِقَلْبٍ مُنْزَعِجٍ

يَا ربِّ ضِعَافٌ لَيْسَ لَهُمْ ... أحَد يَرْجُونَ لِذِي الهَرْجِ

يَا ربّ فُصَّاحُ الألْسُن قد ... أضْحُوا فِي الشدَّة كالهَمَجِ

السَّابِقُ منَّا صَارَ إذَا ... يَعْدُوا يَسْبِقُهُ ذُو العَرَجِ

وَحِكْمَةُ ربِّي بَالِغَةٌ ... جَلَّت عَن حَيْفٍ أوْ عوجِ

والأمْرُ إِليْكَ تُدَبِّرُهُ ... فَأَغِثْنَا باللُّطف البَهِجِ 

وادْرجْ فِي العفْوِ إساءَتَنَا ... والخَيْبَةَ إنْ لَمْ تَنْدَرجِ 

يَا نَفْسُ وَمَا لَكِ مِنْ فَرَج ... إِلَّا مَوْلَاكِ لَهُ فعَجِ

وَبِهِ فَلُذِي وَبِه فُوزي ... وَلُبابِ مَكَارِمِه فَلَجِي

كَيْ تَنْصَلِحِي كَيْ تَنْشَرِحِي ... كَيْ تَنْبَسِطِي كَيْ تَبْتَهِجِ 

وَيَطِيبُ مُقَامُكِ مَعْ نَفَرٍ ... أضْحَوا فِي الحِنْدِس كالشَّرجِ

وفُّوا للهِ بِــــمَــــا عَــهَـدُوا ... فِي بَيْع الأنْفُـــــس والــمُـهَــجِ

وَهُمُ الــهَــادِي وَصَحَابَته ... ذُو الــرّتْـبَـة وَالـعِـطْــرِ الأرجِ

وَعــلـى الصدِّيقِ خَلِيفَتِهِ ... وكَذَا الفَاروقِ وكُلِّ نجِ

وَعَلى عُثْمَان شَهِيد الدّار ... أبِي العِرْفَانِ علَى الدّرج

وَأَبِي الحَسَنَينْ مَعَ الأوْلاَدِ ... كَذَا الأزْوَاجِ وكُلِّ شجِ 

قومٌ سكنوا الجَرْعَاء وَهُم ... شَرَفُوا الجَرْعَاء وَمُنْعَرجِ

جَاءوا للكَوْنِ وَظُلْمَتُهُ ... عَمَّت وَظَلاَمُ الشِّرْكِ دَجِى 

مَا زَالَ النَّصْرُ يَحفُّهم ... والظُّلْمَةُ تُمْحَي بالبَلَجِ

حَتَّى نَصَرُوا الإسْلاَمَ وَعَادَ ... الدِّينُ عَزِيزاً فِي بَهَجِ

فَعَلَيْهِم صَلَّى الربُّ عَلَى ... مَرِّ الأيَّام مَعَ الْحجَج

مَا مَالَ المَالُ وَحَالَ الحَالُ ... وسَارَ السّارِي فِي الدَّلَجِ

يَا رَبّ بِهِمْ وَبآلِهِم ... عَجِّلْ بالنَّصْرِ وبالفَرَجِ

واجْعل ذِكْرِ الإِخْلاَصِ لَنَا ... مُحْيٍ قَلْباً يَا ذَا الفَرَج  

واخْتِمْ عَمَلِي بِخَوَاتِمِهَا ... لأكُونَ غَداً فِي الحَشْرِ نَجِ


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل