الثبات ـ إسلاميات
ونحن فى شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن، الكثير منا يقرأ المصحف الشريف ولكنه لم يعبا ولم يفكر كثيرا في اسم خطاط هذا المصحف ..
هل لاحظت أن نسخ القرآن الكريم الصادرة عن "مجمع الملك فهد" لطباعة المصحف الشريف، أسهل في القراءة وكلماتها مريحة للعين؟ هل سألت مَن وراء هذا التغيير الذي يبسط قراءة المصحف دون أن تشعر؟ عليك أن تعرف أن السر في ذلك كله خطاط كبير أفنى عمره في خدمة كتاب الله، هو عثمان طه.
ولقاء تفانيه في خدمة القرآن الكريم من خلال ما وهبه الله له من قدرة وتمكّن في إجادة الخط بالرسم العثماني، بجدارة وإتقان لا متناهٍ، خُلع عليه لقب "عميد خطاطي المصحف الشريف".
سيرة الخطاط حين الاطلاع عليها تكتنز الكثير من العلامات الفارقة المهمة، التي كانت الأساس في تكوين مخزونه المعرفي والثقافي والفني في رسم الخط العثماني؛ إذ تتلمذ على يد خيرة الخطاطين وأساطين الخط، وأجيز من كبيرهم الذي لم ينافسه أحد على موقعه، ولم يزحزحه حتى اليوم أحد عن مكانه كأفضل خطاط عرفه التاريخ وهو حامد الآمدي، الذي أجاز لعثمان طه في حسن الخط.
ولد عثمان طه في ريف مدينة حلب عام 1934. والده هو الشيخ عبده حسين طه إمام وخطيب المسجد، وشيخ كتَّاب البلد، أخذ مبادئ الخط من والده الذي كان يجيد خط الرقعة.
درس المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدينة حلب في الكلية الشرعية الخَسرَوِية، وتتلمذ في هذه الفترة على مشايخ الخط في مدينة حلب، منهم: محمد علي المولوي، محمد الخطيب، حسين حسني التركي، وعبد الجواد الخطاط، وأخيراً إبراهيم الرفاعي خطاط مدينة حلب.
درس المرحلة الجامعية في مدينة دمشق، وحصل على درجة الليسانس في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق عام 1964، وعلى الدبلوم العامة من كلية التربية من جامعة دمشق 1965.
في دمشق تعرَّف طه على محمد بدوي الديراني خطاط بلاد الشام، وأخذ منه الكثير في الخط الفارسي وخط الثلث، من عام 1960 حتى عام 1967. وكان يجتمع مع كبير خطاطي العراق هاشم محمد البغدادي حين يزور دمشق، ويأخذ منه تمرينات وتعليقات كثيرة حول خط الثلث والنسخ.
حصل طه على إجازة في حسن الخط من شيخ الخطاطين في العالم الإسلامي حامد الآمدي عام 1973. وعُيِّن عضواً في هيئة التحكيم الدولية لمسابقة الخط العربي التي تجري في إسطنبول كل ثلاث سنوات منذ عام 1988. درس الرسم وعلم الزخرفة على يد سامي برهان، ونعيم إسماعيل.
كتابة القرآن الكريم
كتب طه أول مصحف في عام 1970 لوزارة الأوقاف السورية، وفي عام 1988 سافر للمملكة العربية السعودية، وعين خطاطاً في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، وكاتباً لمصاحف المدينة النبوية منذ عام 1988.
يمتاز المصحف الذي خطه الخطاط طه بأن كل الصفحات تنتهي مع نهاية إحدى الآيات.
كتب طه بخط يده لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف أربعة مصاحف، وطبع منها ما يزيد على 200 مليون نسخة، وُزعت على مختلف دول العالم.
أجاد النوع الكلاسيكي من خط النسخ، ثم عزف عنه إلى أسلوب متميز في كتابة المصاحف، وذلك التميز هو ما جعل من المصاحف التي خطها عثمان طه تنال استحسان قرائها؛ إذ عمد إلى اتخاذ عدة خطوات في كتابة المصحف؛ ومن ذلك:
تخلَّص من كثير من التركيبات الخطية التي كانت تعيق الضبط الصحيح. وتخلَّص من أشكال بعض الأحرف من خط النسخ؛ تفادياً لالتباسها بحروفٍ أخرى مشابهة لها، مثل: الهاء المشقوقة، والميم المطموسة بأنواعها، والراء المعكوفة، وغير ذلك.
اعتمد على أسلوب تبسيط الكلمة، وهو الأصل في الخط الكوفي الذي كتب به القرآن أول مرة أيام الصحابة، أي الحرف إلى جانب الحرف، لكي تأتي الحركات فوق الأحرف التابعة لها بدقة، كما يُلاحظ ذلك في مصاحف مجمع الملك فهد.
اكتسب خبرة في توزيع الكلمات في السطر الواحد بحيث ينتهي السطر كما بدأ دون تزاحم للكلمات في النهاية، كما في كثير من المصاحف المخطوطة، وذلك من أجل أن تظهر الصفحة متناسقة متألقة من حيث حسنُ الترتيب والتنسيق.
اكتسب خبرةً وعلماً من علماء القراءات أعضاء اللجان العلمية لمراجعة المصاحف المخطوطة، واستفاد من آرائهم في هذا المجال.
كتب طه المصحف الشريف أكثر من ثلاث عشرة مرة، وكلها بالرسم العثماني، طُبِعَ أكثرها وانتشرت في العالم الإسلامي.