الحكم العطائية ... "متى أطلقَ لسانكَ بالطلبِ فاعلم أنهُ يريدُ أن يعطيكَ"

السبت 07 كانون الأول , 2019 01:43 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

"متى أطلقَ لسانكَ بالطلبِ فاعلم أنهُ يريدُ أن يعطيكَ"

 

ما زلنا مع هذا الإمام صاحبُ الحكم، وكلامه ذهب وحكمه نوادر وعده درراً، لأنَّ كلامَهُ يجمع كل معاني الإيمان والإسلام والإحسان والقرب والمناجاة إلى الله تعالى.

هذه الحكمة فيها من المعاني العظيمةِ ما لا يستطيع الفردُ أن يحصيها، لكن إحساس العالم بالحكمة إحساسٌ عظيمٌ لا يدركه من سواه وبخاصة في هذه الأمور الجميلة.

والذين لا يدعون الله لا يعرفون قدر الله، وهم محجوبون عن الطلب وعن رحمة الله لأنهم لم يدربوا أنفسهم على أن يقولوا يا الله، هؤلاء القوم لم يَصِلُوا لمرحلة السُّؤال كي تأتيهم الإجابة فأنت إذا سألت أُعطِيتَ وإذا لم يسأل الإنسان يبقى محروماً.

كان من حال الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليطلبوا تعلم أدعية معينة منه، فالصِدِّيقُ رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علِّمني دعاءاً أدعوا به فقال له: "ربِّ إنِّي ظلمت نفسي ظُلماً كثيراً فاغفر لي فإنه لا يغفرُ الذُوبَ إلاَّ أنتَ"، فهذا مثل لما علمه النبي لأصحابه في طلب الحاجة من الله.

كما كان الصحابة يتعلمون أدب السؤال مع الله سبحانه وتعالى، وكيفية الإلحاح والطلب من الله ووقت هذا الطلب، كما كانوا رضي الله عنهم حريصين على تعلم أدب السؤال والإلحاح على الله تعالى في يوم بدر وفي غيره، فيوم بدر كان صعباً مرهقًا أظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه التذلل لله عز وجل بكل صوره حتى أتاه النصر من الله، ويقول تعالى جل شأنه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}.

ومتى أقامك الله على الطلب أعطاك الإجابة، ومتى أقامك على الطلب وجب حضور قلبك وذهنك في وقت هذا الطلب، فقال تعالى: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}، لكنك لم تكن حاضراً في وقتِ الطلب فكيفَ يستجيب الله لكَ؟، كما قال الصديق رضي الله عنه: "إنا نعلمُ يا رسولَ اللهِ أنك لو ناشدت ربَّك استجابَ لكَ"

فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم داعياً حتى رؤي بياض إبطيه، وعُفر ابطيه: أي عمق إبِطيه، حتى جاءه النصر من شدة دعائه وتبتله حتى جاءه النصر، فهل رأى الناسُ مشهداً أعظم من هذا؟، فعليك متى أحسست بالطلب ودعوت تأتيك الإجابة وإن لم تأتك الإجابة فورية فأعلم أن الله تعالى يدخر لك خيراً منها، ومتى أقامك الله عز وجل على الطلب فلن يرد لك سؤالاً، وهذا الكلامُ ينطبقُ على من يستطيعون استحضار قلوبهم في أوقاتِ غفلات الناس، لذا أفضل وقت للتضرع بين يدي الله تعالى والدعاء المسموع هو الدعاء في جوف الليل.

إن كثيراً من الناس لا يعرفون الله تعالى إلا عندما يشتد البلاء عليهم، وهذا لا حرج فيه أيضاً لأن الله تعالى كريم في أي وقت، وحتى لو أعطى ظهره للملك طول عمره ثم احتاج إليه ذات مره فتحولت من مقام التكبر والغطرسة إلى مقام التذلل سيستجيب لك، المهمُ أن تعيشَ اللحظة التي ترى نفسك فيها لصيقاً بالأرض كبشرٍ ذليل مكسور كسير، متعلقاً برحمة الله تعالى في السماء، وهي استشعار لمرتبة العبودية، استشعار لمرحلة الكرب الذي احتبسك واحتواك واعترافك أنك لن تتخلص من هذا الكرب إلا بمشيئة الله تعالى والاستعانة به، وليس لك ملاذٌ إلا باب الله تعالى.

متى أقامك على الطلب: أي متى دخلت في مرحلة المناجاة والرجاء، والثناء، والتبتل والتضرع والإنابة هذه الأشياء الجميلة والكنوز الفريدة، فاعلم أن اللهَ يريدُ أن يرقيك، ولكن قبل أن يرُقِّيَك عليك أولاً أن تكون مستحقاً لهذه الترقية، كما أنَّه أثناء الدعاء لابدَّ أن يكون عندك إحساسٌ بمن تناجي، ومع من تتحدث فأنت تناجي وتتحدث مع الكبير المتعال.

والخلاصة: أنَّ الله متى أقامَكَ على الطلب فأعلم أنَّه يريد أن يعطيك، وأعلم أنَّه تعالى كاشف كربك ومقيل عثرتك، ومستجيبٌ ومؤيدٌ ومدعمٌ وناصرٌ لك، حتى وإن تخلى عنك البشر كلهم، أقامك في مقام الطلب لكي ينجيك، ويُغيثك، أقامك لكي يُعطيك ويغسل أوزارك، لكي يمنحُك، وينجحك، لا يُؤتي هذا كله إلا من خزائن رحمة الله، التي وسعت كل شيءٍ رحمةً وعلماً.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل