الثبات ـ فلسطين
بارتقاء الحاج رمضان شهيداً فقدت فلسطين والقدس والمقاومة نصيراً صادقاً ومخلصاً، ورفيق درب وفيّاً قَلّ نظيره، يؤمن إيماناً عميقاً بتحرير كامل فلسطين من النهر إلى البحر، وأيقن أن المقاومة بكل أشكالها العسكرية والسياسية والإعلامية والاجتماعية والثقافية، هي الطريق الوحيد مهما غلت وارتفعت التضحيات، وبها وحدها يُدحر العدو الصهيوني ويُنتزع النصر، وتُحرر الأرض والمقدّسات.
كان بداية درب الجهاد والمقاومة مع الحاج رمضان منذ أكثر من 33 عاماً في مرج الزهور عام 1992 حين أَبعد العدو الصهيوني قادة المقاومة من فلسطين إلى هناك، وبقي مع إخوانه القادة هناك طوال مدة الإبعاد يتردّد إليهم ويقدّم لهم كل ما يستطيع من عون ومساعدة، ويتدارس معهم القضية والمقاومة والتحرير، حتى عادوا جميعاً إلى فلسطين. واستمر الحاج رمضان في البناء على تلك المحطة وتفاهماته مع القادة هناك، وظل على تواصل مع قوى وفصائل المقاومة يقدّم كل ما في وسعه أن يقدّمه.
يعرف قادة المقاومة ومجاهدوها في فلسطين الحاج رمضان كواحد منهم، ويشهدون على فضله في السعي الدائم والدؤوب إلى تعزيز قدرات المقاومة في كل المجالات، من التدريب وتطوير القدرات البشرية أو الفنية المتعددة، كذلك القدرات والإمكانات المقدمة من الجمهورية الإسلامية، وهو ما مكّن قوى المقاومة بشكل عام، وكتائب القسام وسرايا القدس بشكل خاص، من تجاوز مراحل متعددة ومهمة في تطوير قدراتها، وواصلت المقاومة البناء والمراكمة والتطوير وأبدعت وتقدّمت مراحل إضافية حتى وصلت قدراتها إلى ما وصلت إليه.
لأكثر من ثلاثة عقود، كان الشهيد منخرطاً في دعم وإسناد المقاومة والجهاد في فلسطين مع رفيق دربه الشهيد الحاج قاسم سليماني، ثم مع سماحة الشهيد السيد حسن نصرالله، والحاج إسماعيل قاآني، وغيرهم من القادة الشهداء والأحياء، وعلى رأسهم سماحة القائد علي خامنئي، وعبر كل هذه السنين كان الشهيد الحاج رمضان رابط الوصل بين إيران وفلسطين ومقاومتها، وجسراً رصيناً بينهما، عماداً لإستراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني في معركته لتحرير أرضه ومقدّساته.
طوال هذه المدة، نشهد بأن الحاج الشهيد كان راسخ الخبرة، عميق الدراية بطبيعة الصراع مع العدو، مدركاً جوهر المعركة معه، وكنا نرى فيه الحرص والتفاني وبذل الجهد والوسع، وكان دائم السعي إلى تعزيز المقاومة، وعيناه وقلبه نحو فلسطين وكيفية نصرتها وتحقيق هدف تحرير الأرض والمقدّسات، وهذا ما كان دائماً يدور في خَلده.
وكانت قضية الوحدة الإسلامية والإيمان العميق بوجوب توحيد صفوف الأمة لنصرة فلسطين راسخين في رؤيته، ودأَب على دعم كل الحركات المقاومة، كما كان حريصاً دائماً في ما يقوم به من برامج في كل الساحات لدعم المقاومة ودعم الشعب الفلسطيني، وتقديم القضية الفلسطينية للشعوب في المنطقة بما يخدم إحياء القضية الفلسطينية في البيئة الإسلامية بشكل عام، بحيث تبقى القضية الفلسطينية قضية الأمة والشعوب الإسلامية.
وكان يولي اهتماماً خاصاً في التواصل مع كل الفصائل الفلسطينية، ويبدي حرصاً على وحدة موقفها وتقديم الدعم والمساعدة لها، وكان متابعاً لكل تفاصيل العمل الفلسطيني بهدف تقوية وتعزيز المقاومة وضرورة أن تكون قوى المقاومة بالعموم في أفضل حال وجاهزية، وفي هذا السياق لا بد أن نشير إلى أنه كان على علاقة وطيدة وتواصل وتشاور مباشر مع قيادة كتائب عز الدين القسام وقيادة الحركة في مختلف المجالات، وفي جميع المراحل والمحطات.
نحن نشهد بأن الحاج رمضان له أيادٍ بيضاء، وكان أميناً على رسالة الجمهورية الإسلامية وعلى رأسها سماحة القائد علي خامنئي في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، حيث كان حريصاً دؤوباً حيثما ذهبنا نجده حاضراً أمامنا ومعنا، سواء في إيران أو لبنان أو سوريا، كان دائم التنقل والعمل بنفس الفعالية والروح العالية. مثل الشهيد ركيزة قوية من ركائز الدعم لقوى المقاومة الفلسطينية، لا يوقفه أو يثني من عزيمته أي خلافات مهما كان نوعها، ويظل تركيزه وجهده منصبّيْن على كيفية تحفيز الأمة، وجمع كلمتها على فلسطين ومقاومتها في كل مساراتها، ومن يوم طوفان الأقصى كنا على تواصل دائم في لبنان أو في الجمهورية الإسلامية، وكنا نستشعر حرصه الشديد بكل الأدوات والوسائل على دعم المقاومة ونجاح الطوفان وتحقيق أهدافه بشكل كبير، كما التقيناه في كل المحطات منفرداً، أو مع سماحة الشهيد السيد حسن نصرالله، وإخوة آخرين، وكان حريصاً على أن يجمع الفصائل الفلسطينية مع كل المؤمنين بخيار مقاومة الاحتلال، وكان حريصاً على لمّ شمل الجميع في كل المناسبات وفي كل محطات العمل، ولا سيما محطة طوفان الأقصى.
كما حرص دائماً على أن يجعل لقيادة الحركة لقاءات دورية ومنتظمة مع كل قادة الجمهورية الإسلامية وأصحاب الرأي والمؤثّرين للتشاور وتبادل الرأي، ولكي تبقى القضية الفلسطينية حاضرة شعبياً ورسمياً وعند صنّاع القرار.
ولا نبالغ، بل من الإنصاف أن نقول إننا كنا نشعر بأنه ممثل فلسطين والمقاومة في إيران، إلى أن استحقّ بجدارة أنه أصبح شهيد فلسطين.
كنا نرى في شخصه المجاهد الحريص على العبادة، الحريص على الطاعة، الحريص على التقرّب من الله عز وجل، والمتمنّي للشهادة في سبيل الله، المحبّ للشهداء والقادة، المنافح عنهم، ولذلك كان دائماً أمنيته أن تنتهي حياته بشهادة في سبيل الله، لذلك نحن نقول اليوم لقد كانت خسارتنا للحاج رمضان خسارة كبيرة على مستوانا في حركة حماس وعلى مستوى فصائل المقاومة، وعلى صعيد دعم الجهاد في سبيل الله في فلسطين، ولكنْ عزاؤنا أنه ارتقى إلى الله شهيداً محتفياً بلقاء القادة من الشهداء رفاق دربه الأبرار، وعلى رأسهم القادة الشهداء إسماعيل هنية (أبو العبد)، يحيى السنوار (أبو إبراهيم)، محمد الضيف (أبو خالد)، مروان عيسى (أبو البراء)، والقائمة تطول من قافلة الشهداء، ونحن على يقين أن من سيخلفه رجال سيحملون رسالته وروح الجمهورية الإسلامية وتوجّهها في دعم فلسطين والمقاومة حتى تحريرها وتحرير قدسها ومسجدها إن شاء الله.
الجدير ذكره أن الحاج رمضان كان هَمّه فلسطين، بل كان متأصّلاً في فكره ووجدانه، حتى إن من يجالسه -إن لم يعرف سيرته من قبل- ظنه فلسطينياً من أصل وفصل، وكنا نجالسه كقائد من قادة الجهاد في فلسطين، خفي الاسم، جليّ الحكمة والرأي، ثابت الموقف والعزيمة وما كان ليكون له من مصير يليق بجهاده أنبل وأكرم من الشهادة، وكيف لقائد مثله أن يذوق الموت إلا شهيداً في سبيل الله.
وفي هذه الأوقات التي تحتدم فيها المواجهة مع العدو الصهيوني، وتتكالب قوى الاستكبار والإرهاب على جبهة الحق والمقاومة وأبنائها خاصة في غزة العزة، التي تذيقهم بأس المقاومة وفي كل فلسطين؛ فإننا نؤكد أن دماء الشهداء ستوقد العزيمة وتبعث الهمة، ونجدّد العهد مع الله عز وجل أن نمضي على طريقهم الذي ساروا عليه حتى تحقيق النصر العظيم، وكلنا يقين وثقة بأن الله معنا وأن النصر قريب، وأن تكالب الأعداء إنما هو دليل على سلامة المسار والدرب وصحة الطريق، وأن علينا أن نتمسّك بالصبر والثبات حتى يتحقق وعد الله {ويوم إذن يفرح المؤمنون بنصر الله}.