الثبات ـ عربي
لم تعلن واشنطن ودمشق عن العملية المشتركة بين "التحالف الدولي" والتي أفضت إلى إلقاء القوات الأمريكية القبض على عضو بارز في تنظيم "داعش" كان يختبئ في منطقة معضمية القلمون بريف دمشق.
العملية هي خامس تعاون بين الطرفين الذين يصر كل منهما، ولحساباته الخاصة، على إبقائه طي الكتمان فيما لمح المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك إلى هذا التنسيق بالقول "إن سوريا عادت إلى صفنا".
مراقبون يرون بأن انفتاح القيادة السورية الحالية على التنسيق الأمني مع واشنطن يأتي في سياق المساعي المتكررة منها للانضمام إلى "التحالف الدولي" لمحاربة "داعش" ومن وراء ذلك تضمين البريد إلى الولايات المتحدة رسالة تقول بأنها قادرة على الحلول مكان قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في هذا الشأن الحساس للغاية فيما يبقى على هذه الأخيرة تقديم الدعم ولكن تحت لواء وزارة الدفاع السورية الحالية وهو أمر يدفع إليه باراك بشدة ويمكن أن يحظى بالنقاش داخل أروقة القيادة العسكرية والسياسية في واشنطن على ما تعتقد دمشق.
دعوا الأمر لنا
يرى المحلل السياسي أحمد طعمة أن مهمة قتال تنظيم "داعش" يجب أن تلقى على عاتق الحكومة في دمشق دون غيرها من الفصائل "الخارجة عن الشرعية" وعلى رأسها "قسد" لأنها المسؤولة عن أمن البلاد وقد اكتسبت خبرة كبيرة في هذا الشأن على مدى 10 سنوات متواصلة من قتال التنظيم.
وفي حديثه لـRT أكد طعمة أن "داعش" استشعرت هذا الخطر فعمدت إلى تكثيف عملياتها في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، مشيرا إلى أن تلك الهجمات أعقبت حديث الرئيس الشرع إلى قناة "سي بي اس نيوز" الأمريكية والتي أعرب فيها الشرع عن استعداد الحكومة السورية لمحاربة تنظيم "داعش" والحيلولة دون عودة نشاطه مجددا إلى سوريا.
وأضاف بأن رد "داعش" على هذا التعهد الصريح من الرئيس الشرع بدأ من دير الزور حيث استهدف مبيتا عسكريا لمتقاعدين مع وزارة الطاقة على الطريق الواصلة بين دير الزور والميادين شرقي البلاد وأدى إلى مقتل 4 أفراد وإصابة 9 آخرين، مشيرا إلى أن عملية سقوط النظام السوري وتخلي عناصره عن مواقعهم وأسلحتهم سمح للتنظيم بالتمدد والسيطرة على هذه المواقع واغتنام أسلحة جديدة سمحت له بإعادة ترميم قدراته من جديد.
وشدد المحلل السياسي على قدرة القوات الحكومية على الاستفادة من خبراتها المتراكمة في محاربة "داعش" والتي امتدت على مدى عقد من الزمن، مشيرا إلى أن الرئيس الشرع كان يعني ما يقول حين لفت في حديثه للإعلام الأمريكي إلى أن قواته أحبطت العديد من الهجمات التي كان "داعش" يخطط للقيام بها داخل سوريا وخارجها معتبرا أن "الولايات المتحدة الأمريكية ليست في حاجة إلى أن تعتمد على "قسد" لمواجهة تنظيم "داعش" فلدينا خبرة عالية جدا لمواجهته".
ولفت طعمة إلى أن الولايات المتحدة لن تتأخر في فهم حقيقة أن عملية مواجهة "داعش" يجب أن تكون منوطة بالحكومة السورية وحدها لأن الاعتماد على "قسد" بالتوازي مع تحرك دمشق في هذا الشأن سيعطي حالة من غياب التنسيق الأمني الأمر الذي سيولد ثغرة ينفذ منها التنظيم مجددا إلى القيام بالعديد من العمليات الأمنية في الداخل السوري.
وتوقع المحلل السياسي أن يقوم التنظيم بتصعيد عملياته العسكرية في مناطق سيطرة الحكومة الإنتقالية بغية لجم اندفاعتها تجاه عملية التنسيق الأمني مع قوات التحالف ملقيا باللوم على قسد بخلق البيئة المناسبة لعودة التنظيم بقوة للنشاط والسيطرة على الأرض في حال إصرارها على مواجهة الحكومة وعدم الالتزام باتفاق 10 آذار الذي يقضي باندماجها في صفوف الجيش السوري.
لا يمكن الوثوق بهؤلاء
من جانبه يرى المفكر السوري الكردي جمال حمو أن واشنطن لم تسقط من حساباتها فكرة قيامها بالتعاون مع دمشق في مجال مكافحة الإرهاب والطلب من هذه الأخيرة الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة داعش بل ذهب الأمر إلى الاشتراط على الحكومة السورية السير في هذا الإتجاه وبشكل رسمي.
لكن حمو استطرد قائلا بأن لهذا الأمر عواقب لم تغب عن حسابات واشنطن التي تتعامل بحذر مع فكرة كهذه نظرا للتقاطع العقائدي الكبير بين "داعش" و"هيئة تحرير الشام" حيث يخشى الأمريكيون من تسريبات أمنية يمكن أن تحصل حال إشراك عناصر أجنبية أو عناصر مقربة من "داعش" في أية عمليات مشتركة مع دمشق ضد التنظيم.
ولعل هذا وفق حمو ما يفسر إصرار قادة أمريكيين كبار ضمن المؤسستين العسكرية والأمنية على إبقاء ملف التعاون الأمني محصورا في قسد وخاصة في مسائل حماية السجون التي يقطنها عناصر من التنظيم مع عائلاتهم ورفض توكيل هذا الملف إلى الحكومة في دمشق أو حتى رفض مشاركتها في ذلك. حتى لو انتهى الأمر بقسد إلى الانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع السورية.
كما يفسر ذلك وفق المفكر السوري الكردي رفض واشنطن لأية هجمات تركية جديدة قد تهدف إلى إجبار قسد على الإنضمام للجيش السوري رغم الترحيب الأمريكي بفكرة الإندماج من حيث المبدأ خوفا من استغلال التنظيم لهذه الهجمات المحتملة التي قد تجعل الوضع الأمني أكثر هشاشة ما يسمح للتنظيم بمزاولة نشاطه بحرية أكبر من ذي قبل ويهز صورة النجاح الأمريكي في تحييد "داعش" داخل سوريا.
هجمات داعش منذ سقوط الأسد
ورغم عدم تبني تنظيم "داعش" بشكل رسمي لعملية استهداف المبيت العسكري بين دير الزور والميادين فإن العملية تتشابه إلى حد بعيد لجهة الأسلوب والمكان (ريف دير الزور الشرقي) مع هجمات مماثلة تبناها التنظيم وكانت قد استهدفت حافلات تقل حراسا وموظفين في المنشآت النفطية داخل المحافظة.
وسبق ذلك بأسابيع قيام داعش بمهاجمة مواقع للحكومة في حي الجزماتي بحلب حيث اندلعت أولى الاشتباكات بين الطرفين منذ سقوط الأسد وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى بين الجانبين وأعقب ذلك قيام "داعش" بتفجير سيارة مفخخة بالقرب من المقر الرئيسي للأمن العام في مدينة الميادين بريف ديرالزور الشرقي أوقع قتلى ومصابين في الوقت الذي لم تتوقف هجمات "داعش" داخل مناطق سيطرة قسد مستفيداً من حالة المناوشات التي كانت تحصل بين مدة وأخرى على طول خط الجبهة مع القوات الحكومية.