الثبات ـ فلسطين
استشاطت الحكومة الإسرائيلية غضبًا من مشاهد تسليم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها في قطاع غزة، لا سيما عقب ظهور أسيرين محتجزين في قبضة المقاومة وهما يشاهدان مراسم الإفراج عن آخرين، وبعثا رسائل تطالب الإسرائيليين بالتحرك للإفراج عنهما. ودفع تأثير الرسائل التي بثتها كتائب القسام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للإعلان عن تأجيل إطلاق سراح الدفعة السابعة من الأسرى الفلسطينيين الذين يشملهم اتفاق وقف إطلاق النار بذريعة ما وصفها بـ"انتهاكات حماس المتكررة والاحتفالات المهينة لكرامة الرهائن والاستخدام الساخر لهم لأغراض دعائية". واعتبرت تحليلات عبرية، أن إستراتيجية حماس في التأثير على الرأي العام الإسرائيلي والدولي تحقق نجاحًا متزايدًا رغم الضغوط العسكرية التي تتعرض لها. ووفقا للقناة 13 الإسرائيلية، فإن حماس طورت قدراتها في الحرب النفسية على مدار العقود الثلاثة الماضية، مستغلة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز رسائلها. واعتبرت القناة أن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وما سبقه من تسليم جثث 4 جنود إسرائيليين كان جزءا من "لعبة مزدوجة" تمارسها الحركة منذ بدء الحرب، حيث تنجح في فرض أجندتها النفسية على إسرائيل. وفي السياق ذاته، قالت خبيرة الدبلوماسية الإستراتيجية الدكتورة عرجا أتيد إن هناك حالة تزايد في التعاطف العالمي مع حماس عبر الإنترنت، حيث يتساءل كثيرون عما تريده إسرائيل حقا من الحركة، مضيفة أن هذا الأمر يصب في مصلحتها ويحقق نجاحا متزايدا في كسب الرأي العام الدولي. من جانبه، أكد الدكتور يانيف لفياتان، الباحث في حرب الوعي والتأثير، أن حماس أظهرت تطورا ملحوظا في مجال الحرب النفسية واستغلال الإعلام، بينما تبدو قدرات إسرائيل في هذا المجال "متواضعة جدا". وتدفع التطورات وردود الفعل الدراماتيكية لفيديوهات كتائب القسام للتساؤل: من يقف خلف الرسائل الإعلامية العسكرية؟
الكاميرا أولا
يتخذ الإعلام العسكري التابع لكتائب القسام من "كاميراتك قبل بندقيتك" شعارا له في إطار إظهار الحرص والاستعداد والجاهزية لتوثيق أي عمل عسكري، وهو ما كان واضحا من عشرات الفيديوهات التي بثتها منذ اللحظات الأولى لانطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى ما بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وتحدثت مصادر خاصة للجزيرة نت عن إيلاء كتائب القسام أهمية خاصة لملف الإعلام العسكري، وظهر ذلك قبل أكثر من 10 سنوات خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عام 2014 عندما نشرت القسام فيديو يوثق اقتحام مقاتليها موقع ناحل عوز شرقي مدينة غزة وإجهازهم على الجنود الإسرائيليين المتحصنين داخله. وتقول المصادر إن دائرة الإعلام العسكري زوّدت مقاتليها بأحدث أدوات التصوير الميداني ضمن التجهيزات العسكرية لهم، وحرصت على أن يكون لدى كل مجموعة قتالية تتكون من بضعة عناصر وسيلة توثيق لأي مواجهة يخوضونها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. وبحسب المصادر، فإن تصدير مشاهد الاقتحام الأولى لمعركة طوفان الأقصى ينم عن عمل منظّم ينتهجه الإعلام العسكري لكتائب القسام ووجود طاقم إعلامي متمرس لديه يعرف جيدا اللقطة التي يريد الحصول عليها من الميدان، وتمكّن من إحداث الصدمة الأولى لدى الحكومة والجمهور الإسرائيلي. ويعتمد الإعلام العسكري في كتائب القسام على العمل العنقودي المركزي، بحيث توثق كل مجموعة قتالية تفاصيل المواجهة والعمليات التي تقوم بها، لكنها في الوقت نفسه تخضع لمرجعية واضحة تقرر آلية وكيفية نشرها وانتقاء المشاهد ذات الدلالة الميدانية، وإحداث الأثر في الجمهور سواء المؤيد للمقاومة أو للاحتلال الإسرائيلي.
السردية الفلسطينية
ويرى مراقبون سياسيون أن الرسائل التي بثتها كتائب القسام، وخصوصا في مراسم تسليم الجنود الأسرى، تأتي في سياقات سياسية وميدانية تخدم السردية الفلسطينية في المعركة وتحقّق أهدافا سياسية. وذهبوا إلى أن اللقطات التي وصفوها بالسينمائية تظهر التخطيط العميق للمشاهد الميدانية وتنفيذ الكمائن. وفي هذا السياق، قال الكاتب والباحث بالشأن الإسرائيلي فايز أبو شمالة إن توالي المشاهد الميدانية أربك الجانب الإسرائيلي، وأثبت صدقية المعلومات التي تفصح عنها المقاومة الفلسطينية. وأوضح أبو شمالة، في حديثه للجزيرة نت، أن الإعلام المقاوم وجّه من خلال رسائله ضربة موجعة للحكومة الإسرائيلية، وفي كثير من المحطات أعيد بث المشاهد التي تنشرها كتائب القسام وسط ساحات تل أبيت التي شهدت مظاهرات عائلات الأسرى الإسرائيليين. ولفت أبو شمالة إلى أن رسائل المقاومة الفلسطينية أدت لشكوك الجمهور الإسرائيلي في قدرة الحكومة الإسرائيلية على إخضاع المقاومة وهزيمة حماس، مما أثر على توجهات الشارع الإسرائيلي، حيث لم يحظ نتنياهو في آخر استطلاع رأي إلا بعشرين مقعدا فقط في الكنيست. واعتبر أن ذلك دليل على وجود تحولات داخل المجتمع الإسرائيلي، وباتت رغبة الإسرائيليين هي إطلاق سراح جميع الأسرى في غزة بأي ثمن.