أقلام الثبات
" لبنان سيسعى للحصول على قروض من الدول المانحة تبلغ 4-5 مليارات دولار لشراء القمح والوقود والأدوية". هي رسالة بالغة السلبية وجهها وزير المال الجديد غازي وزنة (الوزير التكنوقراط) للبنانيين، بأن حكومة حسان دياب ستبدأ عملها من نقطة الخلاف التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه من إنهيار إقتصادي ومالي، يتجلى في دولرة الإقتصاد والحرب ضد الليرة، مع ما يستتبع ذلك من غلاء وأزمات إجتماعية تطبق على خناق الشعب اللبناني.
لا تعتبر هذه الرسالة يتيمة، فالوزير وزنة وقبل أن ينال ثقة مجلس النواب، نعى للبنانيين بأن سعر الدولار تجاه الليرة اللبنانية، لن يعود إلى سعر 1500 ليرة للدولار الواحد. في حين أن ذاكرة اللبنانين الفردية والجماعية، تعرف أن اللعب بالدولار والمضاربة ضد ليرتنا الوطنية، كانت مع سياسة الإستدانة التي إعتمدتها الحريرية السياسية في نهجها الإقتصادي، إبتداء من تسعينيات القرن الماضي، هي التي تسببت بالمأساة التي يكتوي اللبنانيون بنارها منذ سنوات. وهي التي أدت إلى الحالة الكارثية التي يعانون منها، إبتداء من ذلك القرار الذي اتخذ في تلك الحقبة والذي يوازي الجريمة، ببدء الإستدانة بالعملة الصعبة، تحت حجج واهية بينت الأيام عدم صحتها، كان الهدف منها تمويل السياسة الريعية التي اعتمدتها الحريرية السياسية في حكوماتها المختلفة، بديلا عن سياسة تشجيع الزراعة والصناعة وفتح أبواب التصدير أمامها، لأنها هي التي تستقدم للبلاد العملة الصعبة؛ وتوفر السيولة اللازمة لتأمين حاجات الإستيراد، التي كانت تغطي كل المواد الأساسية وغيرها من سلع الرفاهية.
إستهلكت الحريرية مدخرات لبنان من العملات الصعبة، بمنطق الهدر والسرقة، ثم إنتقلت إلى الإستدانة فاغرقت لبنان بديون لا طائل له للوفاء بخدمتها. وكانت لا تخفي أن هذه الديون ستتم تغطيتها من أموال دول النفط الخليجية، بأوامر أميركية، بعد أن يدفع لبنان الثمن السياسي، بالإنضمام إلى قافلة المطبعين والمعترفين بشرعية الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين. واليوم جاء الوقت الموعود، الذي تضغط فيه واشنطن لإجبار لبنان على الإنضمام إلى التحالف السعودي-"الإسرائيلي" الذي بات معلناً. وكذلك لإرغامه على التخلي عن قسم من ثروته النفطية والغازية التي لم تستثمر بعد من قعر البحر، لتقديمه "خوة" للعدو الصهيوني. وربما لتقديم قسم آخر للأميركي، على غرار ما تفعل بلدان الخليج النفطية. بالإضافة إلى الزام لبنان باعادة رسم حدوده مع فلسطين المحتلة، بما يلبي المطالب "الإسرائيلية"، بعدها يصبح التخلص من المقاومة وسلاحها تحصيل حاصل، على الرغم من أنها شكلت وتشكل عنصر ردع للعدوانية "الإسرائيلية"، التي لا يمر يوم إلا وتعرض لبنان للمس بسيادته على أرضه وسمائه ومياهه.
أخطر ما في كلام وزنة أنه يعلن إستمرارالسياسات الحريرية المالية، بدلآ من القطع معها لصالح سياسة الإنتاج والإتكال على خيرات البلد وعلى ما تصنعه أيادي شعبه. وهذا الخيار، إذا صح إعتماده، يضع الحكومة على سكة الفشل من خطوتها الأولى، ويهدد بزيادة تفجر الأوضاع الداخلية، في حين أن الصراع الدائر محلياً وإقليمياً، يؤكد أن ثمن فشل حكومة دياب سيكون مكلفاً للبنان عموماً؛ وخصوصاً للجهات التي شاركت فيها وأزالت العقبات من طريقها.
ينتظر اللبنانيون أن يعي وزراء الحكومة الجديدة، ان أصوات الصادقين في الشارع الغاضب، تطالب باستعادة الأموال المسروقة ووقف الهدر والسرقات والتهرب الضريبي ومحاربة الإحتكار؛ وتنادي باستعادة الأملاك العامة والزام شاغليها دفع بدل إشغالها المناسب. وكذلك إختصار رواتب الوزراء والنواب والغاء رواتب النواب السابقين. وليس الدخول في متاهة ديون جديدة، سيرغم اللبنانيون وأبناؤهم واحفادهم من بعدهم على دفعها من جيوبهم وحدهم.