الثبات - إسلاميات
الكون كله ظلمة وإنما أناره وجود الحق فيه
يقول الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري ـ رحمه الله ورضي عنه: "الكون كله ظلمة وإنما أناره وجود الحق فيه، فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار".
هذه الحكمة مصداق قوله تعالى: { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ومن مشكاة قوله صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ وَصَلُح عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"، الوجود الحق هو وجود الحق سبحانه، وما عدا ذلك فالسوى، وإنما كان هذا الوجود التبعي بإرادة الحق سبحانه ومشيئته، لحكمة أرادها الله سبحانه تعالى في هذا الخلق، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ}.
الظلمة الواردة في هذه الحكمة يقصد بها ظلمة العدم، وقول الشيخ رضي الله عنه: "وإنما أناره وجود الحق فيه"، يريد به أنه سبحانه هو الموجِد لكل موجود سواه بمشيئته تعالى. فمن حُجِب عن إدراك هذه الحقيقة الجوهرية، وانحجب بكثافة الوجود التبعي وهو وجود المخلوقات، فقد حجبت عنه شموس المعارف الحق من مصدريها، الموحى والمخلوق، بسبب عدم ملامسة أنوار الإيمان فؤاده، ومن عُدِم الإيمان، فقد عُدِمَ الورود إلى أنوار الوحي. وهو قوله تعالى: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به، فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما}، ومن عُدم هذه الأنوار فأنى له أن يشهد الحق في الكون وعنده وقبله وبعده."