60 شهيداً يحتضنهم ركام الطيبة

الأربعاء 05 شباط , 2025 08:39 توقيت بيروت لـبـــــــنـان

الثبات ـ لبنان

في السابع من تشرين الأول 2023، مع تواتر الأخبار حول عملية «طوفان الأقصى»، توجّه العشرات من أهالي بلدة الطيبة الى الطريق العام قرب الساحة، «ووزّعنا الحلوى وصدحت الموسيقى الثورية. كان الحدث بالنسبة إلينا سعيداً، انتقاماً للظلم والقهر والمعاناة التي تعرّض لها الفلسطينيون واللبنانيون»، تقول منال نحلة، التي لم تغادر الطيبة إلى ما بعد خمسة أشهر من اندلاع حرب الإسناد. تشير إلى أن «الحرب على الحدود كانت تدريجية. بقي الأهالي هنا يتابعون الأخبار وردود الفعل الإسرائيلية في القرى والبلدات المجاورة، الى أن توسعت نيران الاعتداءات لتطاول البلدة وأطرافها».

تدمير 80% من المنازل وإحراق عشرات آلاف الأشجار

بقي عدد كبير من أبناء الطيبة في بلدتهم الى أن طلب منهم المغادرة، صمد عدد ممن قرّروا البقاء، من بينهم طبيب العظام العضو البلدي زهير منصور مع عدد من الممرضين والمسعفين في مركز الهيئة الصحية الإسلامية «لإسعاف الجرحى من أبناء المنطقة»، يقول رئيس البلدية عباس دياب، الى أن بدأ العدوّ شنّ حربه الجنونية التي كان للطيبة حصة منها، إذ قصف مركز الهيئة الصحية الإسلامية الذي كان «أشبه بمستشفى ميداني مجهّز بآلات طبية متطورة لتقديم العلاجات الطبية المختلفة لأبناء المنطقة». استشهد منصور ومدير المركز علي صالح والممرّض حسن فياض وجميع أفراد فريق الإنقاذ والإسعاف وعدد من شبان البلدة الناشطين في العمل الخدماتي والصحي ومسؤول حزب الله في البلدة، أستاذ مادة الفيزياء محمد رمال، «ودُمّر المركز تدميراً تامّاً مع ما يحيطه من أبنية ومراكز وقاعات. وبعد تدمير المركز الطبي في بلدة دير سريان المجاورة، فقدت الطيبة ومحيطها طبيبين وفرق الإنقاذ والاسعاف».

بعد أسبوع على تحرير الطيبة، لا يزال أهالي البلدة، وغيرهم من قرى جنوبية أخرى ومن البقاع، ينتظرون انتشال جثامين شهدائهم. ويلفت دياب الى أن «البلدة فقدت خلال الأشهر الماضية 60 شهيداً، وتحت ركامها اليوم عشرات الشهداء من مناطق مختلفة، تحاول البلدية انتشال جثامينهم، إلا أن العدو يقصف الآليات التي تعمل على رفع الركام».
ويضيف أن العدوّ الذي لم يستطع دخول البلدة أثناء الحرب، استغل وقف إطلاق النار لتدمير أكثر من 60% من مبانيها تماماً و20% تدميراً جزئياً، إضافة إلى تدمير كل البنى التحتية وشبكات المياه والكهرباء، إضافة إلى عين البلدة التراثية التي يعود تاريخها إلى أكثر من 300 سنة. كما جرف العدو آلاف أشجار الزيتون والأشجار الحرجية، وأحرق بالقنابل الفوسفورية محميّة البلدة في تلّة العويضة، والتي تضم أكثر من 60 ألف شجرة حرجية».
يقول المختار محمد شرف الدين الذي خسر منزله ومكتبته إن الخسارة الكبرى هي «فقدان أبطال حقيقيين من البلدة كانوا من أوائل المقاومين، أمثال الشهيدين محمد رسلان وعلي قازان، إضافة إلى متطوّعي الإغاثة والإنقاذ. والأشد إيلاماً لنا هو دخول العدوّ البلدة بعد وقف إطلاق النار، واستباحة أحيائها ومنازلها.

تاريخ من الاعتداءات

«لم يستطع العدوّ دخول البلدة خلال الحرب، رغم أنها هدف استراتيجي له كونها من أكبر بلدات المنطقة، وتضمّ تلالاً مرتفعة، مثل تلّتَي العويضة والمشروع المحاذيتين لنهر الليطاني الذي يقع أسفل الوادي» بحسب مختار الطيبة محمد شرف الدين، مشيراً الى أن «البلدة، بسبب موقعها وقربها من فلسطين، كانت هدفاً للعدو منذ عام 1948، عندما دمّر قصر الأسعد وقتل عدداً من الأهالي وأنشأ حزاماً أمنياً لمدة 6 أشهر، ضمّ الطيبة إليه».
تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على بلدة الطيبة يرويه رئيس البلدية عباس دياب والمختار شرف الدين. عام 1949، دخل العدوّ البلدة وقتل عدداً من الأهالي، وفي أواخر الستينيات كانت البلدة ممرّاً لآليات العدو الذي كان يطلق النار لتهجير الأهالي. وفي 16 أيلول 1972، كانت «أمّ المعارك» في بلدة الطيبة، عندما فجّر الجيش اللبناني ألغاماً بآليات العدوّ عند مدخل البلدة قرب منطقة المشروع. وعام 1973، هاجم العدوّ البلدة ودمّر نحو 20 منزلاً، وفي عام 1975 دخل أكثر من 60 من جنود العدو البلدة وتعرّضوا لمقاومة، ما أدى الى استشهاد علي وعبد الله شرف الدين ومحمود قعيق، واعترف العدوّ وقتها بمقتل قائد الهجوم وجرح 6 من جنوده. في آذار 1978، تعرّضت البلدة لعدوان واسع وبقيت تحت الاحتلال 22 عاماً، دمّر خلالها العدوّ عدداً كبيراً من منازلها وأنشأ فوق تلالها موقعاً عسكرياً. وأدّت كل هذه الاعتداءات الى تهجير أكثر من 80% من أبناء الطيبة الذين عادوا إليها بعد التحرير.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل