الثبات ـ عربي
لا يعكس الصمت العربي والخليجي حيال سقوط النظام السوري، عدم اكتراث بما يجري في هذا البلد المهم بالنسبة إلى كل الدول العربية، المجاورة وغيرها، بقدر ما يعكس قلقاً من التأثر القادم لا محالة بمجرى الأحداث في ذلك البلد، ولا سيما أن أنظمة الخليج التي انفتحت على النظام السوري في السنوات الأخيرة، تعتبر الإسلاميين الذين سيطروا على الحكم في دمشق، أعداء معلنين لها. ولعل ما نشره على منصة «إكس» حمد بن جاسم الذي قاد الحملة الأولى ضد النظام بعد عام 2011، وأخذت بلاده مسافة معينة من «ثوار» سوريا في المرحلة الثانية التي أسقطت بشار الأسد فعلياً، يشي بالكثير مما كان يُخطّط لهذا البلد ماضياً، وما يُحضّر له حالياً، إذ إن ابن جاسم لم يستقبل بفرح ولا بتشفّ سقوط الأسد، وإنما بعتب على الأخير الذي كان بإمكانه «تسجيل اسمه ناصعاً في صفحات التاريخ لو رحل بإرادته عن السلطة»، موجّهاً نصيحة إلى «الثوار» بالامتناع عن الانتقام، وداعياً إياهم - وهذا هو الأهم - إلى أن «يدركوا الصعوبات والتحديات الإقليمية والدولية التي تواجههم، وأن لا يتنازعوا على السلطة خلال المرحلة الانتقالية، كما حدث في كثير من الحالات والظروف المماثلة، كي لا يُفتح الباب أمام الكامنين لركوب موجة الثورة وإعادة تشكيلها وتوجيهها وفق مصالحهم هم».
ما هو مؤكد أننا في الشرق الأوسط الذي سالت فيه دماء كثيرة في العقد ونصف العقد الماضيين، ليس مسموحاً لنا بالأمل في ثورات تُحدث تغييرات ديمقراطية، وتفتح الطريق أمام الحريات والتنمية والازدهار، وإنما نحن في منطقة تتصارع فيها مصالح كثيرة لدول عظمى وأخرى إقليمية تابعة لها، ليست معنية بنشر الديمقراطية في بلداننا، وإنما بنشر الصراعات الدموية، كما أظهرت أحداث تلك الفترة. وعليه، فإن من الأسئلة المهمة المطروحة الآن، ما سيكون عليه موقف دول الخليج التي طبّعت العلاقات مع إسرائيل، واستعادت في الوقت نفسه العلاقات مع نظام الأسد وأعادته إلى «جامعة الدول العربية»؟
من غير المستبعد أن يلجأ التحالف الذي يدير صراعات في أكثر من دولة عربية إلى ما سبق له فعله في ليبيا إلى السودان إلى مصر وتونس
على طول العالم العربي، لا يوجد مثَلٌ واحد لدولة شهدت ثورة شعبية انتهت بطريقة إيجابية، من ليبيا إلى السودان إلى مصر وتونس، والدولة التي لا تشهد صراعات دامية، تعيش في جوع لا حل له، كما هي حال مصر. وفي كل تلك الدول، ثمة تدخّلات خارجية عبر أدوات إقليمية منها أنظمة خليجية كالسعودية والإمارات وإسرائيل لتفجيرها، فهل تكون سوريا استثناء من تلك القاعدة؟ رغم الصمت الرسمي، إلا أن المؤشرات إلى نظرة الخليج إلى ما يجري في سوريا لم تكن خَفية، ولا سيما في الإمارات التي افتتحت موسم الانفتاح على النظام السوري، وهي مؤشرات قلق عبّر عنها المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، أنور قرقاش، الذي اعتبر أن «مبعث القلق الرئيسي هو التطرف والإرهاب اللذان ينبغي أن لا يسيطرا على الأدوار الدفاعية والعسكرية في ذلك البلد، أو أن يستغلّا الفراغ السياسي».
في ظل هذا القلق، من غير المستبعد أن يلجأ التحالف الذي يدير صراعات في أكثر من دولة عربية شهدت انتفاضة أو ثورة، وأُسقط نظامها، في سوريا، إلى ما سبق له فعله في تلك الدول، من إثارة حروب داخلية عن طريق تسليح جماعات معينة وتمويلها. والتحالف المذكور الذي يضم دولاً خليجية وعربية أخرى وأميركا وإسرائيل، يملك من الإمكانات ما يؤهله للقيام بذلك بسهولة. والواقع أن إسرائيل لم تنتظر طبعاً، بل تقدّمت فوراً لملء ما تراه فراغاً، فسيطرت على المنطقة المنزوعة السلاح في القنيطرة، وعلى النقطة السورية في جبل الشيخ، وقصفت أصولاً عسكرية في دمشق، واعتبرت اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 مُلغاة، على رغم أنها تعتبر كل الفصائل المنتشرة من حدود درعا شرقاً إلى أقصى الجولان غرباً، فصائل صديقة لها، وهي التي تقدّمت صوب دمشق، ما يعني أن الجنوب السوري كله «صديق» (لإسرائيل)، على حدّ التعبير الذي كان يطلقه المعارضون السوريون على كل منطقة تُنتزع من قوات النظام.
ولعل أفضل من عبّر عن ما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في سوريا، أحد الناشطين الذي كتب في منشور على منصة «إكس»، أن سوريا «قد تكون أكثر كعكة لذيذة سيتقاسمها إردوغان وترامب وبن زايد وبن سلمان ونتنياهو. بعد هذه المرحلة تحتدم الحرب الأهلية وتنقسم سوريا بين الفصائل الإرهابية المدعومة من كل دولة. وهكذا استطاع الغرب تدمير بلد عربي آخر والسيطرة عليه».