الناقدٌ والمترجمٌ والدبلوماسي .... سامي الدروبي مترجم العرب

الأربعاء 18 آذار , 2020 07:06 توقيت بيروت من ذاكرة التاريخ

الثبات ـ من ذاكرة التاريخ

سامي الدروبي، أديبٌ وناقدٌ ومترجمٌ ودبلوماسي سوري، اشتهر بترجمته لجميع أعمال دوستويفسكي، والتي تعد الترجمات الأشهر بالنسبة له، كما له ترجمات لمؤلفين آخرين كتولستوي وبوشكين وميخائيل ليرمونتوف وغيرهم.

وُلد في مدينة حمص عام 1921 عمل مدرسًا للفلسفة في حمص، ثم عميدًا لكلية التربية بجامعة دمشق، وأستاذًا للفلسفة.

 بعدها استلم وزارة المعارف السورية، وأصبح سفيرًا للجمهورية العربية السورية في يوغسلافيا، ومصر، وإسبانيا، ومندوبًا لسوريا في جامعة الدول العربية، توفي 1976 ومُنح جائزة لوتس في عام 1978 بعد رحيله.

كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين هو صاحب الوصف الأهم للدروبي، حين كتب "إن سامي الدروبي مؤسسة كاملة".

وخلال إقامته بالقاهرة منحه الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ما لم يمنحه لأي شخص آخر، فقد عامله كصديق أتاح له أن يجالسه وقتما يشاء، بحثا عن "خبرة إنسانية" أو سعيا لمشورة، وفي كل اللقاءات التي جمعت بينهما كان ثمة مقعد يشغله في المخيلة كاتب روسي يجري استدعاؤه في أي حديث بين الرئيس وصديقه المترجم الذي كان سفيرا لبلاده في القاهرة.

وبلغت درجة الصداقة بينهما أن عبدالناصر عرض عليه، بعد انفصال سوريا ومصر عقب فشل الوحدة بين البلدين، منصب سفير في الخارجية المصرية ليبقى إلى جواره.

وعُيِّنَ أول سفيرٍ لسوريا في القاهرة بعد الانفصال ومندوباً دائماً للجمهورية العربية السورية في الجامعة العربية في 1966/9/1 ثم اختير سفيراً للجمهورية العربية السورية في مدريد بإسبانيا في 1971/11/27، ثم سفيراً لدى الفاتيكان في تشرين الأول 1973، وفي 1975/10/12 طلب إعادته إلى دمشق لأسباب صحية وبقي سفيراً في وزارة الخارجية، وظل يعمل في أعماله الأدبية وفي حقل الترجمة وإنجاز مشاريعه الأدبية رغم ظروفه الصحية القاسية.

وفي تجربة الدروبي الكثير الذي يفسر ولعه بدوستويفسكي، الذي يصفه الجميع بأنه أهم خبراء علم النفس، فالدروبي الذي جاء من مدينة حمص إلى القاهرة في الأربعينيات لدراسة الفلسفة وعلم النفس في جامعة القاهرة، قبل أن يحصل على دكتوراه في التخصص، جاء لمصر وأهّل نفسه للتعاطي مع مدينة كانت تعيش "سنوات الغليان" قبل ثورة 1952، وخلال سنوات دراسته بالقاهرة ارتبط بصلات وثيقة مع زملائه من الطلاب الذين مثلوا جيلا ضم أسماء مثل محمود أمين العالم ويوسف الشاروني ومصطفي سويف وبدر الديب ولطيفة الزيات، وكانوا جميعا من الأدباء الراغبين في التغيير، ولديهم طموح بكتابة إبداعية مختلفة تكسر السائد والمألوف.

وحين باشر الدروبي نشر ترجماته خلال حقبة الخمسينيات والستينيات وجد دعما وترحيبا من أقلام كبيرة، في مقدمتها أحمد بهاء الدين ورجاء النقاش وأحمد حمروش وآخرين كانوا يعرفون عنه ولعا استثنائيا بدوستويفسكي، الذي ترجم له أكثر من 11 ألف صفحة وهو مريض في القلب مرضا لا يمكّنه من الاستلقاء على سريره أثناء النوم، كما أنجز 5 مجلدات من المؤلفات الكاملة لتولستوي، والتي يصل عدد صفحاتها إلى 5 آلاف صفحة وهو في صراع بين الحياة والموت.

وعلى الرغم من أنه كان يترجم عن الفرنسية وليس عن الروسية إلا أن دقتها وعذوبة لغتها دفعت "دار التقدم" الروسية إلى اعتمادها بعد تنقيحها قليلاً في ضوء النصوص الأصلية، من خلال المترجم المصري الراحل أبوبكر يوسف، الذي رأى أن ذلك أفضل من إعادة ترجمتها عن الروسية مباشرة، ولا تزال هي الترجمة العربية الوحيدة والأكثر قبولا لدى القراء، الذين كانت مقدمات الدروبي لتلك الأعمال مداخلهم الأولى لاكتشاف دوستويفسكي والتعرف على عالمه الخصب.

ويمكن القول إن دستويفسكي خطف الأضواء من ترجمات الدروبي الأخرى ومن مؤلفاته أيضا، فقد ألف كتاباً بعنوان "الرواية في الأدب الروسي"، صدر بعد وفاته بـ6 سنوات 1982م عن دار الكرمل في دمشق.

وترجم رائعة تولستوي "الحرب والسلم"، وأهم عمل لليرمنتوف "بطل من هذا الزمان" ولبوشكين "ابنة الضابط"، ومؤلفات الأديب اليوغوسلافي البوسني إيفو أندريتش ، منها "جسر على نهر درينا"، قبل أن يحصل صاحبه على نوبل.

بلغت ترجمات الدروبي 80 كتاباً، منها أيضا ثلاثية الكاتب الجزائري محمد ديب "الدار الكبيرة، الحريق، النول (عن اللغة الفرنسية)"، وترجمته المهمة لكتاب "الضحك" للفيلسوف هنري برجسون، لكن ما خلده حقا هو دوستويفسكي.
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل