الثبات ـ منوعات
نظراً إلى ضعف تعرّض التلاميذ ذوي الصعوبات للغة العربية الفصحى، وتركيبتها المعقّدة في الأساس، ينفرُ هؤلاء من تعلّم لغتهم الأمّ
مع إحياء اليوم العالمي للغة العربية (18 كانون الأول)، يمكن القول إن لغة الضاد التي يراها الناس عموماً «معقدة، صعبة، وجافة...»، هي أشبه بـ«طلاسم» للأشخاص المعوقين سمعياً وذهنياً ومن لديهم صعوبات تعلّمية وفي النطق والتركيز. ويتسبب ذلك في نفورهم منها، على ما يلحظ الأهالي والمربون والاختصاصيون.
عبثاً تحاول والدة الطفل أحمد (لديه صعوبات في السمع) أن تبني علاقة طيبة بين ابنها ولغته الأم. وتشكو من «تراجع علاماته في اللغة العربية، بمعدل يصل كحد أقصى إلى 65%، مقابل إبداعه في اللغة الإنكليزية». منذ صغره، يميل أحمد إلى الإنكليزية ويشكو من ثقل المفردات العربية. وإلى اليوم، عندما يكون لديه واجبات في القواعد أو الإملاء أو الإنشاء «يُكرِّز»، حتى صارت والدته تحلّ عنه واجباته المدرسية، كي «لا أضغط عليه»، وفقاً لقولها.
عملياً، ليس هناك اضطرابات مرتبطة بلغة دون سواها. بمعنى أوضح، «ليس هناك شخص لديه صعوبات في اللغة العربية فيما وضعه سليم في الأجنبية».
هذا ما تؤكده الاختصاصية في علاج النطق واللغة، فاطمة شقير. وتوضح أنه «عند التشخيص، نقوم بالتقييم في عدة لغات لنتأكد من وجود الاضطراب»، والاضطراب في لغة دون أخرى سببه «التعرض للغة أكثر من غيرها، ومدى سلاسة كلّ لغة». يعني ذلك أن ضعف تعرض الأولاد ذوي الصعوبات للغة العربية الفصحى من جهة وصعوبة هذه اللغة وتعقيداتها من جهة ثانية يُصعِّب عليهم تكوين علاقة جيدة مع لغتهم الأساسية.
بين الفصحى والعامية
على صعيد التعرّض، تشير شقير إلى أن «اللغة العربية الفصحى هي لغة مختلفة تماماً عن اللغة العامية المحكية، نظراً إلى الفروقات الكبيرة بينهما، فهناك أصوات في الأولى مثل «ذ» و«ظ» غير موجودة في العامية، وهناك مصطلحات تختلف مثل «شباك» و«نافذة»...». وتلفت إلى أنه «في المراحل العمرية المبكرة، في مرحلة الروضات وما يسبقها، يميل الأهل إلى تعريض أولادهم للغة الإنكليزية أو الفرنسية، خصوصاً عبر التلفاز وتطبيقات الـ«يوتيوب» وغيرها، كون العربية ليست أولوية، ويكتسبها أولادهم (في رأيهم) عبر استخدامها في حياتهم اليومية»، من دون أن يلتفتوا إلى الفروق الجذرية بين الفصحى والعامية.
أما الأطفال الذين لديهم صعوبات في التركيز والذاكرة والوظائف الذهنية والنطق، فـ«تشكل اللغة العربية عائقاً إضافياً لأنها ليست سهلة، إذ يوجد مستويات على صعيد الحرف الواحد، ونقاط وحركات وأشكال متعددة في ما يخص التعرض البصري».
في السياق نفسه، لا يملك الصم غالباً القدرة على النطق السليم، خاصة من فقدوا حاسة السمع منذ الولادة منهم. فهؤلاء لم يتعرضوا للغة، ولم يجمعوا مخزوناً لغوياً ليستخدموه في حديثهم، و«يعاني الصم ومن لديهم صعوبات سمعية من تأثر الوعي الصوتي، فيتلقون الأصوات بشكل مشوش وغير سليم»، فيما النظام الصوتي للغة العربية يعدُّ «معقداً بتركيبته، على صعيد المصطلحات وتقارب الحروف مثل «ذ» و«ز»، «س» و«ص»، الأمر الذي يفرض جهداً إضافياً على الصم».
لذا، «يفضّل الصم في كتابة العربية بلغة الإنترنت (الحروف اللاتينية والأرقام)، وفي الكلام لغة الإشارة. كما يفضّل ذوو الإعاقات الذهنية اللغة المبسطة، فيتوجهون إلى العامية في أكثر الأحيان هرباً من تعقيدات العربية الفصحى»، وفقاً للناشط في مجال الإعاقة، إبراهيم عبد الله.
9 لغات إشارة في لبنان
بالنسبة إلى لغة الإشارة، يُلحظ غياب قاموس إشاري وطني موحد باللغة العربية، بعدما فشلت محاولات توحيد تسع لغات إشارة في البلاد، وضعتها تسع مؤسسات رعاية للصم. يعني ذلك أن كل شخص أصمّ يحكي لغة المؤسسة التي نشأ فيها، و«غالباً هذه اللغات مناطقية، فلغة الإشارة في عكار مثلاً تختلف عن تلك في الجنوب، تماماً مثل اختلاف اللهجات»، وفقاً لمسؤولة العلاقات العامة في «مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية» عبير حبيب، التي تؤكد «أهمية وجود قاموس إشاري موحد على الصعيد الوطني تلتزم به كل المؤسسات».
ويشير متابعو مسألة القاموس الإشاري الوطني إلى تحديات، من بينها غزارة المصطلحات العربية وتعقيداتها وتعدد المعاني للمفردة الواحدة.
إضافة إلى كل ما سبق على صعيد التحديات التي تفرضها اللغة العربية على الأشخاص المعوقين وذوي الصعوبات، يبرز تحدٍ آخر يرتبط بلغة الذكاء الاصطناعي والتطورات التكنولوجية المبرمجة أساساً للأجانب. فهناك تطبيقات مساعدة تُسهّل حياة هذه الفئة وتُذلّل العقبات في طريقهم، لكنها محجوبة عنهم لعوائق لغوية.
والمطورة بنسخة عربية منها نادرة جداً، وإن وجدت، فهي تأتي متأخرة بعد برمجة تطبيقات أجنبية أخرى أكثر تطوراً وفائدة. يذكر عبد الله مثلاً «الإيميلات والمواقع الإلكترونية في محركات البحث التي تحتم معرفة اللغة الإنكليزية، والتطبيق الذي يحدد الألوان أو يصف المكان للمكفوفين، والذي يحول الصورة إلى كلام، والنظارات التي تحمل كاميرا مربوطة بـ«غوغل» و«تشات جي بي تي»، والتي تتلقى أوامر من صاحبها وترد على الاتصالات إذا كان الهاتف بعيداً». ويضيف: «أعرف كثيرين يرغبون في اقتنائها، لكنهم لا يجيدون الإنكليزية بطلاقة».
الحلول
إزاء كل ذلك، ما هو المطلوب؟ هل ننسى اللغة العربية ونسلّم بتعقيداتها؟ ونتفرّج على انسحاب المعوقين وذوي الصعوبات تدريجياً نحو لغات أجنبية؟ وأين هم الأساتذة والمربون من تبسيط اللغة العربية وتقديمها بأساليب محببة؟ تقرّ حبيب بـ«صعوبة اللغة العربية وانفلاشها نظراً إلى تنوع أصوات الحرف، وأشكال الكتابة بين أحرف متصلة ومنفصلة، واختلافها بحسب موقعها في الكلمة». لذا، تعتبر حبيب أنه «سيبقى هناك أولاد يهربون من اكتسابها». لكنها في الوقت نفسه، تؤكد الضرورة إيجاد حلول لأن «العربية هي لغتنا الأولى والأساسية وجزء من ثقافتنا».
وفي مقابل تحديات لغة الضاد، تتحدث حبيب عن «تحديات لإيجاد تقنيات وطرق واستراتيجيات لتبسيط اللغة، والتركيز على الأنشطة لتثبيت المفاهيم، وربطها بحياة الأولاد اليومية». وتشدد على «أهمية الربط بين المعالج اللغوي والمربي المتخصص، ليشعر الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بالذبذبات الصوتية عبر تحويلها لأمور ملموسة». وتعطي مثلاً «تجسيد الأحرف العربية بالدبكة، من يقف أولاً يمد يداً واحدة، وفي الوسط يمد يدين... هكذا نرسم صورة ذهنية وحسية».
وعن نقص التطبيقات الإلكترونية المعربة، تشير إلى «حاجتنا إلى تمويل عربي لتوظيف الذكاء الاصطناعي والتطورات التكنولوجية في خدمة ذوي الإعاقات والصعوبات العرب، وتطوير تقنيات ناطقة بالعربية، إضافة إلى تكتل الدول العربية لحماية اللغة التي تجمعهم وإنشاء قاموس إشاري عربي موحد للتواصل بين مجتمع الصم».
مصر.. فريق طبي ينقذ سيدة ابتلعت 34 مسمارا
قتلى في تحطم طائرة تابعة للبحرية المكسيكية قبالة ساحل تكساس
مصر.. بيان بعد إعلان "إنقاذ طفل عشرات الركاب"