أقلام الثبات
لا تزال نتائج لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان , تحت اختبار امكانية الالتزام التركي , سيما ان الثقة بنظام اردوغان شبه معدومة ,قياسا الى التجارب الماضية.
وعلى الرغم من تراجع العمليات العسكرية بين الجيش السوري والقوات التركية , لا يزال الارهابيون المدعومون من انقرة يقومون باستفزازات , يدفعون ثمنها بشكل فوري , لكن الاهم يبقى اذا كان اردوغان قد فهم الرسائل الروسية القاسية , والمرجح ان فهمها, هو والفريق الرفيع الذي رافقه الى موسكو , ومن ضمنه وزيري الخارجية والدفاع.
كان واضحا من الفيديو والصور المتسربة ان بوتين يوجه الرسالة ربما الاخيرة لقيادة اردوغان وله شخصيا , من خلال تركهم بنتظرون في صالون الاستقبال لوقت كاف كي ينعكس التجهم والتذمر بجلاء لا يقبل التشكيك ,على وجه التركي الارعن, الذي لا قيمة للوعود التي يقطعها .
ولا بد من الايضاح انه اثناء الكباش الدبلوماسي عبر اصرار الرئيس التركي على اطلاق مواقف يشدد فيها على ان اللقاء ببوتين سيكون في اسطنبول , كانت القطع الحربية الروسية تمر عبر المضائق التركية، على مدار الأيام الستة الماضية،اذ توجهت خمس سفن حربية كبيرة إلى الساحل السوري، وهذا معدل أعلى بكثير من المعتاد، بمعدل سفينة أو سفينتين في الأسبوع".وبدا واضحا من نوعية السفن وحمولاتها القتالية , ولا سيما صواريخ "كاليبر", إنها تعكس مدى الجدية التي تتعامل فيها موسكو مع دفع تركيا جنودها الى الارض السورية .
وفي السياق لفتت و كالة رويترز الانتباه إلى أن تركيا شددت بروتوكول المرافقة للسفن الروسية التي تمر عبر مضيق البوسفور، فـ "السفن الروسية مرت عبر المضيق، مصحوبة بثلاثة زوارق دورية تركية وطائرة هليكوبتر. وعادة ما ترافق السفن سفينة واحدة لخفر السواحل".
كان من الواضح ايضا في الرسائل , ان بوتين لم يستقبل اردوغان وفريقه , الا بعد استعادة سراقب , كنقطة استراتيجية , ما يؤشر الى كسر شوكة الرئيس التركي , في ميدان صعب ومعقد , كان يعتبر العمل فيه سيكون اشبه بنزهة لجيشه , ,سيما وانه طالب روسيا "بالابتعاد عن طريقه في سوريا" وتوعّد "بانتقام رهيب" في إدلب، سرعان ما حلت محله في موسكو تأكيدات بأن العلاقات بين البلدين الآن "في الذروة"، وأن الرئيس التركي يرى مهمته الرئيسية الآن حصرا في تطوير هذه العلاقات.واقل ما تعنيه الدعوة الروسية , هو تمريغ انف المتعجرف في رمال سوريا .
كل هذا اندرج في المقدمات , واظهر محور المقاومة مع الجيش السوري بدعم روسي ان يده هي الاعلى في الميدان , ما أهل الطاولة الدبلوماسية لفرض تراجع محوري من جانب اردوغان , مثلما حصل في مناطق اخرى اكان في درعا والغوطة أوغيرهما , وعليه تمحورت محادثات الساعات الست بين بوتين واردوغان على 3 بنود جوهرية هي:
ا- وقف جميع العمليات العسكرية على خط التماس الحالي في منطقة إدلب, اي لا عودة الى الخطوط السابقة التي كانت بيد تركيا , سواء مباشرة او عبر فصائلها الارهابية
ب- إنشاء ممر آمن بعرض 6 كم شمالا و 6 كم جنوبا من الطريق السريع M4؛
ج- البدء، منذ الخامس عشر من اذار 2020 ، بتسيير دوريات مشتركة على الطريق السريع M4 .
ان الصيغة مع اختيار العبارة ,حول "خط التماس الحالي"،لها رمزية وأهمية خاصة بالنسبة لروسيا. فهي تعني، خلافا لتصريحات أردوغان في شباط، أن أحدا لن يطلب من القوات الحكومية السورية التراجع إلى حدود منطقة خفض التصعيد، التي كانت قائمة، منذ نهاية نيسان 2018 إلى ما قبل الهجوم الأخير. ولن يتم الطعن في سيطرة دمشق على الطريق السريع M5.
أما مصير الطريق السريع M4 فلا يزال موضع تساؤل، مع أن "الممر الآمن" الذي سيجري إنشاؤه يشطر القوات التي تقاتل الرئيس الأسد.
لا شك , ان اردوغان خسر جولته السياسية , بعدما منى النفس بتعويض خسائره في الميدان وهو الذي اعترف بانها بالمئات , فكانت الخسارة مزدوجة ,وزاد طينه بلة ان الذين شحنوه من الغربيين بمغريات المساعدة، وخصوصا الاميركيين, لم يقدموا له سوى الوعود الكاذبة , حتى بات التنافس بين من يكذب اكثر, الاتراك ام الغربيين.
ربما ايضا شعر اردوغان بصفعة اصدقائه , عندما رحبوا جميعا بالاتفاق المغاير لما كان يريد , ويريدون .
كان من المهم التأكيد على أن "صيغة أستانا"، التي حلت روسيا وتركيا وإيران، في إطارها، القضايا المتعلقة بالوضع "على أرض الواقع في سوريا"، وكذلك بعض المشاكل السياسية، أن هذه الصيغة لا تزال قائمة. وهذا يعني ايضا ان الصفعة لم يتلقاها اردوغان منفردا بل اخذت في طريقهاالغربيين الكبار الذين لم يتوان اي منهم على التبجح بأن "صيغة أستانا" ماتت. فقد حاولت الولايات المتحدة بشكل خاص كسر تحالف تركيا مع روسيا وإيران. وهو ما افشلته روسيا برفع السيف مع حذاقة الدبلوماسية , بالاستناد على الذين كانوا يطهرون الارض السورية بثبات وعنفوان اذهل كل من يعرف العلوم العسكرية ..انهم المقاومون والجيش العربي السوري.