الثبات ـ لبنان
في جلسة مع وفْدٍ إيراني قبل أيّام، قال جوزيف عون إنّ «لبنان تعِب من حروب الآخرين على أرضه».
والطريف (جدّاً) أنّه لا يتعَب مِن العرب مِن الصراع مع إسرائيل غيرُ الذين لا يشاركون بقطرة عرَق أو دم فيه (سبق وأن قال عبدالله بن زايد، عندما دشَّنَ السلام الإبراهيمي مع إسرائيل، إنّه تعبَ من الصراع). لكنّ مقولة حروب الآخرين التي وردت في حديث عون (وأثلجَت قلب الإعلام السعودي) تحتاج إلى تفنيد. هي ليست بمقولة جديدة، بل كانت من إنتاج حزب «الكتائب» اللبنانيّة (ولها جوانب طائفيّة مُهينة).
بيار الجميّل كان يقول (قبل الحرب وأثناءها) إنّ الصراعات في لبنان هي خارجيّة، وإنّ المسلمين مسلوبو الإرادة لأنّهم أسرى لمنظّمة التحرير واليسار العالمي.
كان يوحي بأنّ المسلمين نواقص العقول، ما يجعلهم أقلّ قدرة من المسيحيّين على الرؤية الجليّة. بعد بيار الجميّل تلقّفَ النظريّة صائب سلام الذي أطلق شعار «أخاف على اللّبنانيّين من الاختناق لكثرة العناق إذا ما تركَهم الغريب».
لكنّ الغريب (بالتعريف الكتائبي) ترك لبنان بعد ١٩٨٢، وفي ذلك العقد شهدَ لبنان أقسى الحروب بين اللّبنانيّين وأكثرها ضراوة. والصراعات بين الطوائف (أو في داخلها) كانت لا تقلّ وحشيّة عن الصراعات بين لبنانيّين وآخرين، بل تبزّها. غسان تويني جعل من شعار حروب الآخرين عنواناً لكتاب له بالفرنسيّة، ما أسهم في نشر المقولة.
والرئيس عون التقى الوفد الإيراني وهو واجمٌ، فيما تعلو محيّاه الابتسامات والضحكات عندما يلتقي بمساعد نائب مساعد وزير الخارجيّة الأميركي، حتى عندما يقول مكتبه الإعلامي إنّه بحث في الاجتماع في الخروقات الإسرائيليّة (هل الحديث عنها يستدعي الضحك؟).
طبعاً، موقف عون أكسَبه رصيداً إضافيّاً عند الراعي الأميركي، وهو بذلك يفصل بين لبنان وبين مترتّبات القضيّة الفلسطينيّة.
وهل أنّ عون يعني أنّ اللّبنانيّين الشجعان الذين سجّلوا بطولات ضدّ الاحتلال الإسرائيلي (فيما جلس الجيش اللّبناني تحت قيادته متفرّجاً) كانوا يخوضون معارك بالنيابة عن آخرين؟ بهذا التعريف، تكون الوطنيّة في الترحيب بعدوان إسرائيل، لأنّ في ذلك ترْكَ الآخرين يسرحون ويمرحون على أرضنا.