الثبات ـ إسلاميات
لا شك في أن الإسلام جاء ليقرّب الإنسان للإنسان، ومن أجل أن يجمع الإنسان على الإنسان ومع الإنسان على أسسٍ بينة واضحة، على أسسٍ عقليةٍ وفكريةٍ وقلبيةٍ وروحيةٍ، وعلى كل الأسس التي يتكون منها هذا الإنسان، والإنسان لا يتكون إلا من عظيم، لأن الله عز وجل خلقه وبثَّ فيه من روحه وسوَّاه وعدله، فإذا كان الإسلام جاء من أجل أن يقرِّب الإنسان للإنسان والإنسان مع الإنسان والإنسان على الإنسان فإن الحج يبرز صورة تطبيقية لهذا الذي جاء به الإسلام.
الإسلام يريد أن يلتقي الشرقي مع الغربي، والغربي مع الشرقي، والشمالي مع الجنوبي، وهكذا دواليك، فإذا كان الإسلام يريد هذا، فإن الحج يأتي ليشخّص هذا الذي يريده الإسلام نظرياً، ليشخّص ذلك في أرض الواقع وعلى أرض الواقع، وليكون مكان الاجتماع هو البيت العتيق الذي كان فيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والذي كان فيه إسماعيل، والذي كان فيه الأنبياء والذي كانت تطوف حوله الملائكة والذي بناه على الروايات الصحيحة آدم أبو البشر عليه السلام، لذلك يأتي الحج ليشخّص هذا الذي يريده الإسلام، ليشخّص لقاء الإنسان مع الإنسان على أسس سليمة عقلاً وشرعاً ومنطقاً وفكراً وسلوكاً وجسماً وكل شيء يتكون منه هذا الإنسان.
يلتقي الإنسان مع الإنسان على كلمة التوحيد والتي هي أهم ما يجب أن يتحلى بها الإنسان، كلمة التوحيد فنحن نقول: (لا إله إلا الله)، وهذه هي الحقيقة المطلقة التي تنبع من ذرات الوجود كلها، فالإنسان يلتقي مع الإنسان على أساس هذه الكلمة التي هي الحقيقة التي تنبعث من ذراتنا ومن ذرات كل الكون، من ذرات كل هذا المشهد الذي نراه والذي يحفنا والذي يلفنا، هذا هو الأمر الأول الذي يجب أن يلتقي الإنسان مع الإنسان على أساسه.
لتعارفوا
الأمر الثاني (لتعارفوا): يجب أن يتعرّف الإنسان على الإنسان، ويجب أن يتعرف هذا الذي يأتي من هنا من الشرق على الذي يأتي من الغرب، ويجب أن يتعرف هذا الذي يأتي من الشمال على الذي يأتي من الجنوب، يجب أن يتعرفوا على بعضهم ولا يمكن أن يتعاونوا وهو الغرض الأبعد من التعرّف لأن التعرف لا يقف عند حدود التعرّف بل لا بد من التعاون بعد التعرّف، ولا يمكن أن يحصل التعاون على البر والتقوى إلا إذا كان على أساس من توحيد لله، إذن نحن نتعرّف في الحج على بعضنا من أجل أن يكون هذا التعرّف طريقاً وسبيلاً إلى التعاون المطلوب منا نحن بني الإنسان. التعاون على البر والتقوى، التعاون على العدل والرحمة، التعاون على الأمن والأمان، التعاون على الأمن والإيمان، التعاون على بناء الإنسان، هذا هو الأساس الثاني الذي يلتقي الإنسان مع الإنسان على أساسه وبناءً عليه.
وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً
الأساس الثالث الذي يجب أن يلتقي الإنسان مع الإنسان على أساسه هو بناء هذا الكون، هنالك التوحيد وهنالك التعاون على البر والتقوى وهناك بناء هذا الكون بناءً متناغماً منسجماً بناءً نظيفاً بناءً طاهراً بناءً يؤدي رسالةً هي أن يعيش الإنسان على هذا الكون بأمان من دون أي خدش، ألا ترى أن الإنسان يُعنى دائماً ببيته الذي يسكن فيه ؟
أيها الإنسان هذا الكون الذي تعيش فيه هو بيتك لذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فالأرض كلها كون، والكون كله مقدّس، والكون كله مسجد، وعلينا كما نُعنى بالمسجد أن نُعنى بكل الكون لأن هذه العناية ستعود علينا في أن نكون أبناء هذا الكون الأوفياء له، وما لم يكن الإنسان وفياً لكونه فلا يمكن أن يكون وفياً لربه ولا يمكن أن يكون وفياً لأخيه الإنسان، ثلاثة أسس ينبغي أن نجسِّدها ونحن في الحج، اللقاء مع الإنسان على التوحيد لله عز وجل وهذه هي أسّ الحقائق، الأمر الثاني أن نلتقي مع الإنسان من أجل التعاون على البر والتقوى ومن أجل التعاون على الأمن والأمان، والأس الثالث من أجل بناء هذا الكون بناءً متناغماً منسجماً نظيفاً نحترم فيه البيئة ونحاول أن نحافظ على الكون ونحافظ على النقي ونحافظ على كل ما يُسعد الإنسان ويجعل الإنسان إنساناً صحيحاً سليماً في كل جوانبه.