الثبات - إسلاميات
أهمية التدرج في تربية الأبناء
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
تكلمنا في المقالات السابقة عن حكم وأهمية تربية الأبناء وغرس القيم في نفوسهم لكن مما لا ينتبه له كثيرون أنَّ غرس القيم والأخلاق من قبل المربي يستمر فترة طويلة وقد لا يرى نتيجة واضحة بادئ الأمر، فينتابه اليأس، ولكن عليه أن يستمر في عمله ويعلم بأن التربية تعتمد على التدرج وبأن الله لا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ. فكيف تنمو شجرة الخيزران؟
عندما نزرع بذور نبتة الخيزران في الأرض ونسقيها بالماء أسبوعاً وأسبوعين وشهراً وشهرين وسنة وسنتين لا نرى سوى الأرض الجدباء، ونستمر في السقي والمتابعة، شيئاً فشيئاً ويوماً فيوماً؛ لتأتي المفاجأة في مطلع السنة الخامسة، حيث تبدأ نبتة الخيزران بالظهور ثم تنمو بشكل سريع متراً كاملاً كل يوم، وبعد أسابيع قليلة يصل طولها إلى ثلاثين متراً تقريبا.
ولكن لماذا لم تنبت خلال الفترة الماضية، لقد كانت تغرس جذورها عميقة في الأرض لتبني أساساً قوياً ليستطيع ساقها الطويل أن يعلو في السماء من دون أن تسقط الخيزران.
يلاحظ مراعاة التدرج في قوله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: "مُرُوا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر" ليجد أن نبينا عليه الصلاة والسلام يعلّمنا التدرج في تعليم الأطفال حتى يعتادوا الأمور من الصغر فيتقنوها في الكبر، ولهذا قيل: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر". وتعليم الصلاة من الأمور الهامة في حياتنا كمسلمين حيث أن التربية الدينية من أكثر الأولويات لدينا في مجتمعنا لأنها الوازع والضمير الذي يقي من المعاصي وغيرها.
- التدرج سنة إلهية في معظم الأشياء في هذا الكون الرحيب، فخلق الإنسان والأطوار التي يمرُ بها إلى نهاية هذا الكون. والتدرج واحد من أسس التشريع الإسلامي، فالقرآن الكريم لم ينزل جملةً واحدةً، بل نزل مُفَرَّقاً -منجماً- خلال ثلاث وعشرين سنة، تنزل الآية حيناً، وتنزل الآيتان، وتنزل العَشْر، وتنزل السورة.
والأحكام الشرعية لم تُفْرَض جملةً واحدةً، بل فُرِضَت على التدريج، فالصلاة والصوم فُرضا بالتدريج، فقد كان الرجل يصلي ركعتين في الصباح، وركعتين في المساء، ثم شُرِعت الصلوات الخمس بأوقاتها المعروفة، وكان الناس يصومون عاشوراء، ثم فُرِضَ صومُ رمضان.
حكي عن سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن ابنه عبد الملك - وكان شاباً ورعاً تقياً كأبيه، متحفزاً للخير متوثباً إليه كسائر الشباب- قال لأبيه عندما ولي الخلافة: "يا أبتِ، مالك لا تُنْفِذِ الأمور، فو الله ما أبالي لو أن القدور غَلَت بي وبك في الحق". فقال الأب: "لا تعجل يا بني، فإن الله ذَمَّ الخمر في آيتين، وحرَمَّها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيتركوه جملة، ويكونَ في ذا فتنة". فالتربية تعتمد على التدرج لا الطفرة.
وممن نبه لهذه القضية المهمة من علماء الإسلام حجة الإسلام الغزالي وذكر ذلك في ورقات خمس مهمة جداً في التربية، ويمكن أن نطلق عليها تربية الأبناء عند الإمام الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي فقد ذكر في المجلدة الثالثة منه في كتاب رياضة النفس، ورقات قليلات عنون لها بقوله: (باب الطريق في رياضة الصبيان في أول نشوئهم ووجه تأديبهم وتحسن أخلاقهم)، ذكر فيها التدرج في تلقين الأبناء الأدب، ودل المربي على الآداب التي يبدأ بها مع الصبي، ثم كيف يتدرج معه ليرقيه في مقامات التربية.
فلا تعجلوا على أبنائكم وتدرجوا في إعطاء الطفل التوجيهات والتكليفات والأوامر، وعدم دفعه إلى القضايا دفعة واحدة: فلهذا التدرج في الخطوات أثر كبير في نفس الطفل واستجابته؛ لأنه ما زال غضاً فلابدَّ من التدرج معه، ونقله من مرحلة إلى أخرى، ومراعاة أن يكون التوجيه برفق، وبألفاظ حسنة طيبة، ومغلف بابتسامة صادقة دون سخرية أو تجريح.