الثبات ـ فلسطين
أعدّ "بنك إسرائيل" دراسةً، نشرها مطلع الأسبوع الحالي، أظهرت أنّ الشمال كان يعاني من مشكلة مغادرة مستوطنيه بسبب عدم توفّر وسائل نقل مريحة، وقلة فرص العمل للحاصلين على التعليم الأكاديمي، بما يمكن وصفه بـ"الهجرة السلبية"، منذ ما قبل "طوفان الأقصى"، بحسب موقع "دافار أحاد" الإسرائيلي.
وبيّنت الدراسة أنّه منذ اندلاع الحرب، لم يعد 50 ألف مستوطن كانوا في الشمال إلى بيوتهم بعد أن تم إخلاؤهم منها، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وأظهرت أيضاً أنّ نسبة النمو في المستوطنات الشمالية كانت في العقد الأخير أقلّ بكثير مما هي عليه مستوطنات النقب الغربي، كما أنّ المستوى التعليمي للسكان في الشمال منخفض أكثر من الجنوب، وفرص العمل الجيد أقلّ أيضاً.
ووفقاً لـ"دافار أحاد"، فإنّ هذا الأمر يحصل على الرغم من أنّ "إسرائيل" تعتمد سياسةً مستمدةً من "المفهوم الصهيوني الكلاسيكي"، ومفادها أن تتحمّل الحكومة مسؤولية جذب سكان للعيش على الحدود كجزء من "مفهوم أمني"، في حين تقدّم إليهم تسهيلاتٍ كثيرةً مقابل ذلك.
وفي إشارة إلى رزمة المساعدات التي يقدّمها الاحتلال إلى مستوطني الشمال، أوضح الموقع أنّ السلطات الإسرائيلية تمنح تخفيضاتٍ ضريبيةً حتى للعائلات ذات الدخل المتوسط والمرتفع، إذ يحصل السكان في كل مستوطنات الشمال التي تبعد حتى 5 كلم عن الحدود مع لبنان على حسومات ضربيبة تبلغ نحو 13%، كمعدل وسطي.
ولفت الموقع إلى أنّ دراسة "بنك إسرائيل" أظهرت وجود عوامل إضافية، إلى جانب التخفيضات الضريبية، تشجّع على الاستيطان في الشمال، وتعزّز انتقال الإسرائيليين إلى المستوطنات الحدودية، كأسعار المساكن الرخيصة (بنسبة 50% كمعدل وسطي عن بقية المناطق في "إسرائيل")، ومستوى المؤسسات التعليمية، وجودة الحياة في المحيط.
وأجرى "بنك إسرائيل" مقارنةً بين واقع مستوطنات الحدود الشمالية، ومثيلاتها في النقب الغربي، حيث أشار إلى أنّ مستوطني النقب الغربي أصغر سناً من أولئك في المستوطنات الشمالية. وبحسب باحثين في "بنك إسرائيل"، تعود هذه الفروقات إلى عاملين رئيسيين، هما: نسب المواليد العالية في الجنوب، ونسب الهجرة المرتفعة إلى مستوطنات النقب الغربي.
وأظهرت الاستنتاجات في الدراسة أنّ الإسرائيليين ينظرون إلى النقب نظرةً تفاؤليةً لناحية إنشاء عائلات والاستقرار، خلافاً لما هي النظرة تجاه منطقة الشمال. وينعكس هذا التفاؤل في الأرقام، وفقاً لـ"بنك إسرائيل"، إذ حقّق النقب في العقد الأخير نمواً سنوياً أكثر بضعفين ونصف الضعف عن نسبة النمو في "إسرائيل" بصورة عامة، وذلك بسبب الاستثمار الكبير للحكومة في تطوير خطط السكن والتعليم والبنى التحتية.
أما في الشمال، فأظهرت الأرقام الواردة في دراسة "بنك إسرائيل" أنّ العقد الأخير سجّل انخفاضاً في أعداد المستوطنين. ويرجع ذلك من بين عدة أسباب إلى تعقيد المجال العملي في السلطات المحلية بالشمال، حيث إنّ التجمع الأعلى في "إسرائيل" للعاملين في مشاريع مستقلة، أو في مصانع أو في الزراعة، هو على طول الحدود مع لبنان، وحيث يعمل أكثر من 80% من مستوطني الشمال على مقربة من المنازل. وفي النقب، يدور الحديث عن نسبة 65% فقط، وذلك نظراً لتوفّر طرقات سريعة وقطار، وهو أمر غير متاح في الشمال، حيث إنّ القطار ليس خياراً، فقطار "إسرائيل" لا يصل إلى أغلب المنطقة، وشبكة الطرقات في الشمال تصعّب التنقل من وإلى الوسط.
وكشف "بنك إسرائيل" في دراسته أنّ تعداد السكان في "إسرائيل" لعام 2022 أظهر أنّ معظم المهاجرين إلى مستوطنات الحدود الشمالية أتوا من مستوطنات ليست بعيدة، وأنّ الأشخاص الذين يغادرون الحدود مع لبنان هم أكبر سناً من أولئك الذين ينتقلون إليها، وأنّ نسبة الأكاديميين وسط المغادرين هي أعلى من نسبة المنتقلين إلى الداخل.
وأظهرت الدراسة أيضاً أنّ ميزان الهجرة في المستوطنات الشمالية، "منخفض نسبياً إلى سلبي"، إذ تُسجَّل في الشمال أعلى نسب مغادرة في عموم المستوطنات المتاخمة للحدود في "إسرائيل"، في حين أنّ غالبية المغادرين هم من الحاصلين على إجازات جامعية، وذلك بسبب قلة فرص العمل.
وفي ختام دراسته، أعرب "بنك إسرائيل" عن الخشية الكبيرة في "إسرائيل" من عدم عودة عدد كبير من الذين أخلوا من منازلهم في الشمال بعد الحرب، بسبب تضرّر أعمالهم، والخوف من عدم استمراريتها.