الثبات ـ لبنان
إن الشق المالي في السلطات المحلية يشكل حجر الأساس الذي تعتمد عليه هذه السلطات من أجل القيام بما يتوجب عليها من مهمات، والتي تدخل ضمن سياق الغرض الرئيسي لنشوء تلك البلديات.
منذ عام 2019 وبدء الأزمة المالية اللبنانية وما ترتب على ذلك من عجز في ميزانية الدولة، وبالتالي البلديات نتيجة انهيار سعر صرف الليرة، بدأت معاناة هذه السلطات المحلية وعدم قدرتها المالية على تقديم الخدمات نتيجة الشح في الواردات البلدية والنقص الكبير في التمويل الذي يدعم عملها... يمكننا في ما يأتي الاطلاع على المصادر المالية للبلديات والوضع الحالي لها.
تتألف موازنة كلّ البلديات مهما كان حجمها من شقّين: الأول مخصّص للواردات، والثاني للنفقات. وتحدّد كل بلدية عبره مصادر الأموال المتوقّعة، سواء عبر الجباية المباشرة للرسوم التي تسمح بها القوانين، أو عبر الصندوق البلدي المستقلّ. إذ تتكون مالية البلديات أي الواردات من الرسوم التي تستوفيها البلدية مباشرة من المكلفين، والرسوم التي تستوفيها الدولة أو المصالح المستقلة أو المؤسسات العامة لحساب البلديات وتُوزع مباشرة، والرسوم التي تستوفيها الدولة لحساب جميع البلديات لكل بلدية معنية، المساعدات والقروض، وحاصلات الغرامات والأملاك البلدية بما في ذلك إيرادات المشاعات الخاصة بها، والهبات والوصايا... والتي تعددها جميعاً المادة 86 من قانون البلديات.
كما حاولت الحكومة بعد استفحال الأزمة عبر المادة 38 من موازنة 2024 استدراك زيادة الرسوم المتوجبة على عاتق المكلفين للبلديات بين 10 و20 ضعفاً، وقد لاقى الأمر الكثير من الاعتراضات كون هذه الزيادة لا تسمن ولا تغني من جوع، واعتبرت هذه الزيادة زهيدة بالمقارنة مع التدهور الكبير في قيمة العملة الوطنية، وعجز البلديات المالي.
وقد أنشئ لدى وزارة الداخلية ما سمّي بالصندوق البلدي المستقلّ، من أجل إيداع الحاصلات المشتركة العائدة لجميع البلديات ليُصار إلى توزيعها على البلديات بموجب مراسيم، وفقاً لأسس حددها القانون وتُنشر تلك المراسيم في الجريدة الرسمية، وتشكل عائدات هذا الصندوق العنصر الأبرز لمداخيل البلديات والتي تدعم موازنات البلديات، وهي مستحقّات لم تحمل أي تعديل في قيمتها، حتى بعد تدهور العملة اللبنانية، وتُسدّد كمتأخّرات عن الأعوام السابقة.
أمّا أموال الصندوق البلدي المستقل المؤلفة من العائدات التي تجبيها الدولة لحساب البلديات (مثال الرسوم على الاستيراد والمحروقات وفواتير الاتصالات والخليوي وفواتير المياه والكهرباء)، فقد بقيت محجوزة لسنين طويلة، إذ امتنعت الدولة عن توزيعها على البلديات، وتصرّفت بها بأن حوّلتها إلى مجلس الإنماء والإعمار لتمويل مشاريع.
وقد بلغت تلك العائدات ما يساوي ملايين الدولارات، علماً أنها تجبى بالعملة الوطنية ما عرّضها لمخاطر تدني العملة. وقد كشفت الدولية للمعلومات أن 50 % من بلديات لبنان، تحصل على عائدات من الصندوق البلدي المستقل تقل عن 250 مليون ليرة. ووفقاً للمرسوم الرقم 14492 الصادر في 18/12/ 2024، وزّعت عائدات الصندوق البلدي المستقل عن عام 2022 على البلديات الموجودة.
توزّع العائدات على البلديات على الشكل الآتي:
- 78% توزّع بصورة نسبية على أساس عدد السكان المسجّلين في سجلّات الأحوال الشخصية في كلّ بلدية.
- 22% توزّع على أساس الحاصل الفعلي لرسومها المباشرة في السنتين السابقتين لسنة التوزيع.
- 10% توزّع بالتساوي على البلديات التي يساوي أو يقلّ عدد سكانها المسجّلين عن 4000 نسمة ولا تزيد نسبة رسومها المباشرة المحصلة في السنتين السابقتين لسنة التوزيع عن مليار ليرة.
لقد تبين أنّ 529 بلدية، أي نصف البلديات، تقلّ حصّتها عن 250 مليون ليرة لبنانية.
في جبل لبنان، هناك 333 بلدية بينما هناك 164 بلدية تعد عائدات كل منها أقل من 250 مليون ليرة لبنانية.
أما في البقاع، فهناك 87 بلدية بينما هناك 45 بلدية عائداتها أقل من 250 مليون ليرة.
وفي بعلبك الهرمل، هناك 84 بلدية بينما 44 منها عائداتها أقل من 250 مليون ليرة.
بينما في الشمال هناك 154 بلدية، 91 منها عائداتها أقل من 250 مليون ليرة. إضافة إلى عكار التي تضم 134 بلدية، 61 منها عائداتها أقل من 250 مليون ليرة.
وفي الجنوب، هناك 153 بلدية، 89 منها عائداتها أقل من 250 مليون ليرة.
وفي النبطية، هناك 119 بلدية، 35 منها عائداتها أقل من 250 مليون ليرة. وعليه، يتبين أن في لبنان 1065 بلدية، 529 منها عائداتها أقل من 250 مليون ليرة، أي بنسبة 50%.
أما الشقّ االمتعلق بالنفقات والتي يجب أن توازي بقيمتها قيمة الواردات. تقسم النفقات إلى أبواب عدة وهي على سبيل المثال لا الحصر:
- النفقات الإدارية: كتعويضات الرئاسة والرواتب والأجور وملحقاتها، واللوازم، والملبوسات وغيرها...
- نفقات التجهيزات والصيانة والنظافة العامة، كشراء المفروشات وغيرها، وصيانة مباني وتجهيزات وآليات البلدية أو الاتحاد، ونقل النفايات، ومكافحة الحشرات بما في ذلك لوازم التنظيفات والمحروقات وأجور النقل وأجور العمال اليوميين، وصيانة الإنارة العامة وبدلات استهلاك الكهرباء وصيانة الطرق العامة، وصيانة شبكات المياه وبدلات الاشتراك.
- نفقات المشاريع الإنشائية: كإنشاء المباني على أنواعها، وإنشاء شبكات الإنارة العامة، وإنشاء شبكات المياه والمجارير والأرصفة والطرق العامة والأقنية والحدائق، والملاعب والمسابح وغيرها، ونفقات الدروس، وتعويضات الاستملاك وشراء الأبنية والعقارات .
- نفقات الخدمات والمساعدات: كالتخصيصات الصحية على أنواعها ومساعدة المعوزين والأوقاف الخيرية وتشجيع النشاطات الثقافية والتربوية والصحية والنقابية وغيرها...
- النفقات المتنوعة: كالاستقبالات والاحتفالات والمهرجانات ورسوم الدعاوى
- الاحتياط: ويخصص لتغذية فصول الموازنة أو لفتح اعتمادات جديدة.
بعد المعاناة الطويلة للمجالس المحلية يبدو أن أوّل خطوة لتفعيل عملها سيكون بعد الانتخابات المقررة في شهر أيار الجاري، التي يجب أن تقترن بتحسين الجباية خصوصاً في البلدات والقرى التي تحتاج إلى تأهيل إنمائيّ، كذلك تخصيص الأموال اللازمة لإعادة إحيائها للقيام بواجباتها على أتم وجه... إذ إنَّ عدم وجود خطط مالية فعلية لذلك سيسهم في استمرار الركود وبالتالي بقاء الشلل المالي والإنمائي قائماً.
أماني المقهور