لولا المربي ما عرفت ربي ... التربية بين الشيخ والمريد

الإثنين 04 شباط , 2019 10:10 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

طريقُ الوصول لأي علم شرطهُ وجود الأستاذُ المرشد المتمكن بهذا العلم الخبير بخفاياه ودرجاته و الذي يناسب كل تلميذ منها وطريق التصوف ومعرفة الله تعالى هي كذلك تحتاج لشيخ مربي عارف رقى بمقامات السلوك والمعرفة فصار بها خبيراً.

 

وللعلماء في هذا كلامٌ واستدلالٌ نذكر جانباً منه ليطمئن القلب ويستبين الأمر:

الطريقُ الصوفي هو طريق مجاهدة النَفس والشَّيطان، وقد أطلق صلى الله عليه وسلم على جهاد النفس والهوى الجهاد الأكبر، وأطلق على الجهاد في ميدان القتال الجهاد الأصغر. عن جابر قال: "قَدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة، فقال عليه الصلاة والسلام: " قدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قيل: وما الجهاد الأكبر؟ قال: "مجاهدة العبد هواه". والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم من أن يعطي صفة لشيء دون أن تكون منطبقة عليه تماماً، وكذلك من هذا الحديث يتضح لنا ما يحتاجه جهاد النفس من عناصر ومقومات واستعداد يفوق ما يحتاجه الجهاد الأصغر من قائد وجماعة تشمل إخواناً معاونين وأسلحة.

 

الشيخ وسيلة صادقة للتقرب إلى الله، فهو المربي الذي مرّ بالتجربة وخالف النفس وانتصر على الهوى

وهو الملقِّن الذي يُبصِّر المريد، ويلقنه سبيل الرشاد، وينجيه من العوائق والعثرات، حتى يستقيم حاله ويتعرف على الطريق الحق للتوجه إلى الله تعالى، والذي لا شك فيه أن المريد بلا أخ ناصح ولا مرشد صادق، يقع في المتناقضات وينقاد إلى المهلكات دون أن يدري، لأنه لا يعرف ما هو حق وما هو باطل، كما أن الركون إلى هوى النفس والشيطان سهل يسير، أما العمل في مرضاة الله عز وجل فصعب عسير، ومن هنا تتضح ضرورة وجود الشيخ المربي في الطريق، لأن منازل القوم كثيرة، ولا يرشد فيها إلا من سلك وعرف مزالقها، والأخذ عن الشيخ فيه سر الإمداد بالبركة وربط المريد بالوصلة المحمدية، وذلك أشبه بالتيار الكهربائي الذي لا ينتقل إلا بالموصل، فالشيخ هو محرك الطاقة، وهو واجب شرعي باعتباره وسيلة إلى الله  تعالى، لدخوله في عموم قوله عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾. وقال تعالى: (أولئك الذين هدى الله بهداهم اقتده).

وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: "... كذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض وسُبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سبيل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها فإنها تجف على القرب، وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر..."

وقالُ الإمام القشيري: "يجبُ على المريد أن يتأدبَ بشيخ، فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبداً، هذا أبو يزيد البسطامي يقول: من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان"

ثم قال: "سمعتُ الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: "الشجرةُ إذا نبتتْ بنفسها من غير غارس فإنها تورق ولكنها لا تثمرُ، كذلك المريد إذا لم يكن له أستاذ يأخذ منه طريقته نفساً فنفساً فهو عابد هواه لا يجد نفاذاً

واستند الصوفية في علاقة المريد بالشيخ إلى قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام، والأكثر من ذلك أنهم أخذوا منها الحوار الرائع الذي دار بينهما، وضرورة الأدب الجم لطالب العلم وإن كان في مرتبة الأنبياء، واعتُبِرت قواعد الخضر لسيدنا موسى عليهما السلام أساسا لا بد أن يتخلق به المريد مع شيخه في الطريق. وفي ذلك قال السهروردي: "وينبغي للمريد أنه كلما أشكل عليه شيء من حال الشيخ يذكر قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام، كيف كان الخضر يفعل أشياء ينكرها موسى، وإذا أخبره الخضر بسرها يرجع موسى عن إنكاره، ما ينكره المريد لقلة علمه بحقيقة ما يوجد من الشيخ، للشيخ في كل شيء عذر بلسان العلم والحكمة.

العلاقة بين الشيخ والمريد هي علاقة من نوع فريد تقوم أساساً على الحب والتسليم والطاعة والاعتقاد في علمه الظاهر والباطن وأنه أهل لفهم نفس المريد وعلاجها وترقيتها وتزكيتها، كل هذا دون أن تكون لهذه العلاقة أية مصلحة إلا الرغبة في الفتح والقرب الإلهي الذي يصل إليه المريد برجوعه المستمر إلى الشيخ في كافة أموره الدينية والدنيوية، لثقته في علمه الظاهر والباطن، وحرصه على التماس البركة من الشيخ في كافة أمور حياته، ويتأكد بذلك أن للشيخ دورا إيجابيا يتغلغل في حياة مريديه بالنصح والإرشاد والتعاون على الخير.

والأكيد أن المريد قبل أن يسلم بكل هذا لشيخه أنه يختار من الشيوخ من تحقق فيه صفة المربي وخاصة كونه ملتزما بأحكام الشرع متبعًا لسنة الحبيب المصطفى في أقواله وأفعاله زاهداً في الدنيا مقبلاً على الأخرة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل