أقلام الثبات
هي مرحلة انعطاف استراتيجيّة.. رزمة المفاجآت المدوّية التي فجّرتها العمليّات العسكريّة السورية بمعيّة حلفائها ودعم روسيّ لافت منذ انطلاقها على جبهتَي ادلب وحلب، بدءا بتحرير معرّة النعمان، مرورا بسراقب وتلّة العيس، وصولا الى الراشدين 4 وخان العسل، قبل رفع العلم السوري على طريق حلب-دمشق وتحرير عشرات القرى والبلدات بفترة زمنيّة قياسيّة.. لم تشكّل صدمة غير متوقعة لدى النظام التركي وحسب، بل "للأصيل" الأميركي الذي يخوض المعارك بالوكالة املا بضرب روسيا ونفوذها في سورية، ومنها في المنطقة.. بات واضحا انّ تركيا رمت بكلّ ثقلها العسكري في مسرح العمليات، في وقت تؤكّد مصادر روسيّة انّ التنسيق على اعلى مستوياته، جار على قدم وساق بين واشنطن-أنقرة وتل ابيب، بهدف انتزاع "نصر مبين" على روسيا في "المنازلة" الدائرة على جبهات ادلب، وقد جُيّر للذراع "الإسرائيلي" دورا هاما مرتقبا فيها، فيما لو جنحت المواجهة بين الجيشين السوري والتركي الى نقطة اللاعودة، وسط معطيات عسكرية لفتت الى كمّ من المفاجآت الميدانيّة الإدلبية ستحملها تطورات القادم من الأيام، قد يخرقها حدثٌ جوي خطير بين موسكو وتل ابيب- وفق ما كشفت المصادر!
لم يتوقع الرئيس التركي ان تُمنى قواته التي دفع بها الى مسرح العمليّات للمشاركة المباشرة في مواجهة الجيش السوري بهذا الكمّ من الضربات، وان يؤول مصير نقاط المراقبة التركية الى ان تكون محاصرة من قبل القوات السوريّة وبمرمى نيرانها بشكل مباشر.. فرغم توعّده لدمشق غداة "المقتلة" الأولى لثمانية جنود اتراك، وإمهالها حتى نهاية الشهر الجاري لسحب قواتها الى خلف نقاط المراقبة التركية، مهدّدا بشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق ردّا على ايّ "عدوان" مماثل على قواته، الا انّ الجيش السوري قابل تهديداته بتسديد "مقتلة" ثانية لقواته ضمّت 6 جنود آخرين، لتصبح الحصيلة 14 قتيلا في اسبوع واحد..
هذا قبل احصاء قتلى الأرتال التركية التي قصفها الجيش السوري، والذي يتكتّم عليه الإعلام التركي حتى اللحظة، سيّما انّ احد تلك الأرتال كان يضمّ دبابات حديثة وشاحنات معبّئة بالذخائر، احترق بالكامل بمن فيه.
بحسب ما كشفت معلومات ميدانيّة-من خلال متابعة وصول القتلى والجرحى من الجنود الأترك الى المشافي التركية، فإنّ الحصيلة وصلت الى عتبة 44 قتيلا بإضافة 7 كانوا في الرتل الذي تمّ قصفه، و9 آخرين من القوات الخاصة كانوا في عداد المجاميع المسلّحة التي كانت تجهّز لشنّ هجوم عنيف على مواقع للجيش السوري غرب معرّة النعمان، قبل ان يباغتهم الطيران السوري- الروسي ويُفضي الى "مقتلة" كبيرة في صفوف المهاجمين وصلت الى 60 قتيلا، أُضيف اليهم وفاة عدد من الجرحى أصيبوا بجراح بالغة لم يُحدّد عددهم!
وبعد.. ماذا لو تطوّرت المواجهة بين الجيشين السوري والتركي الى أبعد من ذلك؟ هل يحتمل الرئيس اردوغان سقوط المزيد من القتلى في صفوف جنوده وضباطه في "مصيدة" ادلب التي تمّ جرّه اليها؟ هو سارع الى الإستنجاد بالناتو لمؤازرته ضدّ "الغريم" الروسي في سورية. وعوّل على دعم وشنطن التي أوفدت اليه موفدها الى سورية جيمس جيفري الذي اكتفى بالقول إنّ بلاده تدعم تركيا العضو في الناتو، عشيّة اجتماع عقده الحلف امس الأربعاء في بروكسل، هرول خلاله وزير الدفاع التركي خلف نظيره الأميركي ووزراء دفاع الناتو متوسّلا " دعما ملموسا ".. الا انّ الحلف اكتفى بدوره بالإعلان عن دعم تركيا، ولكن..هل سيهبّ الناتو فعلا الى نجدة اردوغان والإنخراط في حرب مع روسيا؟ هذه واشنطن على لسان مستشار امنها القومي روبرت اوبرايان، ردّت سريعا على توسّل انقرة، ب " لن نتدخّل عسكريا في ادلب".
ليبقى تل ابيب.. الأكثر ترجيحا لنجدة أنقرة!
منذ ايام، وفي ذروة العمليات العسكرية المتسارعة على جبهتَي ادلب وحلب، صدحت تهديدات "اسرائيليّة" حادّة ضدّ سورية على لسان وزير الأمن نفتالي بينيت، أعقبت العدوان "الإسرائيلي"على محيط دمشق في السادس من الجاري..
أعلن بينيت تقاسم المهام مع واشنطن حيال سورية والعراق، على ان تتكفّل "اسرائيل" بإخراج ايران من سورية، فيما تعمل واشنطن ضدّها في العراق، مشددا في كلامه على ضروة تحويل سورية الى "منطقة تدمير".. وهو موقف استفزازي آخر ضدّ موسكو.
كيف سيكون ردّ الأخيرة فيما لو ترجمت تل ابيب تهديداتها؟ وهل ستسمح بنسف كلّ انجازاتها التي حققتها في سورية، على يد "اسرائيل"؟
غداة العدوان "الإسرائيلي" الأخير على محيط دمشق، بدأت تسريبات في اروقة موسكو واكبها خبراء ومحللون عسكريون روس، على قرار روسي مستجدّ حيال الضربات "الإسرائيلية" شبه المتكررة على المواقع العسكرية السوريّة بذريعة استهداف مواقع ايرانية، سيّما بعدما كادت الضربات الأخيرة ان تتسبّب بكارثة عبر اسقاط طائرة ركاب مدنيّة للإفلات من نيران الدفاعات الجوية السوريّة، تماما كما حصل عندما تسببت مقاتلات اسرائيلية في اسقاط طائرة "ايل20 " روسية وأفضت حينها الى مصرع 15 ضابطا وجنديا روسيّا..
وفي حين وصف السفير الروسي لدى دمشق الهجمات "الإسرائيليّة" الأخيرة على محيط دمشق ب" الإستفزازيّة وبالغة الخطورة"، قال الخبير العسكري الروسي ورئيس تحرير مجلّة الأمن القومي ايغور كوروتشينكو في مقابلة مع قناة روسيا اليوم، إنّ مزاعم "اسرائيل" استهداف مواقع ايرانية في غاراتها على سورية، هي كاذبة، والمقصود من هذه الغارات هو الدفاعات الجوّية حصرا، تكفّل نظيره والذي يشغل ايضا رئاسة قسم التكامل والتنمية الأوراسيّة فلاديمير إيفسييف في حوار مع وكالة سبوتنيك، في ايضاح صورة الموقف الروسي القادم ازاء الإستفزازات الجوّية "الإسرائيليّة" بالقول" إنّ المقاتلات الإسرائيلية التي تضرب سورية، سيتمّ اسقاطها عاجلا ام آجلا". مضيفا" "في وقت محدّد، سيتمّ اسقاط واحدة او اثنتّين من طائرات "أف-35 " خلال غاراتها على سورية"، ليختم بالقول "إنها مسألة وقت فقط"، سائلا " ماذا سيكون مصير الطيّارين "الإسرائيليّين" حينها"؟
قد يكون هذا الأمر مستبعدا عند الكثيرين ربطا ب"المهادنة وضبط النّفس الطويل" الذي اعتمدته موسكو مرارا ازاء الإستفزازات الإسرائيلية شبه المتواصلة ضدّ سورية.. لكن.. ما معنى ان يبلّغ مسؤول عسكري روسي تل ابيب مؤخرا، انّ موسكو لن تتحفّظ في هذه المرحلة الخطيرة التي يواجهها نفوذها وكل انجازاتها في سورية، على ردّ منظومات دفاعيّة سوريّة متطورة "ستظهر للمرّة الأولى"، ردّا على غارات مقاتلاتها-وفق ما نقلت معلومات صحافية عن مصدر عسكري روسي وصفته ب"رفيع المستوى"، كاشفا انّ المفاجآت التي سيؤول اليها ميدان ادلب في المدى المنظور، ستنسحب ايضا الى الجوّ.
"ولربما ستغوص تل ابيب في مفاوضات عسيرة واضطرارها الى اطلاق الاف المعتقلين لديها، مقابل الإفراج عن طيّارَين "اسرائيليَّين" وقعا أسرى لدى دمشق"!- بحسب اشارته.