الثبات - إسلاميات
"الإمام جعفر الصادق عليه السلام"
اسمه ونسبه:
هو الإمامُ جعفرُ بنُ محمدِ بنِ علي زين العابدين بنِ الحسينِ السبط بن الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوج ابنته فاطمة البتول رضي الله عنها وأرضاها.
ولد سنةَ ثمانين من الهجرةِ، وتوفي سنةَ 148هـ وعمرهُ ثمانٌ وستون سنةٍ ، وبالمدينةِ ولادتُهُ ووفاتُهُ.
لقبه:
لقب جعفرُ بنُ محمدٍ بالصادقِ، وغلب هذا اللقبُ عليه، فلا يكادُ يذكرُ إلا وانصرف إليه؛ وسببُهُ أنهُ كان صادقاً في حديثهِ وقولهِ وفعلهِ، لا يُعرفُ عنه سوى الصدق ولم يُعرف عنه كذبٌ قط.
وقد اشتهر لقبهُ هذا بين المسلمين، ومن ألقابِهِ الإمامُ وهو جديرٌ به.
أولاده:
الإمامُ جعفرُ الصادق من أكثرِ آبائِهِ أولاداً، فقد خلف من الأبناءِ:
1 - إسماعيلُ وهو أكبرُهم، وقد مات في حياتهِ سنةَ 138 هـ، وأرث ابناً اسمه محمدُ بنُ إسماعيل، وله بنون كثيرون متناسلون.
2 - عبدُ اللهِ، وبه كان يكنى
3 - موسى الملقبُ بالكاظمِ
4 - إسحاقُ
5 - محمدُ
6 - علي
7 - فاطمةُ
أهم شيوخه:
أخذ جعفرُ بنُ محمدٍ الصادق عن عاليةٍ من العلماءِ العلمَ والحديثَ، حيث أدرك أواخرَ الصحابةِ؛ منهم سهلُ بنُ سعدٍ الساعدي، وأنسُ بنُ مالك رضي اللهُ عنهما.
وأكثر الروايةَ عن أبيهِ محمدِ بنِ علي الباقر وهو ثقةٌ فاضلٌ، روى له الجماعةُ، مات سنةَ مائة وبضعة عشرة. وأكثرُ رواياتهِ من طريقِ أبيهِ عن جدهِ الحسينِ بنِ علي أو علي بنِ أبي طالب عن رسولِ الله صلى اللهُ عليه وآله وسلم، وهي أعلى مروياتهِ سنداً، وهي أمثلُ نماذجِ روايةِ الأبناءِ عن آبائهم!
ومن شيوخهِ سيدُ التابعين عطاءُ بنُ أبي رباحٍ، وعن محمدِ بنِ شهابٍ الزهري، وعن عروةَ بنِ الزبير، وعن محمدِ بنِ المنكدر، وعن عبدِ الله بنِ أبي رافع، وعكرمةَ مولى أبنِ عباس.
كما روى عن جدهِ القاسمِ بنِ محمدِ بنِ أبي بكر، وأكثرُ شيوخهِ من علماءِ المدينةِ.
أبرز تلاميذه:
أخذ عنه العلمَ روايةً وفقهاً جمعٌ كبيرٌ من العلماءِ الحفاظِ الثقاةِ من أشهرِهم :
يحيى بنُ سعيدٍ الأنصاري القطان، ويزيدُ بنُ عبدِ الله بنِ الهاد الليثي المدني، وهو أكبرُ من جعفر، ومات قبله بعشرِ سنين، وعبدُ الملك بنُ عبدِ العزيز بنِ جريج، وهو من أقرانهِ، وأبانُ بنُ تغلب، وأيوبُ السختياني، وأبو عمرو بنُ العلاء، ومالكُ بنُ أنسٍ الأصبحي إمامُ الهجرةِ، وسفيانُ الثوري، وشعبةُ بنُ الحجاجِ إمامُ النقادِ، وسفيانُ بنُ عيينةَ، ومحمدُ بنُ ثابتٍ البناني، وغيرهم كثيرٌ، لكن منهم المتفقهُ عليه والراوي عنه والمجالسُ له وهم: مالك وأبوحنيفة خصوصاً . . وقد كان رحمهُ اللهُ ثقةً صدوقاً إماماً فقيهاً.
كرمه وسخاؤه:
بلغ في الكرمِ شأناً عظيماً، ومبلغاً كريماً، وليس بغريبٍ عليه وعلى بيتهِ النبوي الكريمِ، وجدهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم كان أجودَ من الريحِ المرسلةِ شهدت له المواقفُ العديدةُ في المدلهماتِ والغزواتِ وغيرها بالكرمِ البالغِ الذي لا يخشى معه الفقرَ عليه الصلاة والسلام .
وأما جعفرُ بنُ محمد الصادق رحمة اللهُ عليه فمما جاء في كرمهِ وبذلهِ ما رواه تلميذهُ هياجُ بنُ بسطام التميمي قال: كان جعفرُ بنُ محمدٍ يُطعِمُ حتى لا يبقى لعيالهِ شيءٌ، وهذا عطاءُ من لا يخشى الفقرَ.
وروي أنهُ لما سئل عن علةِ تحريمِ الربا فقال: لئلا يتمانع الناسُ المعروفَ، وهذا يدلُ على أريحيةِ نفسٍ وسخائها، وذكروا عنه أنه كان يمنعُ الخصومةَ بين الناسِ، بتحملهِ الخسائر على نفسهِ وإيثارِ الصلح بينهم.
كما ذكروا عنه أنهُ شابه جدهُ علي بن الحسين زين العابدين رضي اللهُ عنه في الإنفاقِ سراً، وذلك أنهُ إذا كان الغلسُ في الليلِ حمل جراباً فيه خبزٌ ولحمٌ ودراهمٌ على عاتقهِ، ثم وزعهُ على ذوي الحاجاتِ من فقراءِ المدينة، دون أن يعلموا به حتى مات، وظهرت الحاجةُ فيمن كان يعطيهم بعد موتهِ.
حكمته وسعة فهمه:
أكثر مترجموا الإمامِ جعفر الصادق من نقلِ حِكمِهِ، وأجوبتهِ المسكتةِ للأسئلةِ المشكلةِ، تلك الأجوبةُ التي تبينُ عن سعةِ علمهِ وبعد فهمهِ، وما حباهُ اللهُ به من سرعةِ البديهةِ، واللسانِ المفصحِ عن جوامعِ المعاني، وفقههِ لمقاصدِ التشريعِ وأسرارهِ، وهو فضلُ اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ.
فقد سألهُ تلميذهُ سفيانُ الثوري بمكةَ في موسمِ الحجِ، فقال: قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ قَدْ أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! لِمَ جُعِلَ المَوْقِفُ مِنْ وَرَاءِ الحَرَمِ، وَلَمْ يُصَيَّرْ فِي المَشْعَرِ الحَرَامِ؟ فَقَالَ: الكَعْبَةُ بَيْتُ اللهِ، وَالحَرَمُ حِجَابُه، وَالمَوْقِفُ بَابُه، فَلَمَّا قَصَدَه الوَافِدُوْنَ، أَوْقَفَهَم بِالبَابِ يَتَضَرَّعُوْنَ، فَلَمَّا أَذِنَ لَهُم فِي الدُّخُولِ، أَدْنَاهُم مِنَ البَابِ الثَّانِي وَهُوَ المُزْدَلِفَةُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى كَثْرَةِ تَضَرُّعِهِم، وَطُولِ اجْتِهَادِهِم، رَحِمَهُم، أَمَرَهُم بِتَقْرِيْبِ قُربَانِهم، فَلَمَّا قَرَّبُوا قُربَانَهم، وَقَضَوْا تَفَثَهُم، وَتَطَهَّرُوا مِنَ الذُّنُوْبِ الَّتِي كَانَتْ حِجَاباً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُم، أَمَرَهُم بِزِيَارَةِ بَيْتِه عَلَى طَهَارَةٍ. قَالَ: فَلِمَ كُرِهَ الصَّومُ أَيَّامَ التَّشرِيْقِ؟ قَالَ: لأَنَّهم فِي ضِيَافَةِ اللهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الضَّيفِ أَنْ يَصُوْمَ عِنْدَ مَنْ أَضَافَه.
وروى أبو نعيم في الحليةِ بسندهِ إلى أحمدَ بنِ عمرو بنِ المقدم الرازي قال: وقع الذبابُ على المنصور- أبي جعفر الخليفةِ العباسي- فذبهُ عنهُ، فعاد فذبهُ حتى أضجرهُ فدخل جعفرُ بنُ محمدٍ عليه، فقال المنصورُ: يا أبا عبدِ اللهِ لِمَ خَلَقَ اللهُ الذُّبَاب؟ قَالَ: لِيُذِلَّ بِهِ الجَبَابِرَةَ.
وقال جعفرُ الصادق لتلميذهِ سفيانَ الثوري: لاَ يَتِمُّ المَعْرُوْفُ إِلاَّ بِثَلاَثَةٍ: بِتَعجِيْلِه، وَتَصْغِيْرِه، وَسَترِه.
وروى تلميذهُ عَائِذُ بنُ أن جعفرَ الصادق قال: لاَ زَادَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقوَى، وَلاَ شَيْءَ أَحْسَنُ مِنَ الصَّمتِ، وَلاَ عَدوَّ أَضرُّ مِنَ الجَهْلِ، وَلاَ دَاءَ أَدْوَأُ مِنَ الكَذِبِ.
وقال مرةً يوصي ابنهُ موسى (الكاظم): يَا بُنَيَّ! مَنْ قَنعَ بِمَا قُسِمَ لَهُ، اسْتَغْنَى، وَمَنْ مَدَّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِه، مَاتَ فَقِيْراً، وَمَنْ لَمْ يَرضَ بِمَا قُسِمَ لَهُ، اتَّهمَ اللهَ فِي قَضَائِهِ، وَمَنِ اسْتَصْغَرَ زَلَّةَ غَيْرِه، اسْتَعْظَمَ زَلَّةَ نَفْسِه، وَمَنْ كَشَفَ حِجَابَ غَيْرِه، انكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ، قُتِلَ بِهِ، وَمَنِ احْتَفَرَ بِئْراً لأَخِيْهِ، أَوقَعَهُ اللهُ فِيْهِ، وَمَنْ دَاخَلَ السُّفَهَاءَ، حُقِّرَ، وَمَنْ خَالطَ العُلَمَاءَ وُقِّرَ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ.
يَا بُنَيَّ! إِيَّاكَ أَنْ تُزرِيَ بِالرِّجَالِ، فَيُزْرَى بِكَ، وَإِيَّاكَ وَالدُّخُوْلَ فِيْمَا لاَ يَعْنِيكَ، فَتَذِلَّ لِذَلِكَ.
يَا بُنَيَّ! قُلِ الحَقَّ لَكَ وَعَلَيْكَ، تُسْتَشَارُ مِنْ بَيْنِ أَقْرِبَائِكَ، كُنْ لِلْقُرْآنِ تَالِياً، وَللإِسْلاَمِ فَاشِياً، وَللمَعْرُوْفِ آمِراً، وَعَنِ المُنْكرِ نَاهِياً، وَلِمَنْ قَطَعَكَ وَاصِلاً، وَلِمَنْ سَكَتَ عَنْكَ مُبتَدِئاً، وَلِمَنْ سَألَكَ مُعطِياً، وَإِيَّاكَ وَالنَّمِيْمَةَ، فَإِنَّهَا تَزرَعُ الشَّحْنَاءَ فِي القُلُوْبِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّعَرُّضَ لِعُيُوْبِ النَّاسِ، فَمَنْزِلَةُ المُتَعَرِّضِ لِعُيُوبِ النَّاسِ، كَمَنْزِلَةِ الهَدَفِ، إِذَا طَلَبْتَ الجُوْدَ، فَعَلَيْكَ بِمَعَادِنِهِ، فَإِنَّ لِلْجُوْدِ مَعَادِنَ، وَللمَعَادِنِ أُصُوْلاً، وَللأُصُوْلِ فُرُوعاً، وَلِلفُرُوعِ ثَمَراً، وَلاَ يَطِيْبُ ثَمَرٌ إِلاَّ بِفَرعٍ، وَلاَ فَرعٌ إِلاَّ بِأَصلٍ، وَلاَ أَصلٌ إِلاَّ بِمَعدنٍ طَيِّبٍ، زُرِ الأَخْيَار، وَلاَ تَزُرِ الفُجَّارَ، فَإِنَّهُم صَخْرَةٌ لاَ يَتَفَجَّرُ مَاؤُهَا، وَشَجَرَةٌ لاَ يَخضَرُّ وَرَقُهَا، وَأَرْضٌ لاَ يَظْهَرُ عُشْبُهَا.
ومن سرعةِ بديهتهِ وموفورِ حكمتهِ أن أصحابَهُ سألوهُ مرةً: لِمَ حَرَّمَ اللهُ الرِّبَا؟ قَالَ: لِئَلاَّ يَتَمَانعَ النَّاسُ المَعْرُوْفَ.
وهذا في الحقيقةِ من فواتحِ اللهِ له في معرفةِ مقاصدِ الشرائعِ، وهذا لا يحصلُ بالتكسبِ والتعليمِ- لكنه فضلٌ يهبهُ اللهُ لمن شاءَ من عبادهِ، وربنا ذو فضلٍ عظيمٍ.
ومن النوادرِ في أجوبتهِ المسكتةِ الحاضرةِ ما نقلهُ صاحبُ ربيعِ الأبرارِ: أن رجلاً قال لجعفر الصادق بن محمد: ما الدليلُ على اللهِ؟ ولا تذكر لي العالمَ والعرضَ والجوهرَ، فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال: هل عصفت بكم الريحُ حتى خفتم الغرق؟ قال: نعم، قال: فهل انقطع رجاؤك من المركبِ والملاحين؟ قال: نعم، قال: فهل تتبعت نفسك أن ثَمّ من ينجيك؟ قال: نعم، قال: فإن ذاك هو اللهُ، قال الله تعالى: "وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ" ، وقال الله تعالى"وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ".
ولذا نص أبو حنيفة على أنه لم ير أفقه من جعفر بن محمد.
هيبته:
رزق اللهُ الإمامَ الصادقَ مع كريمِ سجاياه وتواضعهِ هيبةً ووقاراً، خضع له به أكبرُ ملوكِ الأرضِ في وقتهِ وهو الخليفةُ العباسي أبو جعفر المنصور، حيث روى شمسُ الدين الذهبي بسندهِ إلى الفضلِ بنِ الربيع عن أبيهِ قال: دعاني المنصور فقال: إِنَّ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يُلحِدُ فِي سُلْطَانِي، قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ. فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَتَطَهَّرَ، وَلَبِسَ ثِيَاباً- أَحْسِبُهُ قَالَ: جُدُداً- فَأَقبَلْتُ بِهِ، فَاسْتَأْذَنتُ لَهُ، فَقَالَ: أَدخِلْهُ، قَتَلنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُقْبِلاً، قَامَ مِنْ مَجْلِسِه، فَتَلَقَّاهُ، وَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّقِيِّ السَّاحَةِ، البَرِيْءِ مِنَ الدَّغَلِ وَالخِيَانَةِ، أَخِي وَابْنِ عَمِّي. فَأَقعَدَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيْرِه، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَسَأَلَه عَنْ حَالِه، ثُمَّ قَالَ: سَلْنِي عَنْ حَاجَتِكَ. فَقَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ قَدْ تَأَخَّرَ عَطَاؤُهُم، فَتَأْمُرَ لَهُم بِه. قَالَ: أَفْعَلُ. ثُمَّ قَالَ: يَا جَارِيَةُ! ائْتِنِي بِالتُّحْفَةِ. فَأَتَتْهُ بِمُدْهنٍ زُجَاجٍ فِيْهِ غَالِيَةٌ، فَغَلَّفَه بِيَدِهِ، وَانْصَرَفَ، فَاتَّبَعْتُه فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! أَتَيْتُ بِكَ وَلاَ أَشُكُّ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، فَكَانَ مِنْهُ مَا رَأَيْتَ، وَقَدْ رَأَيْتُكَ تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ بِشَيْءٍ عِنْدَ الدُّخُولِ، فَمَا هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ اللَّهُمَّ احرُسْنِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ، وَاكْنُفْنِي بِرُكنِكَ الَّذِي لاَ يُرَامُ، وَاحْفَظْنِي بِقُدرَتِكَ عَلَيَّ، وَلاَ تُهلِكْنِي وَأَنْتَ رَجَائِي، رَبِّ كَمْ مِنْ نَعمَةٍ أَنْعَمتَ بِهَا عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكرِي، وَكَم مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بِهَا قَلَّ لَهَا عِنْدَك صَبْرِي؟ فَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ نِعمَتِه شُكرِي، فَلَمْ يَحرِمْنِي، وَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ بَلِيَّتِهِ صَبْرِي فَلَمْ يَخْذُلْنِي، وَيَا مَنْ رَآنِي عَلَى المَعَاصِي فَلَمْ يَفضَحْنِي، وَيَا ذَا النِّعَمِ الَّتِي لاَ تُحصَى أَبَداً، وَيَا ذَا المَعْرُوْفِ الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ أَبَداً، أَعِنِّي عَلَى دِيْنِي بِدُنْيَا، وَعَلَى آخِرَتِي بِتَقْوَى، وَاحفَظْنِي فِيْمَا غِبتُ عَنْهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي فِيْمَا خَطَرتُ، يَا مَنْ لاَ تَضُرُّه الذُّنُوبُ، وَلاَ تَنقُصُه المَغْفِرَةُ، اغْفِرْ لِي مَا لاَ يَضُرُّكَ، وَأَعْطِنِي مَا لاَ يَنْقُصُكَ، يَا وَهَّابُ! أَسْأَلُك فَرَجاً قَرِيْباً، وَصَبراً جَمِيْلاً، وَالعَافِيَةَ مِنْ جَمِيْعِ البَلاَيَا، وَشُكرَ العَافِيَةِ.
وهذا الذي وقع له فأبدل اللهُ قلبَ خصمهِ من السخطِ حباً، والبعدَ قرباً هو كرم اللهُ وعنايتهُ ولطفهُ بأوليائهِ.