الدبلوماسية الجزائرية والحضور القوي في "طوفان الأقصى"

الأربعاء 28 شباط , 2024 11:00 توقيت بيروت عــربـي

الثبات ـ عربي

"سندفن شهداءنا هذا المساء في رفح، في غزة وفي كل فلسطين. وستعود الجزائر غداً باسم الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم، لتدق أبواب مجلس الأمن مرة أخرى وتطالب بوقف حمام الدم، لن نتوقف حتى يتحمل المجلس مسؤولياته ويفرض وقفاً فورياً لإطلاق النار".. عمار بن جامع، الممثل الدائم للجزائر في الأمم المتحدة.

اختارت الجزائر منذ انطلاق ملحمة "طوفان الأقصى" أن تكون الدولة العربية الأقرب إلى فلسطين دبلوماسياً، رغم بعدها الجغرافي، فحاربت على جبهات عدة في المحافل الدولية ومن خلال التظاهرات الداعمة لنصرة الحق الفلسطيني ورفع الظلم والإبادة الواقعة على أهالي غزة.

في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومنذ الساعات الأولى، طالبت الجزائر بالتدخل الفوري للمجموعة الدولية من خلال الهيئات الدولية المعنية لحماية الشعب الفلسطيني من الغطرسة والإجرام الذي جعل منهما الاحتلال الاسرائيلي سمة من سمات احتلاله للأراضي الفلسطينية، وطبقهما بشكل ممنهج في غزة.

الجزائر في القمة العربية

رغم المواقف الرسمية العربية الخجولة إثر "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي بعدها، إلا أنه وبعد أيام من بدء المعركة أمّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بتسيير جسر جوي لإيصال مساعدات إنسانية إلى غزة، مشيراً حينها إلى أنّ هذه المساعدات "تعبر عن التزام الجزائر قيادة وشعباً بالتضامن اللا مشروط واللا محدود مع الشعب الفلسطيني الشقيق، الذي يتعرض لعدوان متواصل، لا سيما في قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال في ظل حصار شامل جائر".

اشتداد وتيرة الحرب وارتكاب الاحتلال الإسرائيلي أبشع المجازر في القطاع أغلبية ضحاياها من الأطفال والنساء، دفع وزارة الخارجية الجزائرية إلى تكثيف نشاطها الدبلوماسي للدفاع عن الفلسطينيين، وفي هذا السياق أتت المقترحات التي قدمتها أثناء التحضير للقمة العربية والاسلامية في الرياض. 

في هذه القمة، طالبت الجزائر الدول العربية باتخاذ مواقف عملية وحازمة ضد الاحتلال، من بينها قيام الدول العربية التي تقيم علاقات مع الاحتلال بطرد السفير الإسرائيلي وفرض إجراءات اقتصادية عقابية ضد الاحتلال والتحرك بقوة على مستوى مجلس الأمن الدولي. 

إلا أنّ هذه الجرأة اصطدمت بالبنود المطروحة في القمة، ما دفع الجزائر إلى تخفيض مشاركتها في قمة الرياض إلى مستوى المندوب الدائم للجزائر في الجامعة العربية.

ويرتبط قرار الجزائر خفض تمثيلها، بحسب دبلوماسيين جزائريين، "بعدم وجود الجرأة السياسية المطلوبة لإدانة العدوان الإسرائيلي، وتضمين البيان الختامي ما يساوي بين الضحية والجلاد".

إفشال مخططات الاحتلال بالتسلل إلى الاتحاد الأفريقي

أما على صعيد الساحة الأفريقية والتي يسعى الاحتلال للتمدد فيها وإقامة علاقات مع دولها، واستخدام ذلك في حشد التأييد لمواقف الاحتلال ومحاصرة الدول الداعمة لفلسطين، فقد واصلت الجزائر العمل، بالتعاون مع جنوب أفريقيا، على إفشال كل مخططات الاحتلال وضرب محاولته التسلل إلى قلب مؤسسات الاتحاد الأفريقي.

ومؤخراً نجحت عن طريق الدبلوماسية في طرد وفد الاحتلال من قاعة اجتماعات قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة، كما نجحت في سحب مقترح منح "إسرائيل" صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي بشكل نهائي، علماً أن الوفد حاول الدخول إلى المقر، بزعم إجراء لقاءات هامشية مع وفود دول مطبعة.

حضور قوي في محكمة العدل الدولية

لم تكتف الجزائر بذلك، بل قدمت كل الدعم السياسي والدبلوماسي وحتى القانوني لتحركات جنوب أفريقيا على مستوى محكمة العدل الدولية، على اعتبار أن الجزائر لا تستطيع رفع دعاوى داخل المحكمة الدولية لأنها غير موقعة على اتفاقية روما.

حتى أنها شاركت في الجلسات العلنية لمحكمة العدل المخصصة للاستماع للمرافعات الشفهية المتعلقة بالرأي الاستشاري حول التبعات القانونية المترتبة على سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

ووفق بيان سفارة الجزائر في لاهاي فإنّ مشاركة الجزائر كانت من خلال فريق قانوني تم تدريبه بناء على تعليمات الرئيس الجزائري، وبإشراف وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف.

كما رأت الجزائر، التي عانت لسنوات طويلة من الاستعمار الفرنسي، أنّ قرار المحكمة بشأن القضية، التي رفعتها جنوب أفريقيا ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، "يعلن بداية نهاية حقبة الإفلات من العقاب، والتي استفاد منها الاحتلال الإسرائيلي طويلاً، ليطلق العنان لقمعه الشعب الفلسطيني وكل حقوقه المشروعة".

مشروع جزائري في مجلس الأمن.. وفيتو أميركي

إصرار الجزائر على طلب وقف إطلاق النار في غزة واضح وعلني، وانطلاقاً من ذلك قدمت مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الفائت، إلا أنه قوبل بفيتو أميركي، بعد أن عمدت واشنطن لمناورة تمثلت بطرح مشروع قرار مضاد، للالتفاف على الخطوة الجزائرية.

وكانت الميادين قد حصلت  على النسخة النهائية من مشروع القرار الجزائري، والذي ينصّ في فقراته على وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة لأسباب إنسانية، على أن يُحترم من قبل جميع الأطراف.

ويكرر مشروع القرار مطالبته بأن تمتثل جميع الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما فيما يتعلق بحماية المدنيين والمنشآت المدنية.

هذه التحركات على صعيد الدبلوماسية، قوبلت بخطوات مساندة من جهات شعبية ومؤسسات جزائرية، حيث استضافت العاصمة الجزائرية ملتقى ضم عشرات المحامين والخبراء القانونيين من عدة دول عربية وأوربية بهدف تنظيم وتنسيق الجهود للتحرك القضائي ضد الاحتلال، سواء على مستوى محكمة العدل الدولية أو محكمة الجنايات الدولية.

القناعة مترسخة، فالجزائر التي عانت من الاستعمار، وقاومت حتى تحقيق التحرير، شعارها الدائم "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل