الثبات ـ دولي
بفارغ الصبر، تنتظر تركيا اتخاذ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قراراً بالانسحاب من سوريا، يسمح لها بإنهاء نفوذ الأكراد في الشمال الشرقي من البلد الجار، وذلك بالاستفادة أيضاً من الضغوط المستمرة على القوات الكردية للاندماج في الجيش السوري الجديد، الذي تقوم وزارة الدفاع السورية في الحكومة المؤقتة بتشكيله، بإشراف ودعم تركييْن. وعلى الرغم من نفي «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ما تناقلته وسائل إعلام بينها شبكة «إن بي سي نيوز» التي ذكرت أن اهتمام ترامب ومسؤولين مقرّبين منه بالانسحاب، دفع البنتاغون إلى وضع خطط لتنفيذه خلال 30 أو 60 أو 90 يوماً، ترسم تركيا ملامح «اليوم التالي» لخروج واشنطن، عبر خطة تشارك فيها قوى إقليمية، ما يعطي ترامب مبرّراً لهذا الانسحاب، بإبطال الذريعة التي تتلطى خلفها الولايات المتحدة لتبرير وجودها في سوريا.
وفي نفيه لخبر الانسحاب الأميركي، استعمل المتحدث باسم «قسد» ورقة «داعش» للتشديد على ضرورة وجود القوات الأميركية، وقال إن «داعش والقوى الخبيثة الأخرى ينتظرون فرصة الانسحاب الأميركي لإعادة النشاط والوصول إلى حالة 2014»، مؤكداً أن «قسد» لم تتلقَّ أي خطط رسمية بشأن انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا.
من جهته، أعلن وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، في تصريحات نشرتها وكالة «الأناضول»، أن تركيا والعراق وسوريا والأردن ستتخذ خطوات مشتركة لمحاربة تنظيم «داعش» في المنطقة، مضيفاً أن الدول الأربع تتطلع إلى عقد أول اجتماع بشأن هذه المسألة في الأردن، وأنها توصلت إلى اتفاق مبدئي لتعزيز التعاون بين وزارات الخارجية والدفاع وأجهزة المخابرات، كما تعتزم اتخاذ إجراءات بشأن أمن الحدود، لكنه لم يحدّد موعدَ انعقاد الاجتماع الأول.
ومن شأن هذه الخطوة، في حال إتمامها، تشكيل حزام أمني تشارك فيه دول المنطقة، بما فيها سوريا، التي أصبحت تركيا تمتلك فيها اليد العليا، الأمر الذي يعني فعلياً تضييق الخناق على «قسد»، ودفعها إلى إنهاء «الإدارة الذاتية» التي قامت بإنشائها في مناطق سيطرتها، بالإضافة إلى تضييق الحصار على المقاتلين الأكراد القادمين من جبل قنديل، والمنتمين إلى «حزب العمال الكردستاني» (بي كي كي)، الذي تستعد تركيا لعقد صفقة مع زعيمه المسجون فيها خلال الأيام المقبلة.
تواجه أنقرة معوقات عديدة، أبرزها التوسع الفرنسي في سوريا، والذي تحاول «قسد» استثماره بديلاً للوجود الأميركي
وفي السياق، أكّد فيدان أنه على سوريا اتخاذ خطوات حاسمة تجاه المقاتلين الأجانب المنتمين إلى «العمال الكردستاني»، إمّا بإعادتهم إلى بلدانهم أو القضاء عليهم، معتبراً أن هذه الخطوة ضرورية لضمان وحدة البلاد واستقرارها. وأضاف أن «السيد أحمد الشرع (رئيس الفترة الانتقالية في سوريا) لديه موقف واضح تماماً بشأن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، ويلبي احتياجات تركيا الأمنية»، مشدّداً على أنه «لا توجد خيارات مثل الفيدرالية أو الحكم الذاتي في أجندة الإدارة السورية التي يرأسها أحمد الشرع».
وإذ تبدو الخطوات التركية مستعجلة لتضييق الخناق على «قسد»، كونها تأتي بعد دخول ترامب البيت الأبيض، فهي بدأت فعلياً خلال فترة وجود النظام السوري السابق الذي رفض الانخراط في هذا المشروع، والجلوس على طاولة الحوار مع تركيا، قبل أن ينهار وينقلب المشهد في سوريا، ويصبح الطريق ممهّداً أمام أنقرة.
وبرغم التفاؤل التركي الواضح بهذه الخطوات، تواجه أنقرة معوقات عديدة، أبرزها التوسع الفرنسي في سوريا، والذي تحاول «قسد» استثماره بديلاً للوجود الأميركي، بالإضافة إلى الموقف الألماني المؤيد، بشكل أو بآخر، للأكراد، ما يفسر التصريحات الغاضبة المتواصلة من قبل الرئيس التركي ضد فرنسا ودورها في سوريا، والذي يشمل، بالإضافة إلى التوسع في مناطق «قسد»، محاولة الانخراط بشكل أكبر في عملية إعادة هيكلة الدولة السورية، عبر مؤتمر باريس المُزمع عقده في الثالث عشر من شباط الحالي.
وفيما قامت تركيا، التي عملت طيلة الشهور الماضية على تمهيد الأرض للوصول إلى هذه المرحلة، أخيراً، برفع مستوى تواصلها مع السعودية، أحد أبرز اللاعبين في الإقليم، يفسر هذا الأمر إعلان وزير الخارجية التركي عن مشروع «الحزام الأمني» بعد انتهاء جولة الرئيس السوري في المرحلة المؤقتة، أحمد الشرع، والتي شملت السعودية وتركيا، واعتبرها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، «تاريخية».