الثبات ـ إسلاميات
قارن سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه بين صورتين من البشر في هذه الدنيا، منها الهادي المهدي، والذي يدلك على طريق الخير والصواب، ومنها الضال المضل، الذي يدلك على الخراب، ولا يرى الحق ولا يستدل عليه، ويقوم بالترويج لضلاله ليتبعه الناس، وهذا عندما فسر قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى* أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} سورة العلق – الآية 11/12، هنا نلاحظ أن اللَّه يضع لنا صورتين، إما أن تكون أيها الإنسان من أهل هذه الصورة أو أن تكون من أهل الصورة السابقة، فاختر عن علم واختر عن ثقافة واختر عن إيمان، لا يستطيع أحد أن يلزمك، قال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} سورة الكهف – الآية 29، الحق من قبل اللَّه، ولكن أنت عليك أن تختاره، إما الهداية وإما الضلال والطغيان، واعلم أنك عبد لا تملك لنفسك ضراً ولا نفعاً، أنت عبد، وأنت بحاجة إلى اللَّه، وبحاجة إلى أدنى شيء في هذه الدنيا، لذلك هارون الرشيد والذي كان يقول للغمام: اذهب أَيها الغمام اهطل أَينما تريد فإن خراجك سيعود لي، فأراد يوماً من الأَيام أَن يشرب كوبا من الماء فاستوقفه بهلول – أعقل المجانين – وقال له: مهلاً يا أمير المؤمنين، فلو حجب عنك هذا الماء بكم تشتريه؟، فقال: بنصف ملكي، فقال: إن شربته وبقي في بطنك ولم يخرج فكم تدفع ليخرج هذا الماء من جوفك؟، فقال: أدفع نصف ملكي، فنظر إليه بهلول وقال له: ما هذا الملك الذي لا يساوي كأس ماء؟!.
ليس لك أن تهرب من اللَّه، وليس لك أن تهرب من هذا الكون، لذلك عليك أَيها الإنسان أن تسكن قلبك مخافة اللَّه، هناك أناس ضالين وأناس مضلين، في أناس فاسدين وأناس مفسدين، فهذا الإنسان تحول ليس فقط إلى فاسد بل إلى مفسد أيضاً في الأَرض، لا يقيم الصلاة، ولا يصوم رمضان، ولا يحج البيت، ولا يحسن إلى عباد اللَّه، ولا يعمل مخلصاً في هذا الكون في عمارته في بنيانه، بل إن حصل على علم أَو حصل على إنتاجيات علمية بدأ يسعى في الأرض فساداً وخراباً، وهذا الإنسان يسعى العبد عن أداء عباداته، ولكن لماذا ذكر هنا الصلاة وخصها بالذكر؟؛ لأن الصلاة هي العمود الفقري لهذا الدين العظيم، لذلك جاء في بعض الروايات [من أقامها أقام الدين، ومن هدمها هدم الدين]، لنحرص على صلواتنا وعباداتنا، وليس معنى هذا قد استكملت الدين لا، إنما هذه منطلقات من أجل أن تنطلق بها نحو هذا الإسلام العظيم، هذا الدين الذي بعثه اللَّه تعالى لنا مع الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قوامه الصلاة، ثم بعد ذلك يتفرع عنه من الأخلاق والعلم والإحسان إلى عباد اللَّه، ومن العمل الطيب الجاد، وليس العمل الطيب مثلما يفهمه كثير من الناس في إعانة الفقير وإطعام الجائع، فهذا جزء وليس الكل، نحن اليوم ينبغي علينا أن نكون هداة للأمم.
ومعنى التقوى في الآية السابقة يأتي من الوقاية، نقول: وقى الإنسان نفسه الشيء؛ أي ابتعد عن الشر، فالتقوى هي الوقاية من كل سوء نهانا اللَّه عنه وبينه الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ينبغي عليك أيها الإنسان أن تكون صالحاً مصلحاً تقياً، تدل الناس على الخير، هناك فرق بين الإنسان الذي يستغني عن اللَّه، والذي يطغى في هذه الأرض، وبين الإنسان التقي الذي يخاف من اللَّه سبحانه وتعالى.