الثبات ـ دولي
في السياسة، هناك خطابات تمر مرور الكرام، وهناك خطابات تشكّل خطوطًا فاصلة بين مرحلتين. خطاب بنيامين نتنياهو الأخير يندرج في الفئة الثانية؛ ليس لأنه كشف جديدًا، بل لأنه وضع النقاط على الحروف في مشروع إسرائيلي يجري تنفيذه منذ سنوات، ويبدو أن المرحلة المقبلة ستكون الأكثر خطورة منذ عقود.
أزمة الداخل: إسرائيل تحت ضغط غير مسبوق
الإسرائيليون لم يعودوا موحدين حول حرب غزة كما كانت في بداية العدوان. الاحتجاجات المتزايدة داخل الاراضي المحتلة تعكس أزمة ثقة عميقة في قدرة الحكومة والجيش على الحسم السريع. صراعات سياسية حادة، معارضة متصاعدة، واحتجاجات في المدن الكبرى، كلها عوامل تضعف الموقف الداخلي وتعرقل أي حسم عسكري سريع.
هذه الانقسامات تعني أن نتنياهو لا يواجه فقط خصومه خارج الحدود، بل معركة وجودية داخلية تهدد استقرار حكومته وربما مستقبل قيادته.
صورة إسرائيل في الخارج: من التعاطف إلى العزلة
المجتمع الدولي، رغم تضامن بعض الدول التقليدية مع تل أبيب، بدأ يظهر تململاً واضحاً، بل وصار يحمل تل أبيب مسؤولية تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة. موجة الاحتجاجات الدولية، الاستنكارات في المحافل العالمية، والضغط المتزايد على الحكومات الغربية لتقييد الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، كلها تؤشر إلى عزلة متنامية.
اتهامات الإبادة الجماعية، والمطالبات بتحقيقات دولية، لا تقتصر على بيانات إعلامية بل تتحول إلى ميدان دبلوماسي وقانوني يحتمل أن يؤثر على موازين القوى مستقبلاً.
صعوبة الحسم مع إيران واليمن: جبهة مفتوحة بلا نهاية واضحة
المواجهة مع اليمن تبدو متصاعدة، إذ تسعى إسرائيل لضرب حركة أنصار الله ، لكن العمليات هناك معقدة بطبيعتها الجغرافية والسياسية.
أما إيران، فهي عميقة ومتجذرة، ومن الصعب تحقيق اختراق جذري يوقف دعمها للمقاومة في المنطقة .
الصدام مع تركيا في سوريا: جبهة جديدة مضطربة
تركيا، التي تملك مصالح كبيرة في سوريا، تعتبر تصعيد إسرائيل في المنطقة تهديداً مباشراً لها. الصدام بين أنقرة وتل أبيب يتزايد، خاصة مع تداخل مصالحهما في سوريا، حيث يدور صراع على النفوذ خاصة في دمشق والساحل السوري .
هذا الصدام يفتح جبهة إضافية خلف الستار تزيد من تعقيد المشهد وتقلل فرص نتنياهو في تحقيق استقرار شامل وفق رؤيته .
التهديد بالعراق: عين على بُعد جديد من المواجهة
حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن وجود “استراتيجية إسرائيلية تراقب الوضع في العراق” يُفسر كرسالة ضمنية عن نية إسرائيلية محتملة للتدخل أو ضرب مواقع حيوية هناك. لكن العراق، بمركزيته وتعقيداته، يعد ساحة مواجهة محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي أي خطوة إسرائيلية هناك إلى تصعيد إقليمي كبير لا يمكن التحكم به بسهولة.
بين الطموح والواقع، هل ينجح نتنياهو؟
نتنياهو أعلن عن زلزال استراتيجي، لكن واقع إسرائيل اليوم مليء بالتحديات التي قد تحول هذا الزلزال إلى حدث مدمّر في الداخل، مع فشل في الخارج. الاحتجاجات الداخلية، الصورة الدولية المتردية، الجبهات المفتوحة مع إيران واليمن، الصدام مع تركيا، والتهديد بضرب العراق، كلها عوامل تجعل قدرة نتنياهو على الحسم والتغيير محل شك كبير.
هل ستنجح "إسرائيل" في فرض مشروعها رغم هذه العواصف؟ أم أن المنطقة مقبلة على فصل جديد من الصراعات، قد يحطم طموحات تل أبيب؟
وائل المولى - كاتب وصحفي