عمر كرامي يستقيل ثانية وسعد الحريري يغادر الحكم
أقلام الثبات
بعد سجال استمر من خريف 2003 حتى خريف 2004، كانت فرنسا تلعب دور الوكيل الإقليمي، وتحاول التوصل إلى إجماع غربي وروسي حول أميركا ووضعها المتأزم في العراق، بعد أن اتضح أنها بدأت تفقد قدرة المبادرة، وأن المقاومة العراقية، انتزعت المبادرة.
في تلك الفترة كان حلفاء واشنطن التقوا في 6 حزيران 2004 في النورماندي بمناسبة الذكرى الستين لتحرير فرنسا من النازية، وتقرر الإطاحة بالنظام السوري عبر البوابة اللبنانية ونزع سلاح المقاومة، وتولت واشنطن وباريس ـ شيراك إدارة التخطيط والتوجيه للحرب، وهذه المرة عن طريق الأمم المتحدة التي كانت الولايات المتحدة لم تعرها إهتماماً في حربها على العراق، وبالتالي التفتيش عن نصر بديل.
وعلى ذلك، كان في 2 أيلول 2004، قرار مجلس الأمن الدولي 1559، محاولة لإنقاذ الهيبة الأميركية التي أرادت أن يكون لبنان مخفراً أمامياً لها، بغية الإطاحة بالنظام السوري.
وهنا تلاقت المصالح الأميركية، الفرنسية، وبعض العربية وخصوصاً السعودية، مع الداخل اللبناني كوليد جنبلاط الذي اعتقد أن العصر الأميركي قد بدأ إضافة إلى قرنة شهوان، وبقايا القوات إلخ...
إذا، كان القرار 1559 الأداة لطرد سوريا من لبنان ونزع سلاح المقاومة، وتأكيد على الإدارة الأميركية ـ السعودية في لبنان من دون منافس تحت حماية القوة الأميركية ((العملاقة)).
الجدير بالملاحظة في هذا المجال، أن الخلاف بين واشنطن ودمشق بدأ مع الاستعداد الأميركي لغزو العراق، حيث كان واضحاً عند القيادة السورية أن الهجوم على أفغانستان واحتلالها ليس سوى البداية، وبعدها سيكون العراق وسوريا ومحطات أخرى. وهنا يأتي الدور السعودي في الضغط على سوريا، لأن السعودية بحكم تاريخها ونظامها وتركيبتها وعلاقاتها غير مهيأة، بأي شكل للصدام مع الولايات المتحدة، فحاولت أن تسوي الأمور بين الصديق والشقيق، لكن الإدارة الأميركية لها شروطها السياسية التي لا يمكن لدمشق أن تقبلها وهكذا بدأ الخلاف السوري ـ السعودي وراء الكواليس وكانت بدايته غير المعلنة خلال القمة العربية في بيروت قبل عام ونيف من غزو العراق.
بأي حال، فقد مدد مجلس النواب في 3 أيلول 2004 للرئيس لحود بعد يوم واحد من إصدار القرار 1559، وبدأ الصراع سراً وعلناً، وبدأ التخطيط لما يسمى "الثورة الملونة" على الطريقة الأوكرانية، فكانت حركتها في البدء بطيئة جداً واقتصرت على اللقاءات في البريستول، لتبدأ بالتالي المناخات المهيئة لذلك في 14شباط 2005 باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
كان لاغتيال الرئيس الحريري تداعيات كبيرة وخطيرة، لكن لم يتحقق منها سوى خروج السوريين من لبنان، غير أن ذلك لم يؤد إلى الإنقلاب الكبير، في الاستيلاء على السلطة بالكامل من قبل تحالف: المرتدين على الوصاية السورية بعد أن تلذذوا بخيراتها، مع المرتبطين بالنفوذ السعودي، وجماعة الأميركيين.
وعلى وقع تداعيات اغتيال الرئيس الحريري، كان الحراك الشعبي الواسع على مستوى كل من تحالف 8 آذار وتحالف 14 آذار ليقدم الرئيس عمر كرامي على إثرها إستقالة حكومته، ليكون لبنان هنا أمام مرحلة جديدة هي الانتخابات النيابية، بحيث لم تفلح محاولات تأجيلها لشهرين من أجل وضع قانون انتخابي جديد.
وأخر حكومة لبنانية أطاح بها الشارع هي حكومة الرئيس سعد الحريري بعد الحراك الشعبي الواسع الذي كانت شرارته، قرار وزير الإتصالات محمد شقير بفرض ضريبة على استعمال خدمة "الواتس اب" فانتفض الشارع في 17 تشرين الأول 2019 في وجه السياسة المتوحشة، ورفعت شعارات ضد الفساد والسرقات والسمسرات وفرض الضرائب على اللبنانيين.
ومع دخول الحراك الشعبي يومه ال 13، قدم الحريري استقالته، في محاولة لركوب الموجة الشعبية والعودة متوجاً إلى رئاسة الحكومة، فأحرق كل الاسماء التي طرحت لهذه المهمة.. ليرسي الخيار أخيراً على اكاديمي من خارج السرب السياسي هو الدكتور حسان دياب.
يذكر، أن حكومة فؤاد السنيورة الأولى ووجهت بمظاهرات شعبية مليونية في العام 2006، وحاصرت السراي الحكومي لنحو سنتين، لكنه رفض مغادرة السراي والاستقالة لينتهي الأمر بانتفاضة السابع من أيار 2008.
(انتهى)