الثبات ـ دولي
لجأ الإيطاليون إلى ترحيل الليبيين إلى جنوب جزيرة صقلية وما جاورها بهدف تفريغ الأرض من سكانها وإجهاض حركة المقاومة العنيفة ضد غزوهم الذي بدأ خريف عام 1911.
القوات الإيطالية في ليبيا منيت بهزيمة ساحقة في 29 أبريل عام 1915، حسرت وجودهم في مدن ساحلية معدودة، وكانت تلك المعركة الشهيرة الأكبر منذ معركة "الهاني - شارع الشط" التي جرت بداية الغزو الإيطالي لليبيا في أكتوبر عام 2011.
الباحثة الإيطالي فرانشيسكا دي باسكوالي تشير في دراسة نشرت في 11 يونيو 2018 إلى أن السبب الرئيس وراء عمليات الترحيل الجماعي "هو محاولة تطهير الأراضي التي كانت مسرحا للثورات وطرد أكبر عدد ممكن من الناس. حدث هذا في بداية الاحتلال الاستعماري، بعد ثورة شرع الشط عام 1911، وفي عام 1915، بعد معركة القرضابية، خلال (الثورة العربية الكبرى)، التي أجبرت الإيطاليين على التراجع إلى عدد قليل من البؤر الاستيطانية الساحلية.
تسرد الباحثة الإيطالية أحداث عمليات الترحيل القسري لليبيين إلى الجنوب الإيطالي واصفة غياها بالغريبة، مشيرة إلى أنه "في 23 أكتوبر 1911 ، بعد عشرين يوما فقط من نزول القوات الإيطالية إلى طرابلس، فاجأت ثورة ضخمة الجنود الاستعماريين في واحة شارع الشط، خارج المدينة مباشرة. جاء الإيطاليون إلى ليبيا على يقين من النصر السهل، مقتنعين بأن السكان الأصليين سينتفضون ضد الأتراك".
تفريغ ليبيا من سكانها:
الإيطاليون أدركوا إثر ذلك فجأة خطاهم في تقييم مشروعهم الاستعماري في ليبيا، فأسرع جيوفاني جيوليتي، رئيس الوزراء الإيطالي حينها إلى الأمر بالترحيل الفوري إلى إيطاليا لجميع "مثيري الشغب المعتقلين".
هذا الإجراء الذي بدا "وكأنه إجراء استثنائي مرتبط بخطورة الوضع، أصبح بداية فترة دائمة من عمليات الترحيل والنقل لليبيين إلى إيطاليا، والتي استمرت حتى نهاية الاحتلال الاستعماري الإيطالي لليبيا في عام 1943".
فرانشيسكا لفتت إلى أن إيطاليا مارست الأسلوب ذاته في إريتريا وفي إثيوبيا في مناسبتين أثناء الحقبة الاستعمارية، إلا أنه "من حيث عدد الأشخاص المعنيين وطول مدته، كان نقل الليبيين إلى إيطاليا أهم ترحيل للرعايا الاستعماريين في التاريخ الاستعماري الإيطالي".
الأسلوب ذاته أيضا كانت مارسته فرنسا في الجزائر، إلا أنها كانت ترحل سكان بعض مستعمراتها إلى مستعمرات أخرى، فيما جرى نقل بعض الجزائريين إلى جنوب فرنسا في القرن التسع عشر، بحسب الباحثة الإيطالية.
تقسم فرانشيسكا دي باسكوالي الفئات التي طالها الترحيل القسري الاستعماري على جنوب إيطاليا إلى "ثلاث فئات تقريبا: الترحيل الجماعي بعد الهزائم العسكرية الخطيرة للجيش الإيطالي؛ الترحيل الفردي للمعارضين السياسيين أو المعارضين المحتملين؛ ونقل المدانين المحتجزين بالفعل في السجون الاستعمارية".
هذه الدراسة تلفت إلى أنه نتيجة لعدم "وجود قوائم بالأشخاص الذين غادروا ليبيا، وحقيقة أن عددا غير محدد من الأشخاص لقوا حتفهم أثناء الترحيل، يجعل من الصعب تقدير العدد الدقيق للمبعدين الليبيين في إيطاليا خلال الحقبة الاستعمارية. وفقا لمركز دراسات الجهاد الليبي (ضد الغزو الإيطالي)، قامت السلطات الإيطالية بترحيل ما بين 5000-6000 ليبي إلى إيطاليا، فيما يقدر الباحث ماريو ميسوري عدد المرحلين إلى إيطاليا بـ 4000 شخص بين عامي 1911 و1918".
الباحثة الإيطالية تمضي في تحليل ما جرى بقولها: "بعد ثورة شرع الشط، من أجل وقف مذابح الليبيين على يد الجنود الإيطاليين، والتي كانت مؤشرا واضحا على ضعف الجيش الاستعماري، أمر جيوليتي، رئيس الوزراء، بالترحيل. تمت الاعتقالات بشكل جماعي، ولهذا السبب تم القبض على المتسولين والعمال والفلاحين والمالكين الأثرياء وأصحاب المتاجر على حد سواء. كبار السن من الرجال والنساء والقصر تم نقلهم أيضا إلى المستعمرات العقابية الإيطالية".
بالنسبة للليبيين الذين صدرت أحكام ضدهم، فقد بدأ نقلهم إلى جنوب إيطاليا "بعد عمليات الترحيل الجماعي في عامي 1911-1912. كانت قواعد سجن ليبيا هي ذاتها تلك التي تمت الموافقة عليها في عام 1913، ونصت على أن الليبيين المحكوم عليهم بعقوبات تزيد عن ستة أشهر يجب نقلهم إلى إيطاليا".
أما فترة الحرب العالمية الأولى، فتصفها الدراسة بأنها "الفترة الأكثر كثافة وتعقيدا لترحيل الليبيين إلى إيطاليا. اشتدت الإجراءات القمعية التي قام بها الجيش الإيطالي مع تفاقم ظروف الحصار التي عاشها المستعمرون في ليبيا. زادت عمليات الترحيل إلى إيطاليا بشكل ملحوظ من عام 1914 إلى عام 1918. من عام 1913 إلى عام 1918، تم نقل معظم المدانين إلى صقلية، حيث وصل 2444 أسيرا ليبيا إلى سجونها ومؤسساتها العقابية، واحتجز 5000 أسير في مقاطعة سيراكيوز".
من أسلوب الترحيل إلى سياسة الأرض المحروقة:
في عامي في 1930-1931، أمر نائب الحاكمان الإيطاليان لليبيا، رودولفو غراتسياني، بيترو بادوليو "باحتجاز جميع السكان الرحل وشبه الرحل في برقة، في عشرين معسكر اعتقال في منطقة " بنغازي بشرق ليبيا.
معسكرات الاعتقال تلك كان الهدف منها، "قطع شبكة دعم حركة المقاومة بين السكان. تم إغلاق جميع المعسكرات أخيرا في عام 1934. يقدر العلماء أن عدد السجناء الليبيين في المعسكرات كان يتراوح بين 100.000–120.000 ، وأنه خلال اعتقالهم كان عدد القتلى مرتفعا من 40.000 إلى 48.000".
تبني إيطاليا في تلك الحقبة الفاشية "لـ(سياسة الأرض المحروقة) الوحشية في ليبيا، كان بمثابة نهاية لسياسة الترحيل الجماعي إلى إيطاليا. خلال الحقبة الفاشية، تم احتجاز بضع عشرات فقط من الأعيان الليبيين في إيطاليا".