أقلام الثبات
لم يكن الطوفان البشري في تشييع الشهداء ,الفريق قاسم سليماني وابو مهدي المهندس ورفاقهما , الا رسائل بابعاد متعددة, سواء في محطة الاغتيال - اي العراق- ومن ثم في الاهواز, وهنا خصوصية كبيرة , تعكس وثاقة الوحدة الوطنية الايرانية , بكل مكوناتها القومية , ومن ثم في طهران , وهي رسائل بأبعاد انسانية بمضمون سياسي كبير , خلاصته ان المشاركين في التشييع وكذلك التظاهرات في بلدان عديدة من العالم , اليمن والهند وحتى في مدن اميركية , وايضا اقامة مجالس لتقبل التعازي بالشهداء , هم من ضمن الجيش المستعد للمساهمة في انزال القصاص العادل بالولايات المتحدة والذي حدده السيد حسن نصرالله بازالة الوجود العسكري الاميركي من المنطقة .
بلا شك إن اغتيال الجنرال قاسم سليماني من قبل الأميركيين فتح الأبواب على مصاريعها، لرفع وتيرة المواجهة مع الجيوش الاميركية على جغرافيا واسعة في العالم , وهي مسألة , كما يبدو لم تكن مدرجة كاحدى النتائج في حسابات القتلة , ولعل ما اعلنه الجنرال ديفيد بترايوس والذي شغل منصب مدير السي آي ايه , بعد ان كان رئيس اركان الجيوش الاميركية , بان اغتيال سليماني افقد الولايات المتحدة قدرة الردع , هو عصارة تجربة استراتيجية لجنرال ربما هو الاعلم اميركيا في كيفية التفكير الايراني , كما ان الدبلوماسي مارتن انديك وهوالخبير الذي عمل في ادارات اميركية متعددة استخلص درسا لم يكن ترامب وادارته قادرين على فهمه بان اولى تداعيات الجريمة هي مطالبة العراقيين برحيل القوات الاميركية , فضلا عن توثيق "وحدة الشعب الايراني ", هذا عدا ما اعلنه كثير من الخبراء والساسة الاميركية , بان تنفيذ العملية الاجرامية غباء وحماقة, وتثير خطرتصعيد خطير في المنطقة كما قالت رئيسة مجلس النواب الاميركي نانسي بيلوسي ما يؤدي الى تعريض ارواح العسكريين الاميركيين الى خطر اكبر .
بعد ان راحت سكرة القتل السارية في عروق ترامب , وجاءت الفكرة سيما مع اعلان ايران على لسان كبار المسؤولين وعلى راسهم السيد علي الخامنئي , فضلا عن قادة الحرس الثوري وقادة الاسلحة في الجيش بان الثمن الذي ستدفعه ادارة ترامب هو اقتلاع الاحتلال من المنطقة كمهمة اولى , ولا يكفي حتى رأس ترامب كثمن , استحقت ادارة الموت حول العالم ما يمكن ان يكون , فارسلت الوساطات في الخفاء والعلن كمن يجرب حظه في احتمال كسب الوقت على الاقل , وعادت وساطاتها خائبة, وهي تيقنت بان خطة طرد القوات العسكرية الاميركية وضعت على الطاولة ,وان الانتقال من حرب الاعصاب الى وقائع الميدان باتت اقرب من الانف للفم وان المعنيين بالتنفيذ على مساحة العالم اصبحوا في جهوزية , وان الضغط على الزناد متروك للقيادات الميدانية ,كل وفق ما يرتأيه, بعد تقدير الموقف ومقدار المكسب من العمل, في خدمة الهدف الاستراتيجي الا وهو ازالة الوجود العسكري الاميركي من المنطقة .
من الملاحظ ان تبدلات تطرأ على تغريدات ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو ,وهذا الاخير هو المتهم الرئيسي في تحريض رئيسه على اتخاذ قرار تنفيذ الجريمة , ربما لانه هو اكثر من تلمس تراجع النفوذ الاميركي في المنطقة مع تلقي المشروع الاميركي فيها ضربات مؤلمة جدا , وهي الضربات التي صاغ غالبيتها الشهيد سليماني على مساحة المنطقة وابو مهدي المهندس في العراق كشريك ولا سيما انهاء خرافة دولة داعش التي ارادها الاميركيون في وقت من الأوقات، بعيد إنشاء "داعش" لتكون كبش فداء ضد الرئيس بشار الأسد في سوريا، وقوة توازن مع محور المقاومة انطلاقا من العراق ومن ثم الى سوريا فلبنان حيث كان دمار "الحلم الاميركي" .
ان الاهداف الاميركية كثيرة , ولا سيما المنشأت العسكرية والقواعد كثير منها على مقربة من ايران , ويمكن ان تتحول الى شرانق تميت من فيها ومن يحميها, ولذلك قد تعيد واشنطن تجربة انشاء داعش باشكال جديدة بعد ان فشلت سابقا في محاولاتها لإنشاء تشكيلات عسكرية من الفارين أو الخونة من السكان العرب ، حيث كان أفراد تلك التشكيلات تهرب بمجرد تلقيها الأموال، ولم تتمكن من القيام بأي عمليات عسكرية.
ان العمليات الناجحة ضد قواعد وجنود الولايات المتحدة سواء في العراق اوفي سوريا ، والتي ستؤدي إلى خسائر كبيرة بين الأميركيين، ومع الاقتراب من الانتخابات الأميركية، وكذلك القواعد الاخرى لا شك أن الولايات المتحدة سوف تلملم اطرافها للحد من الخسائر مع وصول الصناديق الخشبية الى الاراضي الاميركية حاملة جثث الجنود .
ان كمين الترويع الذي كانت تنشده ادارة ترامب في محور المقاومة من وراء اغتيال القائدين سليماني والمهندس , وقعت فيه حيث دعت سفاراتها المواطنين الاميركيين لاخذ اعلى درجات الحيطة رغم دعوة ووعد السيد نصرالله بان المواطنين الاميركيين ليسوا مطلقا في دائرة الاستهداف المقصورة على العسكريين , فيما العسكريون الاميركيون رغم تجهيزاتهم فهم يعيشون القلق المستمر لانهم لا يدركون من اين سيأتي الموت الزؤام .
لقد سقطت ادارة ترامب ايضا في شر خداعها للعالم , وحتى مع انصار الشاه الذي اقتلعته الثورة في ايران ,واللافت في هذا السياق كيف ينظر هؤلاء للشهيد سليماني , وفي هذا السياق وصف وزير خارجية إيران في عهد الشاه أردشير زاهدي، قاسم سليماني قائد فيلق القدس، بالجندي الوطني الشريف، يقارن بقادة تاريخيين عظام لمعوا خلال الحرب العالمية الثانيةوقال إننا نرى اليوم أمريكا تتحدث عن الإرهاب مرارا في حين تعد هي نفسها الإرهابي الأكبر في العالم، فكيف وبأي حق تقتل ضيفا من دولة لها تعاون مع العراق في مجال مكافحة الإرهاب.ووصف زاهدي الرئيس الأميركي بأنه رجل معتوه متسائلا,, لماذا لا يكشف ترامب عن الأدلة التي يقول إنه يمتلكها للكونغرس ولشعوب العالم، فهل يتصور أن العالم كله أعمى وأصم وأحمق؟
وعليه آن الاوان كي يستيقظ الغارقون في السبات , وان يحسم المترددون امرهم , وان يراجع المراهنون على اميركا انفسهم , لان الاحتلال الاميركي في المنطقة الى زوال .