الثبات ـ فلسطين
يؤكد وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير مواصلته الإجراءات العملية لتدمير ضريح المجاهد التاريخي عز الدين القسّام في مقبرة بلد الشيخ في حيفا داخل أراضي 48.
وأثارت دعوة رئيس لجنة الداخلية الجديد في الكنيست، النائب يتسحاق كرويزر، من حزب “عوتسما يهوديت” الذي يترأسه بن غفير، لعقد جلسة برلمانية خاصة لمناقشة ما وصفه بـ “موقع قبر عز الدين القسّام” في حيفا، ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والدينية العربية، وسط اتهامات بمحاولة جديدة للمساس بالمقبرة الإسلامية التاريخية الواقعة في بلدة الشيخ المهجّرة، والتي تضم رفات الشيخ الشهيد عز الدين القسّام.
في حديث لـ “راديو الناس” في الناصرة قال النائب وليد طه، رئيس كتلة القائمة العربية الموحدة وعضو لجنة الداخلية سابقًا، إن الجلسة التي دعا إليها كرويزر “تحمل طابعًا تحريضيًا واستعراضيًا، وتأتي في إطار سياسة ممنهجة تستهدف الإنسان العربي حيًا وميتًا”. وأضاف طه: “نحن أمام أول جلسة يقرر كرويزر عقدها بعد انتخابه لرئاسة اللجنة، وتتناول تحديدًا تدمير مقبرة القسّام. هذه المقبرة، المقامة على أرض وقفية، صودرت من سكان بلدة الشيخ بعد تهجيرهم عام 1948، في سياق مصادرة أراضٍ وقفية واسعة في البلاد”.
وتابع: “في الماضي، تم نبش قبور في مقابر إسلامية أخرى، مثل مقبرة السرايا في صفد، وبُنيت محكمة فوقها، واليوم نرى محاولة مشابهة تهدف إلى طمس معالم مقبرة القسّام، رغم أنها تضم رفات شيخ جليل وقبورًا لمسلمين آخرين”.
وحذّر طه من خطورة المضي بهذا المخطط، في ظل حكومة لا تبدي أي التزام بقرارات المحاكم أو توصيات المستشار القضائي للحكومة، معتبرًا أن “هناك تخوفًا جديًا هذه المرة من تدمير المقبرة بالكامل إذا لم يكن هناك تحرك شعبي وقانوني واسع”.
قرارات قضائية ومناورات سياسية
ونقلت وكالة القدس العربي عن المحامي خالد دغش، متولي أوقاف حيفا قوله: إن تاريخ المساعي الإسرائيلية للمساس بمقبرة القسّام يعود لعقود، موضحًا أن أجزاء من المقبرة صودرت منذ قيام الدولة، لكن نحو 15 دونمًا ما زالت تحت ملكية الأوقاف وفق سندات رسمية.
وأضاف دغش: “حصلنا على إنجازات قضائية مهمة خلال السنوات الماضية، أبرزها قرار محكمة الكريوت، قبل نحو عشر سنوات، الذي منع صراحة أي مسّ بالمقبرة أو فتح للقبور، ورفض أي محاولة لنقل رفات أو نبش قبور”.
لكن المحامي دغش حذّر من أن هناك اليوم محاولة للتحايل على المسار القضائي عبر تحريك القضية في المستوى السياسي والكنيست، وهو ما وصفه بـ “الالتفاف الخطير على قرارات المحاكم”. وأكد أن أوقاف حيفا، بالتنسيق مع “لجنة المتابعة” وأعضاء الكنيست العرب ومؤسسات مثل مركز “عدالة”، لن تشارك في الجلسة، لكنها تدرس تحركات قانونية ومهنية أخرى، من بينها إصدار ورقة موقف رسمية وطرح القضية في المحافل الدولية. وأشار دغش إلى بُعد إقليمي محتمل في هذه القضية، قائلًا:
“إذا تم المساس بمقبرة القسّام، أو أي مقبرة إسلامية في حيفا، فإن ذلك قد ينعكس على مقابر يهودية في دول عربية مثل مصر وتونس والمغرب، حيث تُحترم الأماكن الدينية والتاريخية لليهود حتى اليوم. هذه المعادلة يجب أن تؤخذ بالحسبان”.
تأتي هذه الخطوة رغم تعهدات سابقة من السلطات الإسرائيلية بعدم المساس بالمقبرة، وبعد صدور قرارات قضائية في السنوات الأخيرة تُثبت ملكية الوقف الإسلامي للمكان وتمنع أي أعمال نقل أو نبش للقبور فيه.
ورغم مرور 90 عامًا ما زال القسّام، المدفون داخل مقبرة بلد الشيخ في حيفا، رمزًا ملهمًا للمقاومة الفلسطينية، وباسمه سُمّي الذراع العسكري لحركة “حماس”، كما تمّت تسمية مدارس ومساجد ومؤسسات باسمه في فلسطين. ومنذ احتلال حيفا عام 1948 يُحرم المسلمون في حيفا من دفن موتاهم في مقبرة بلد الشيخ (مقبرة القسّام)، وحتى الأموات فيها لا يسلمون من الحرمان والاعتداءات، إذ تعرضت أضرحتها، وبالذات ضريح القسّام والنقابي الفلسطيني سامي طه، للانتهاكات الدائمة.
وقبل سنوات، تم تدنيس ضريح القسّام بشتائم وبرسمة نجمة داوود الحمراء، وقبلها وضع رأس خنزير بجانبه. ونقلت القدس العربي عن المحامي علي رافع من حيفا قوله إن مقبرة القسّام تتعرض للقضم والانتهاكات و”الموت بالتقسيط” نتيجة شق الشوارع ومشاريع البنى التحتية، كما هو الحال مع مقبرة مأمن الله في القدس المحتلة.
ويدعو رافع الفعاليات السياسية والأهلية داخل الخط الأخضر لحماية هذا المعلم التاريخي الفلسطيني المهم في حيفا، والمشحون برمزية وطنية كبيرة.
يُشار إلى أن عز الدين القسّام سوري الأصل، وُلد في مدينة جبلة- قضاء اللاذقية في سوريا عام 1883. وفور عودته من الأزهر قاوم الانتداب الفرنسي الذي حكم عليه بالإعدام، ففرّ إلى حيفا، وعيّنه مفتي القدس الحاج أمين الحسيني إمامًا لمسجدها الكبير “الاستقلال” عام 1928. ودعا القسّام للجهاد ضد الاستعمار البريطاني في فلسطين وشارك رفاقه به، واستشهد في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1935 قريبًا من يعبد قضاء جنين برصاص الإنكليز. وكان استشهاده، برأي المؤرخين، عاملًا مثوّرًا ساهم في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) التي حملت اسمه من بعده. وفي عام 1948 أُغلقت الدائرة في المرة الأولى، حيث اضطر أبناء المجاهد الشهيد عز الدين القسّام لمغادرة حيفا والعودة لجبلة جراء النكبة.