الثبات ـ عربي
في 13 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، نفّذ عنصر أمن يتبع لوزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية، هجوماً داخلياً من النقطة صفر على قوات أميركية - سورية مشتركة في مدينة تدمر، ما أسفر عن مقتل جنديَين أميركيَين ومترجم مدني، وإصابة ثلاثة جنود أميركيين بجروح، إضافة إلى مقتل عنصر من قوات الأمن السورية. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، وقتذاك، إن «تقييماً أمنياً صدر بحقّ المنفذ في العاشر من الشهر الجاري، أشار إلى أنه قد يحمل أفكاراً تكفيرية أو متطرّفة»، مضيفاً أن قراراً كان من المفترض أن يصدر في حقّه في الرابع عشر من الجاري، أي بعد يوم من وقوع الهجوم. وعلمت «الأخبار»، من مصادر سورية مطّلعة، أن منفّذ العملية كان يتبع سابقاً لتنظيم «حرّاس الدين»، وهو فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا، الذي أعلن حلّ نفسه في كانون الثاني/ يناير 2025 تحت وطأة ضغوط على قيادته؛ علماً أن الأخيرة امتنعت عن المشاركة في عملية «ردع العدوان» نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، رغم مشاركة الكثير من كوادر التنظيم في العملية، بمعزل عن توجّه القيادة.
والواقع أن غلبة النهج الإسلامي «المرن» على مسار الشرع وتحوّلاته، لا يحجب حقيقة أن هيكلية السلطة الجديدة لا يَحكمها سياق فكري واحد، وهو ما دلّ عليه مثلاً بروز أصوات رافضة - من داخل هذه الهيكلية - لانضمام دمشق إلى «التحالف الدولي» ضدّ تنظيم «داعش»، والذي أُعلن في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عقب زيارة الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، إلى واشنطن. ذلك أن المسار الذي ينتهجه الشرع مع الولايات المتحدة قد لا يجد قبولاً لدى عناصر ومجموعات لا تزال تتمسّك بالعداء الجذري لأميركا وترفض التماهي مع سياساتها، ويبدو أن تنظيم «داعش» يحاول جاهداً، عبر دعايته وخطابه، استقطابها. إذ إن التنظيم يركّز جهوده حالياً على الممتعضين من سياسة الشرع الحالية، وخصوصاً منهم العناصر ذات الرتب الدنيا في الجيش وقوات الأمن، والتي يخاطبها بكلام «قاعدي» كلاسيكي لا يزال يستهويها، وهو ما يبدو أنه حصل مع العنصر التابع لـ«حرّاس الدين». فإذا كانت قيادة التنظيم المنحلّ، رغم الخلاف مع الشرع وتوجّهاته، لا تزال ترفض أيّ تقارب مع «داعش»، فإن إمكانية اجتذاب عناصره من قبل الأخير تظلّ قائمة. وفي هذا الإطار، يبدو لافتاً تركيز صحيفة «النبأ» الأسبوعية التابعة لـ«داعش»، على انتقاد سياسة الشرع تجاه الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، وابتعاده عن الشعارات التي كان يطرحها في السابق من مثل «تطبيق الشريعة» وغيرها. كما إن الصحيفة نفسها نشرت في عددها الأخير مقالاً افتتاحياً بعنوان «مفخرة سيدني»، جاء فيه أن المقاتل لم يعُد مرهوناً بتجهيزات مرحلة «ما قبل الدولة الإسلامية» وتعقيداتها، وأن الأمر «يحتاج إلى مجاهد تشرّب التوحيد ونجا من شباك الجماعات قبل شراك الحكومات».
خلايا «داعش» انتقلت من التمركز في البادية إلى الانتشار في أرياف المحافظات والمدن الرئيسية
استغلال الفراغ وصعوبة التصدّي
في الإطار نفسه، تفيد مصادر أمنية سورية، «الأخبار»، بأن خلايا تنظيم «داعش» انتقلت من التمركز في البادية السورية إلى الانتشار في أرياف المحافظات والمدن الرئيسية، في حين تركّزت العمليات الأخيرة للتنظيم على شرق الطريق الدولي في الشمال، في مناطق من مثل ريف إدلب الشرقي، حيث البادية المفتوحة والمساحات الشاسعة والضباب الكثيف. كما إن «الفراغ الذي خلّفه غياب الميليشيات وتوقّف عمليات الجيش الروسي في تلك المناطق، لا تستطيع الحكومة المركزية أن تغطّيه لعدة عوامل، منها قلّة العديد والعتاد اللازم»، إضافة إلى أن مستودعات أسلحة عدة بيعت محتوياتها بعد سقوط النظام في السوق السوداء، وهو ما استغلّته خلايا «داعش» التي سلّحت نفسها عبر هذه الطريقة.
وبحسب المصادر، فإن تلك الخلايا «غالباً ما تكون قادمة من مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا، وهو ما حصل في تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق في حزيران/ يونيو الفائت»، حيث ذكرت وزارة الداخلية آنذاك أن الخلية التي نفّذت الهجوم قدِمت من مخيم الهول في الحسكة بعد سقوط النظام. وتلفت المصادر إلى أن «قسد» تدأب على التلويح بورقة «داعش» لدى الحديث حول اندماجها في الجيش السوري الجديد، أو الحديث سابقاً عن خروج القوات الأميركية في البلاد، وهو ما يتكرّر اليوم على ألسنة قادتها، في حين تأتي العمليات الأخيرة مع قرب انتهاء مهلة تنفيذ اتفاق آذار الموقّع بين الشرع وقائد قوات «قسد» مظلوم عبدي، والذي ينصّ على دمج المؤسّسات المدنية والعسكرية كافة التابعة للأخيرة بمؤسّسات الدولة.
«لقد كانت بالفعل ثورة حتى القصر» | الشرع ورِفاق «الجهاد»: المواجهة واقعة
ليبيا تنعى رئيس أركان الجيش بعد تحطم طائرته الخاصة في تركيا
الساحة العراقية تحوّلات سياسية وأمنية حاسمة