الثبات ـ بانوراما
تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاربعاء 18-12-2024 سلسلة من الملفات المحلية والإقليمية والدولية.
باغت الحدث السوري غالبية الناس. وتبيّن مع الوقت أن دولاً وحكومات فوجئت أيضاً بما حصل. ويمكن القول إن الفصائل المسلحة التي أطلقت الهجوم في 27 تشرين الثاني الماضي عبّرت لاحقاً عن دهشتها من النتائج الكبيرة التي حققها مقاتلوها على الأرض. ومع ذلك، فإن الاندفاعة الأولى، التي أسقطت حلب وريفها الجنوبي في يد المسلحين خلال أقل من يوم، كان لها التأثير الكبير على كل الخطوات السياسية التي تلت.
في اجتماع الدوحة للأطراف المتفاعلة في اتفاقية (أستانا+)، اضطرّ الحاضرون إلى التعامل مع الوقائع. عندما نوقش اقتراح وقف الحرب، كان الأتراك أول من طلب ونجح في فرض قاعدة على الآخرين، وتحديداً على روسيا وإيران، بأن لا تقوما بأيّ عمل عسكري مباشر لدعم قوات النظام، مقابل أن تلتزم تركيا الأمر نفسه. لكن، كان واضحاً للحاضرين أن معطيات الأرض لم تكن توجب على الأتراك التدخل من خلال إرسال قوات، ولا حتى توفير الإسناد المدفعي أو الجوي في المعارك، بينما العكس هو الصحيح. إذ بمجرد أن أبلغ الروس والإيرانيون بشار الأسد بأنهم لن يكونوا في قلب المعركة، حتى أدرك الرجل أن الخسارة آتية.
وكل محاولاته اللاحقة للملمة الأمور لم تكن لتنفع، فقاعدته القتالية كانت تتّكل بدرجة كبيرة على الدعم المباشر للحليفين الروسي والإيراني. وعندما جرى الحديث عن توجّه مقاتلين من حزب الله الى سوريا، كان الجميع، وفي مقدّمهم حزب الله، يعرف أن هؤلاء سيعملون على حماية بعض مصالح الحزب ومساعدة آلاف السوريين على الهرب خارج المدن المستهدفة. وقالت قيادة المقاتلين، منذ اللحظة الأولى، إنه لا يمكنها القتال نيابة عن أحد، وإن معطياتها تفيد بأن الجيش السوري ليس جاهزاً للقتال. وقد تسبّب كل ذلك في تسريع العملية العسكرية، وصولاً الى ما انتهت إليه.
قد يكون من المفيد الحديث عمّا كان مجمعاً من معطيات حول ما حصل قبل شهور. لكن، يمكن الجزم بأن الفصائل المسلحة كانت في طور الإعداد لعملية عسكرية قالت إنها تستهدف استعادة مساحات انتزعها النظام خلافاً لاتفاقية أستانا. وفي منتصف حزيران الماضي، تحدث نافذون في الفصائل المسلحة عن لحظة تقاطع تقترب، حيث تريد تركيا القيام بعملية عسكرية كبيرة ضد الأكراد لمنعهم من تثبيت أماكن تواجدهم استعداداً لخطوات انفصالية أكبر، وأعربت الفصائل عن استعدادها للمساعدة في إنجاز هذه المهمة، مقابل دعم أنقرة لخطتها بشأن حلب. ومع اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة، تحدث الأتراك عن خشيتهم من تطورات تتيح لإسرائيل النفاذ بصورة أكبر داخل الأراضي السورية. ووصل الأمر بمسؤول تركي إلى القول: «نحن واثقون من عجز إسرائيل عن الوصول الى بيروت، لكننا واثقون من سهولة سير إسرائيل باتجاه دمشق».
في تلك الفترة، جرى تبادل للرسائل، أتيح للبعض الاطلاع عليها، تضمّنت إشارات واضحة الى أن تركيا كانت تتحدث عن مشهد ستستغله إسرائيل بدعم أميركي، من أجل فرض تقاسم نفوذ واسع في سوريا، فتتحكم إسرائيل بمناطق في درعا والقنيطرة والسويداء، مقابل ترك الأكراد يقيمون دولتهم حيث هم في الشرق وحول الفرات، فيما يترك للدولة السورية ما بقي من محافظات، وتتم محاصرة تركيا في إدلب وشمال غرب حلب.
لم يكن الأتراك ليوافقوا على خطوة من هذا النوع. وفي بعض رسائل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الى الوسطاء لترتيب مصالحة عاجلة مع الأسد، كان يقول صراحة إنه لا يحبّ الأسد، وإنه جرّب إسقاطه، لكنه يجد أن هناك مصلحة له في الاتفاق معه الآن. وقد أرفق عرضه السياسي بمغريات ذات طابع اقتصادي، مثل تحويل «حلب الكبرى» الى منطقة صناعية حرة وواسعة، تعمل تركيا من خلالها على كسر الحصار والعقوبات المفروضة على سوريا. لكن الأتراك كانوا يطلبون، في المقابل، تعهداً من الأسد بالشروع في تغييرات سياسية تسمح لقوى المعارضة الأساسية بالحضور في قلب الدولة السورية.
مع الوقت، كان الأسد يتشدد أكثر في رفض العرض التركي. وكانت حجته الرئيسية في أن على تركيا أن تعلن جدولاً زمنياً لسحب قواتها من الأراضي السورية. وربما كان كثيرون من حلفائه لا يصدقون إردوغان، لكن الأكيد أن الأسد كان يعمل على مدار عامين مع السعودية والإمارات ومصر على استراتيجية اعتقد أنها تجنّبه الاتفاق الاضطراري مع أنقرة، وتسمح له بتنظيم عملية خروج غير متسرّعة من المحور الذي تقوده إيران، مقابل توفير شبكة أمان عربية ودولية للنظام. وبدا أن الأسد صار أكثر إيماناً بأن أبو ظبي كفيلة بمعالجة مشكلته مع الأميركيين ومع بعض الأوروبيين، كما سمع الكثير عن مغريات اقتصادية إذا وافق على استراتيجية الخروج من التحالف مع قوى المقاومة. ويقول أحد العاملين مع الأسد، ممّن بقوا معه حتى الساعات الأخيرة قبل مغادرته دمشق، إن الرجل كان لا يزال يأمل بحصول أمر كبير لوقف هجوم الفصائل المسلحة. وكان يعتقد أن «المجتمع العربي والدولي» يفضّل أن يبقى هو في سدة الحكم، على أن يتولى إسلاميون إدارة سوريا.
في المقابل، كان قادة الفصائل المسلحة يتصرفون بداية على أساس أن الهجوم المباغت يسمح بحسم معركة حلب سريعاً والتوجّه الى أطراف حماة الشمالية، حيث توقعوا أن تقع المعركة الكبرى، علماً أنه نُقل عن قادة في المعارضة، في أيلول الماضي، قولهم إنهم سيقومون بـ«7 أكتوبر سوري»، وهو ما عكسته التحضيرات على الأرض، فيما بذل الأتراك جهوداً كبيرة لمنع أي احتكاك أو تباين في الخطوات العملانية بين قوات «هيئة تحرير الشام» وقوات «الجيش الوطني»، فيما كان الجميع يخشون إقدام فصائل مسلحة في جنوب سوريا على خطوات «تخرّب المشروع»، وخصوصاً فصائل الجنوب التي تعمل تحت إمرة الأردن بتمويل إماراتي وسعودي.
بعد الوصول الى حماة، تحدث المعارضون عن نجاح المرحلة الأولى من العملية العسكرية، وأنه صار بالإمكان جرّ الأسد الى المفاوضات التي رفضها سابقاً. وفي هذه النقطة، كانت الفصائل تؤكد لتركيا التزامها «اتفاق التصعيد من أجل الاتفاق». لكن المعطيات الميدانية جعلت المعارضين أنفسهم يبادرون الى خطوات كبيرة تطلّبت تعديلات في خططهم العسكرية. فهم أصلاً لا يملكون الحشود العسكرية الكافية للسيطرة على كل سوريا، وكانت المجموعات القتالية الأساسية قد توجّهت للسيطرة على مناطق حلب والتثبيت فيها. لكن الانهيار المفاجئ لقوات النظام اضطرّهم الى نقل هذه القوات تباعاً نحو الجنوب. وعندما سقطت حمص، كانت حلب، على سبيل المثال، شبه خالية من الحشود العسكرية.
خلال ذلك، تحول الموقف التركي من الرعاية الى الإدارة المباشرة. إذ إن أنقرة نفسها لم تكن تتوقع انهيار جيش الأسد بهذه الطريقة. وبينما كانت المخابرات التركية تراقب روسيا وإيران تجمعان أغراضهما للابتعاد عن مراكز الاشتباكات، كانت جهات استخباراتية تعمل من دون توقف على حثّ ضباط النظام على إلقاء السلاح والنجاة بأنفسهم. وقُدّمت لبعضهم تسهيلات للانتقال مع عائلاتهم الى أماكن يرونها هم آمنة، سواء داخل سوريا أو خارجها. ولم تحصل عمليات تعقّب لعمليات فرار واسعة جرت في بعض المناطق. فيما دخلت «جهات مجهولة» على الخط، للوصول سريعاً الى بعض المقارّ العسكرية والأمنية من أجل جمع أوراق ووثائق.
في هذه الأثناء، كانت أنقرة تعدّل سريعاً في خططها، لتنخرط كلياً في إدارة المشهد. وهو ما دفع وزير الخارجية حقان فيدان إلى خلع بذلته الدبلوماسية لبعض الوقت، وعاد للتصرف كمدير للاستخبارات التركية، وجلس الى جانبه المدير الحالي إبراهيم قالن. وكان سهلاً عليه إدارة التواصل الأمني والسياسي والدبلوماسي، وخصوصاً أنه يملك نفوذاً شخصياً هائلاً على معظم قيادات المعارضة السورية الموجودة في تركيا، وعلى معرفة مباشرة بعدد غير قليل من القيادات الميدانية، ويؤكد نظراء فيدان في الإقليم أنه أشرف شخصياً على عملية التحول التي مرّ بها قائد هيئة تحرير الشام، ونقله من مرحلة أبو محمد الجولاني الى مرحلة أحمد الشرع. ويضيف هؤلاء: «كان فيدان مهتماً طوال الوقت بألّا يترك الشرع لحيته تطول مجدداً». وتمّ التخطيط بعناية لسلوك الفصائل المسلحة على الأرض، بالتنسيق الكامل مع الجانب التركي، علماً أن بين قوى المعارضة السورية من كان يقول صراحة إن السيطرة على كل سوريا لن تتمّ من خلال حرب دموية شاملة، وإن تجنب حمامات الدم يتطلّب تسويات ولو كان ثقلها كبيراً على بعض المعارضين.
في النتيجة، حصل ما حصل، لكن فكرة أن تكون مستعداً لقتال نظام أو حكم من أجل إجباره على التنازل شيء، وأن تجد نفسك فجأة أمام استحقاق إدارة البلاد بمفردك شيء آخر. وهو ما تجلّى في الارتباك الذي ساد الساعات الأولى بعد رحيل الأسد عن دمشق. لأن أولويات القوات الآتية من الشمال كانت منع فصائل الجنوب من السيطرة على دمشق أولاً، وطردها من العاصمة السورية الى ما بعد ريفها الجنوبي ثانياً. وهو ما حصل على مراحل، علماً أن المعارضين من أهل العاصمة وأريافها ممّن توجّهوا سابقاً الى إدلب، كانوا قد خضعوا لعمليات تأديب مكثفة من جانب «هيئة تحرير الشام»، قبل أن يتمّ حشرهم ضمن قواتها. وقد منع هؤلاء طوال الوقت من التقاط الأنفاس لإعادة تشكيل كيانات مستقلة، وبدا ذلك بعدما نجحت قوات الشرع في السيطرة شبه التامة على العاصمة السورية وعلى جميع المرافق فيها. ومع ذلك، فإن التحدي الضاغط جاء من باب من يتولى إدارة الدولة في هذه الفترة. وهو ما كان ولا يزال محل نقاش، لا يبدو أنه يقتصر على قوى المعارضة التي وصلت الى الحكم، بل إن الدول القريبة والبعيدة تجد نفسها صاحبة رأي فيه.
سوريا اليوم لا تزال في أيامها الانتقالية وليست في مرحلتها الانتقالية، وستمرّ أسابيع إضافية قبل الوصول الى تفاهم بين القوى التي تشكل قاعدة الحكم الجديد، على إطار المرحلة الانتقالية، وخصوصاً أن خصوم الشرع يخشون سيطرته على كل شيء، من دون أن يكونوا قادرين على حشد الناس خلفهم، بينما لم يكن هناك أصلاً أيّ نوع من التنسيق بين المعارضين المنتشرين في عواصم العالم، والذين لم يعودوا جميعاً بعد الى سوريا، فيما الناس في الشارع يركضون وفق غريزتهم للالتحاق بالرجل الأقوى على الأرض.
* غداً: حسابات إسرائيل وإيران وروسيا
البناء
- تأكيدات فلسطينية "إسرائيلية" وأميركية على قرب التوصل لاتفاق حول غزة
- بيدرسون: الصراع لم ينته في سورية والاعتداءات "الإسرائيلية" تقوّض كل شيء
- حردان: لانتخاب الرئيس وبري صمام أمان… والمقاومة ضد العدوان والتقسيم
- خامنئي: سيتم القضاء على "إسرائيل"
- البنك الدولي: "إسرائيل" دمرت 93 % من فروع البنوك في غزة
- بكين تحذر واشنطن من "تدخلها الفظ" في تايوان
الأخبار
- واشنطن تضغط: انتخبوا عون الآن
- وقائع 7 أكتوبر السوري
- إجراءات لمساعدة النازحين في البقاع وترتيبات عند المعابر مع سورية
- "إسرائيل" في سورية.. نريد "كانتونًا"
اللواء
- حراك عربي ونيابي للتفاهم على الرئيس.. وإجماع حاسم للجنة وقف النار
- رئيس الحكومة تكرم "الميدل إيست" وبلينكن يتصل بالحوت.. وجنبلاط إلى دمشق الأحد
- فرصة لبنانية لاستعادة سيادته كاملة
- عودة دولية متسارعة إلى دمشق.. وبيدرسون لإنهاء العقوبات
- نتنياهو من جبل الشيخ: سنبقى طويلًا
- تفاؤل أميركي بقرب "صفقة التبادل".. ونتنياهو يخفي التفاصيل
الجمهورية
- بري مطمئن لجلسة 9 كانون الثاني
- الشرع (الجولاني) يتعهد بحل الفصائل
- رئيس في 9ك2 الإجماع حوله حصانة له وتثبيت لدوره الجامع؟
- هل تسقط الفتنة مجددًا؟
الديار
- باسيل يطرح لائحة خماسية للرئاسة... والقوات والمعارضة ترفعان الفيتو!
- باريس لجنبلاط: الأمور تبدلت ما كان يصح بالأمس سقط اليوم
- لا موعد جديد لاجتماع «الخماسية» ومفاجأة في تحقيقات المرفأ
- أي دور لفرنسا والأمم المتحدة في سورية الآن؟ القرار الأممي 2254 + بحلة جديدة
- شهداء في القطاع ومقتل جنديين في رفح.. "إسرائيل" تتحدث عن سيطرة أمنية على غزة
النهار
وزير الخارجية الإيراني لـ"النهار": هذه رؤيتنا لحزب الله
- موازنة 2025 مشروع قابع في مجلس النواب
- مسلسلات سورية تنبأت بنهاية بشار الأسد
- معركة تأمين الانتخاب بعد ضمان النصاب