أقلام الثبات
قد يقول قائل، أن حالة الطقس هي التي مَنعّت الثائرين من التواجد الكثيف في ساحة الشهداء، لإحياء احتفال "ثورة رأس السنة"، لكن الحقيقة، أن ثوار كورنيش المزرعة وتلَّة الخياط والبقاعين الأوسط والغربي إضافة الى الباصات الطرابلسية التي تؤمن مستلزمات العُنف في الشوارع، كلها عوامل ساهمت في اختطاف الحراك المطلبي لترفعه الى مستوى ثورة، لتنطفىء الشُعلة الجامعة للبنانيين ولتحمِل كل جماعة مناطقية / مذهبية مشعلها الخاص بها.
بعيداً عن مسألة تشكيل الحكومة، التي يُفترض أنها ليست ببعيدة، فإن الشارع البيروتي المُنقسِم على نفسه، بين شعار "الله حريري طريق الجديدة"، ومطالبات البعض في كورنيش المزرعة وتلَّة الخياط، باستبدال إسم الدكتور حسان دياب بأي مرشَّح تختاره دار الفتوى، هذا الإنقسام مرَدُّه أن العائلات البيروتية العريقة ليست مع "بيرتة" الحريري إبن صيدا من جهة، ومن جهة أخرى فإن البحث عن خليفة للحريري لم يحترم البيارتة الذين لديهم الكثير من الكفاءات النزيهة.
التحركات الفئوية في كورنيش المزرعة وتلة الخياط، التي لا تُمثِّل أهل السُنَّة جميعهم، ولا العائلات البيروتية الأصيلة، ارتدَّت سلباً على كل ساحة من ساحات الثوار، وارتفعت حدَّة حواراتهم في الخِيَم، بين من يريد عودة الحريري وبين مَن يرفضها، وصولاً الى جدلٍ واسعٍ يتفاقم، أن هذه الثورة العاجزة عن تحديد قادتها وإعلان أسمائهم، لا تستطيع طرح أسماء قابلة للتكليف أو للتوزير، وبالتالي نضجت فكرة إعطاء فرصة للرئيس المكلف حسان دياب لإنضاج تشكيلته وبالتالي يُبنى على الشيء مقتضاه.
أحد "الثوار" من الذين افترشوا كل الساحات منذ 17 تشرين، قاطَعَ "ثورة رأس السنة" وقال:
"أنا قررت التزام منزلي، ولست مستعداً للسهر على الزفت وتحت المطر، وسعد الحريري المُفترض به البقاء في لبنان لتصريف الأعمال، يُسافر الى باريس لتمضية سهرة رأس السنة مع عائلته، وهل أن لبنان ليس آمناً بالنسبة لبيت الحريري كي لا يُحضِر عائلته الى هنا، ولماذا عائلته أغلى من كل العائلات اللبنانية هل لأنها الأغنى؟، كفانا حماقة في ثورة غير مُجدية..".
أما وقد انتهت هذه المهزلة التي إسمها "ثورة" تبقى للحراك المطلبي أهميته في الضغط من أجل تشكيل حكومة على شاكلة الدكتور حسان دياب، الذي لو نجح في تشكيل حكومته بعيداً عن التقليد، وهو الآتي من خارج نادي رؤساء الحكومات السابقين، فهو الظاهرة النادرة منذ الطائف في تاريخ اللبنانيين الأوادم، وهوالسُنِّي اللبناني الواثق بنفسه، والمُنفتح على الآخرين، ولعلّ الفورة المذهبية التي أخرجت هكذا ثورة كاذبة من "علمانيتها"، تُعيد تاريخ الرئيس سليم الحص، وتتحرَّر من ضغط حيتان المال لشراء الذمم وامتلاك الشارع السُنِّي، الذي انتظر منذ التسعينات "المنّ والسلوى" من الحكومات الحريرية، ولم يجنِ سوى الوعود العرقوبية وعلى الوعد يا كمُّون، عسى أن يعي جماعة الحراك المطلبي وهُم الغالبية في الساحات، أن هناك نواطير لهذه الثورة وهناك ثعالب تُحرِّك الأدوات، والنواطير نائمة عن تحرُّكات وحركات هذه الثعالب..