الثبات - اسلاميات
"لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها، فلو أراد لاستعملك بغير إخراج"
من الحكم العطائية للعالم الفقيه والصوفي الجليل الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري التي كتب الله لها القبول عند عامة الناس وخاصتهم، وهي جواهر فريدة في أصول الأخلاق والسلوك ودرر في قواعد السير إلى ملك الملوك.
في هذه الحكمة المباركة ينبّه الإمام ابن عطاء الله رحمه الله إلى ثلاث من أهم دعامات الأدب مع الله سبحانه في السلوك إليه.
الدعامة الأولى: وتقوم على العلم بأنَّ الله عز وجل لطيف لما يشاء وأنَّه تعالى هو الأعلم بطرقه التي يهدي عبرها السالكين، مصداقا لقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.
الدعامة الثانية: وتقوم على العلم بأنَّ علم الإنسان قاصر ناقص، وأنَّ علم الله سبحانه محيط كامل، {إنَّ الله يعلم وأنتم لا تعلمون}، {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}، ومن ثمّ فإن أمر الله سبحانه الذي أحاط بكل شيء علماً هو الأولى بالقبول والاتباع، وليس ما يراه الإنسان ذي العلم القاصر {قل الله يهدي للحق أفمن يهدي للحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى. فما لكم كيف تحكمون}، وعليه فإن مقتضيات الأدب مع الله في السلوك إليه، عدمُ تشوف الإنسان إلى أن يُستعمل في حالة غير حالته التي هو فيها، لأنَّ هذا التشوف يكون مبنياً على علمه ورغبته هو، وليس على علم الله تعالى وأمره، ولزوم الأدب معه سبحانه، يقتضي عدم فك القصد عن مراده عز وجل، والذي هو مراد مفضٍ حتما إلى الأصلح للإنسان {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} .
الدعامة الثالثة: وتقتضي سكون اليقين بالقلب بقدرة الله سبحانه، فهو عز وجل قادر على أن يستعملك إذا أراد بالشكل الذي يريد، في الحالة التي جعلك فيها من خير إخراج لك منها، ِ{ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}، وهو قول الشيخ ابن عطاء الله رحمه الله: "فلو أراد لاستعملك بغير إخراج".
وتضافر هذه الدعامات الثلاث المباركة من شأنه إنشاء حالة إسلام الوجه لله تعالى {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن، فقد استمسك بالعروة الوثقى}، وهي حالة تفضي إلى عبادة المرء ربه جل شأنه بشرط الله سبحانه، وليس بشرطه هو.