أقلام الثبات
لم تفاجئ الولايات المتحدة الدول الوازنة في العالم عندما اعلن البنتاغون العزم على اعادة تنظيم انتشار القوات الاميركية في العالم , الا ان الواضح في اهداف واشنطن , وهو هدف لم تخف التصريح عنه، وهو استراتيجية جديدة لمواجهة التهديدين المركزيين في الصراع الاستراتيجي اي - الصين وروسيا -
يواجه العالم الان تغييرات عسكرية معلوماتية عميقة لم تشهد لها البشرية مثيلا فى تاريخها اذ ان السيطرة في ساحة القتال فى الوقت الحاضرتتمثل بنسبة عالية في نظام السيطرة القيادية المعلوماتية, والجيش المعلوماتى, ومنصة القتال المعلوماتية, لكن العنصر البشري الاكثر اشباعا بالوطنية يبقى العامل الاهم في التفوق , مضافا الى ذلك ,الوحدة الوطنية والقومية , والتربية الاخلاقية للجندي والمجتمع في آن، وكلها عوامل هامة في الصراعات، تفتقر اليها المنظومة التربوية - الاخلاقية الاميركية التي تحول الفرد فيها الى مخلوق جشع هدفه المال ولو عبر الابتزاز والبطش , وهذه الاخلاقيات ظاهرة ولا تحتاج لدلائل مجرد ان تسمع ترامب او اي مسؤول اميركي , وهذه "المنظومة التربوية البشرية "لا تقوم عليها الشعوب سواء في الصين او روسيا كعدوين استراتيجيين للولايات المتحدة ,مضاف الى قدراتهما العسكرية المتنامية اضطرادا، فروسيا تمتلك ترسانة نووية مرعبة بالنسبة للولايات المتحدة , وهي عادت من جديد الى لعب دور عالمي مؤثر , لا بل استعادت وهج العمل مع دول كثيرة كانت خسرتها مع انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات من القرن الماضي , كما ان التطوير الصناعي العسكري والمعلوماتي قلص الفوارق وفي بعض المجالات ردم الهوة وفاض عنها ما انعكس ذهولا في الدول المتربصة، بما فيها الولايات المتحدة لا سيما ما يتعلق بالصواريخ الفرط صوتية .الامر الذي هز الرئيس دونالد ترامب الذي سارع الى الطلب من ادمغة التصنيع العسكري ايجاد حل مواز لهذه الصواريخ , مع الادراك ان المسألة تحتاج 10 سنوات على الاقل حتى يمكن الحديث عن ايجاد مماثل بعد اقرار ميزانيات والدخول في التصنيع الى الاختبار ,,الخ .. حتى تدخل الخدمة .
هذا من ناحية روسيا , اما الصين فتبدو بالنسبة لاميركا عدوا منافسا على المستوى الاقتصادي اخطر عليها في هذا المضمار اكثر من روسيا , وواشنطن ادركت خطورة الصين اكثر مع اعلان بكين مشروع "حزام واحد -طريق واحد" لذلك توقعت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" أن تقوم الصين بإقامة قواعد عسكرية حول العالم لحماية استثمارتها ,وهي فعلا بدأت مع توسع استثماراتها انشاء اول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي , وهذه سابقة في تاريخ الصين السياسي والعسكري في انشاء قاعدة خارج حدودها و يعتقد أنها تخطط لضم قواعد أخرى ربما فى باكستان مع سعيها لتأسيس نفسها كقوى عظمى عالمية.
لا شك ان النجاحات في المجال العسكري سواء لروسيا او الصين في العقدين الاخيرين كانت ابرز الدوافع لاعادة الانتشار الاستراتيجي الذي ستنفذه ادارة الحروب الاميركية حول العالم , سيما وانها تمتلك ما يقارب 800 قاعدة عسكرية في اكثر من 135 دولة لها مهام عدوانية , واستعمارية مباشرة وغير مباشرة , وبعضها تحت عناوين غريبة مثل عمليات حفظ السلام او الاسناد الاداري , او اعمال الدعم .
يقر احد ابرز المؤرخين العسكريين الاميركيين واسمه تشالرز جونسون ان الجيش الاميركي لديه اكثر من 500 الف جندي وجاسوس وتقني منتشرون في دول العالم من اجل السيطرة على محيطات العالم وبحاره , وقوات بحرية على متن حاملات طائرات تلخص الارث العسكري , كما ندير العديد من القواعد السرية خارج اراضينا لمراقبة ما تقوم به شعوب العالم ،لكن اذا كانت الاستراتيجية الاميركية لاعادة الانتشار مركزيتها مواجهة روسيا والصين , عبر السيطرة على البحار والممرات والاسلحة النووية وبكل آلات الفتك بالبشر والارث العالمي فان مواجهة شعوب العالم لا يمكن ان تنكس اكتافها , ولاسيما في الشرق ,وخصوصا مع تعاظم الصراع بين محور المقاومة , والولايات المتحدة والكيان الصهيوني من جهة اخرى مع الاعلان عن ابشع عاهة في التاريخ المتمثل ب"صفقة القرن", ولذلك وضعت القوات العسكرية الأميركية فى الشرق الأوسط وكذلك الموانئ والمنشآت الأخرى التى تتمركز بها القوات أو تمر عبرها فى حالة تأهب شديد.
فى الشرق الأوسط، تمتلك الولايات عشرات الآلاف من الأفراد العسكريين فى قواعد وعلى متن سفن عبر المنطقة، إلى جانب ترتيبات مع عدد من الدول لتحريك الجنود والعتاد العسكرية عبر موانئ ومهابط للطائرات. وتعد قاعدة العديد الجوية القطرية أكبر القواعد الأميركية فى المنطقة ويوجد بها نحو 13 ألف عسكري ، وفى العراق تتواجد 12 قاعدة معلنة واكثر من 6 آلاف من القوات لا يتم الكشف عن تفاصيلها. كما تتواجد قاعدة موفق السلطى الجوية الأميركية في الأردن والتى كانت نقطة انطلاق العمليات ضد داعش.
اما فى سوريا، وبعد قرار سحب القوات الأميركية من سوريا ،فهناك عدد من القواعد الصغيرة 800، كانوا ألفين قبل الانسحاب. وفى أفغانستان، هناك 14 ألف من القوات الأميركية، وهناك قاعدة بجرام الجوية التى تتمركز فيها القوات، ويتنشر بالكويت نحو 1300 من القوات. وتستضيف البحرين قاعدة بحرية تتمركز بها أو تمر عبرها عدة آلاف من القوات يتجاوز عددها 7 آلاف.كما تستضيف تركيا القوات الأميركية فى قاعدة أنجيرليك الجوية إلى جانب مواقع أخرى تتواجد بها قوات الناتو.
لقد دفعت السعودية الشهر الماضي نحو 500 مليون دولار للولايات المتحدة كدفعة أولى من التعويضات عن تكاليف القوات الأميركية الموجودة في البلاد، وتغطي الأموال المدفوعة من جانب السعودية التكاليف الإجمالية لنشر القوات، إضافة إلى الطائرات المقاتلة وبطاريات صواريخ "باتريوت" لحماية المنشآت النفطية السعودية.
ربما الاعلان عن اعادة الانتشار الاميركي في العالم بتغطية مالية خليجية لا تتحمل فيها الميزانية الاميركية سنتا , سيكون مادة اساسية في الحملة الانتخابية الرئاسية , ولاول مرة تنطلق حملات الانتخابات , في ظل صراع داخلي محموم بين المتنافسين في وقت لا يزال الرئيس (ترامب) امام معضلة العزل ,وداخل مجتمع معدل الجريمة فيه هي الاعلى في العالم , وعمليات القتل تجري في وضح النهار, في الاسواق والمدارس والجامعات والمنتزهات ,وكانت الجريمة السنة الفائتة , هي الاعلى من سابقاتها ,ما طرح العودة لوضع قيود على شراء الاسلحة المباح لاي كان , بيد أن ترامب ابدى دعما لتظاهرات خرجت الاسبوع الماضي ترفض اية قيود , ووعد بانه لن يسمح بالتعديل حتى لو ادى ذلك الى تفريط بالشعور بالامن .
ويبدو واضحا ان اغراء الاميركيين بنهب ثروات شعوب العالم ,باسم القيم الاميركية الفاسدة كانت لها انعكاسات سلبية في تجمع المجتمعات التي غاصت في شعارات الحرية والديمقراطية لدرجة ان كل اميركي حر في اختيار طريقه الى جهنم .