الثبات ـ دولي
ذكر موقع "Responsible State Craft" الأميركي، في تقرير خاص، إنّ أصوات معارضة تكشف عن حقيقة مفادها، أنّ الجميع ليسوا على نفس الصفحة، فيما يتعلق بالمفاوضات، وقوات حفظ السلام، وأكثر من ذلك، بشأن أوكرانيا.
وأشار إلى أنّ قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باستضافة المحادثات المباشرة مع روسيا في شباط/فبراير الماضي، ترك أوكرانيا وداعميها الأوروبيين يتساءلون إلى متى سيبقون على الهامش.
وأضاف التقرير، أنّ بروكسل تحاول على وجه الخصوص، إقامة جبهة موحدة لتعزيز مصالحها في مستقبل أوكرانيا. لكن سلسلة من التصريحات والقمم على مدى الأسابيع القليلة الماضية، تظهر أنّ الاتحاد الأوروبي، وأوروبا بشكل عام، ربما يكونان "أقل توحّداً" بشأن هذا الموضوع مما كانا يأملان في نقله في البداية.
وتابع، فقد أعقب القمة غير الحاسمة في لندن، الأسبوع الماضي، والتي عُقدت بعد المشادة الكلامية والخلاف الأخير بين ترامب والرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، اجتماع طارئ للاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وقبل ذلك الاجتماع، بذل الزعماء الأوروبيون قصارى جهدهم لرفع الرهانات. فيما حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشدة من "التهديد الروسي"، مطلع الشهر الجاري، ليس فقط لأوكرانيا، بل وأيضاً لفرنسا وأوروبا، في خطاب تلفزيوني درامي للأمة.
وفي غضون ذلك، بحسب التقرير - تعهّد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، بالفوز في سباق التسلّح ضد روسيا وتوقع "هزيمتها"، على غرار تلك التي عانى منها الاتحاد السوفييتي في نهاية الحرب الباردة.
كما أصدر زعماء أوروبيون آخرون بيانات مماثلة.
وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من هذا التصعيد الخطابي، فقد كشفت القمة في بروكسل عن الشقوق في الواجهة الأوروبية للوحدة.
والواقع أنّ الكتلة فشلت في الاتفاق على موقف مشترك بسبب "الفيتو" الذي استخدمته المجر، لافتاً إلى أنّ هذا الأمر "لم يكن مفاجئاً"، حيث دعا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، منذ فترة طويلة، وبعد محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 5 تموز/يوليو 2024، إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا عن طريق التفاوض. وقد أقام علاقات وثيقة مع ترامب بشأن هذه القضية وغيرها.
ورأى التقرير أنه بفضل الموقف الأميركي الجديد، دعا أوربان رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي أنطونيو كوستا، رئيس وزراء البرتغال السابق، إلى إطلاق محادثات دبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي وموسكو.
وشارك أوربان كوستا في قناعته بأنّ "الاتحاد الأوروبي، على غرار الولايات المتحدة، لابدّ أن يدخل في مناقشات مباشرة مع روسيا بشأن وقف إطلاق النار وإحلال السلام المستدام في أوكرانيا".
وقبل أيام قليلة من القمة، التقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بنظيره المجري بيتر سيارتو، للتأكيد على "التزام البلدين بإنهاء الحرب في أوكرانيا".
ورأى التقرير أنّ هذه "خطوة ذات مغزى" بالنسبة لروبيو، الذي ألغى قبل أيام فقط اجتماعاً مقرراً مع كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، في اللحظة الأخيرة. وكصقر جامح تجاه روسيا، أغضب كالاس مسؤولي إدارة ترامب مراراً وتكراراً باتهامات "استرضاء" بوتين.
وفي حديثه لصحيفة "واشنطن إكزامينر"، بعد الاجتماع مع روبيو، أوضح سيارتو أنّ "بودابست تتفق في الرأي بشأن أوكرانيا مع واشنطن، وليس بروكسل"، وفق ما أوضح التقرير.
وحتى في الدول الأوروبية الأكثر تشدداً، مثل فرنسا، فإنّ هناك أصوات معارضة مؤثرة، بحسب التقرير، الذي أشار إلى أنّ زعيمة المعارضة اليمينية مارين لوبان، المرشحة الرائدة لخلافة ماكرون في عام 2027، رفضت فكرة إرسال قوات فرنسية لحفظ السلام إلى أوكرانيا، التي روّج لها ماكرون، باعتبارها "جنوناً محض".
وفي الوقت نفسه، دعا هنري غواينو، مستشار الأمن القومي للرئيس المحافظ السابق نيكولا ساركوزي (2007-2012)، ماكرون إلى اللوم على إشعال التوترات مع روسيا عمداً لسنوات، وهو ما قال إنه أدّى إلى نبوءة تحققت ذاتياً بأنّ روسيا أصبحت الآن "تهديداً حقيقياً".
كما انتقد وزير الدفاع السابق هيرفي مورين، وهو مسؤول أمني رفيع المستوى آخر من عهد ساركوزي، ماكرون بسبب خطابه الدرامي المفرط وإثارة الخوف. وحذّر مورين بصراحة من أنّ السلام لن يتحقق من خلال استفزاز بوتين بالتصريحات الإعلامية، بحسب التقرير.
وفيما أشار التقرير إلى أنه قد تمّ إثبات المدى الذي تستعد النخب الأوروبية للذهاب إليه، لإخماد الأصوات البديلة في رومانيا
لكن الواقع أنّ المحكمة الدستورية في رومانيا، ألغت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لأسباب "واهية"، فرغم أنّ الجولة الأولى أظهرت تقدم المرشح المناهض للحرب كالين جورجيسكو، فقد تمّ حظره بعد ذلك من السباق تماماً.
وقد ألمح الرئيس المنتهية ولايته، المؤيّد القوي للحلف الأطلسي كلاوس يوهانيس، إلى أنّ نجاح جورجيسكو كان نتيجة "حملة نفوذ روسية"، وهي "فزّاعة" ملائمة لاستبعاد المنافسين الشعبيين للوضع الراهن.
ولكن في النهاية، اعتبر التقرير الأميركي، أنّ كل هذا لا يساعد في صياغة "موقف أوروبي قوي وموحد"، لأنّ الوثيقة النهائية لقمة بروكسل، التي وقعتها 26 دولة عضو (تمّ تهدئة سلوفاكيا في النهاية للانضمام إليها بعد إضافة إشارة إلى نزاعها على الغاز مع أوكرانيا)، والتي لا يمكن اعتبارها الموقف الرسمي للكتلة، بسبب حق النقض الذي استخدمته بودابست، لا تشير إلّا بشكل غير مباشر، إلى الحقائق الجديدة التي خلقتها مبادرات ترامب.
واعتبر التقرير أنّ الوثيقة لا تتضمن أي تفاصيل حول الكيفية التي تخطط بها القوى الأوروبية، لتنفيذ هذه السياسات، مشيراً إلى أنّ الخطة البريطانية الفرنسية، لإرسال صنّاع سلام أوروبيين إلى أوكرانيا، واجهت نقصاً واضحاً في الحماس من جانب دول كبرى أخرى، ولا سيما ألمانيا وإيطاليا وحتى بولندا.
وقدّر قادتها بشكل صحيح أنه في غياب الدعم الأميركي، وموافقة روسيا على مثل هذا الانتشار، فإنّ "قوات حفظ السلام" سوف تتحول في الواقع إلى مقاتلين ضد روسيا.
وعلاوةّ على ذلك، تابع التقرير: "ربما تزن بريطانيا الأهمية النسبية لأوكرانيا في مقابل أولوياتها الأخرى الأكثر بروزاً، مثل اتفاقية تجارية جديدة مع الولايات المتحدة".
وقال بيتر ماندلسون، السفير البريطاني المؤثر في واشنطن والمقرب من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إنّ الفرصة الوحيدة لإنهاء الحرب هي "تضييق الخلافات" مع إدارة ترامب، التي تصر على وقف إطلاق النار الفوري وغير المحدد، وهو ما يترك هذا ماكرون معزولاً في أوروبا.
كذلك، ألمح التقرير إلى ما قاله الرئيس الليتواني جينتاناس نوسيدا، وبصوت عالٍ، إنّ الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتفق عليه غالبية القادة الأوروبيين هو أن "يستمر الأوكرانيون في القتال"، على اعتبار أنّ أوكرانيا تكسب "وقتاً ثميناً" لأوروبا، حتى تعيد تسليح نفسها وتكون مستعدة لمواجهة روسيا.
وختم التقرير الأميركي متسائلاً، ما إذا كانت كييف ستستسلم للتشجيع الأوروبي لمواصلة حرب غير قابلة للربح، عندما يجتمع ممثلوها مع الفريق الأميركي رفيع المستوى في السعودية، غداً الأربعاء، أو ستحكم بأنّ المزيد من استعداء واشنطن ليس في مصلحة أوكرانيا.