الثبات ـ لبنان
كتب محرر الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة "هآرتس الإسرائيلية" ، يوسي ميلمان، مقالاً، قال فيه إنّ أيّ حربٍ شاملة ضد حزب الله ستؤدي إلى "تدميرٍ متبادل بين الطرفين"، بصورة يُمكن أن تؤدي إلى تعرض "إسرائيل" لخطر وجودي.
وقال ميلمان إنّ "التدمير المتبادل المؤكَّد" (MAD)، هو عقيدة استراتيجية تعود إلى أيام الحرب الباردة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وكانت تهدف إلى إيجاد ردع وتوازن رعب يحولان دون نشوب حرب نووية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، وفق قاعدة مفادها "إذا هاجمت دولةً بسلاح نووي، فسيكون لدى الطرف الذي تعرّض للهجوم ما يكفي من المخزون من القنابل النووية التي تسمح بتوجيه ضربةٍ ثانية إلى المهاجم، والتسبب بتدميرٍ متبادل لدى الطرفين".
ولفت إلى أنّ ما يجري عند الحدود اللبنانية، منذ هجوم حماس في الـ7 من تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، يشكّل نسخةً إقليمية عن عقيدة "MAD" غير النووية - نسخة تقليدية -، لكنّها يمكن أن تكون فتاكة جداً، لأنّ "إسرائيل" وحزب الله يمتلكان منظومات سلاح قادرة على التسبب بدمار كبير للمدن والبنى التحتية المدنية والعسكرية، وتؤدّي إلى مقتل مئات الآلاف من الناس.
وبشأن واقع الجبهة الشمالية لـ"إسرائيل" حالياً، قال ميلمان إنّ حزب الله أطلق آلاف القذائف الصاروخية والصواريخ المضادة للدروع والقذائف المدفعية والمسيّرات في اتجاه كلّ الكيبوتسات والمستوطنات على طول الحدود، من رأس الناقورة حتى المطلة، ونحو مستوطنات أبعد في سهل الحولة، ونحو "كريات شمونة" وصفد و"شلومي"، على نحو اضطر عشرات الآلاف من المستوطنين إلى مغادرة منازلهم ومستوطناتهم، التي تضررت فيها مئات الوحدات السكنية.
بالإضافة إلى ذلك، أصابت صواريخ حزب الله، بحسب ميلمان، قواعد عسكرية صغيرة وكبيرة، مثل قيادة المنطقة الشمالية، ووحدة المراقبة الجوية في جبل ميرون، وغيرهما.
من جهة "إسرائيل"، لفت ميلمان إلى أنّ "جيش" الاحتلال يشنّ عملياتٍ قاسية جداً على لبنان، عبر هجومه بواسطة الطائرات الحربية والمسيّرات، والقصف المدفعي والصاروخي، كما ينفذ عمليات اغتيال، بحيث أدى كل ذلك إلى "إصابة عدد كبير من قواعد حزب الله ومخازن صواريخه، ومقتل نحو 200 مقاتل من عناصره".
ومع ذلك، يؤكّد ميلمان أنّ "الحقيقة المرّة" هي أنّ الضرر الذي لحِق بحزب الله ليس كبيراً، فعناصره تراجعوا نحو كيلومترين عن الحدود، نتيجة قرارٍ مدروس اتخذته قيادة حزب الله، وليس ناجماً عن ضغطٍ إسرائيلي، بغرض الحد من الخسائر البشرية، لأن "حزب الله حساس أيضاً حيال خسائره البشرية".
وأضاف ميلمان أنّ حزب الله يستخلص الدروس من حرب غزة، وهو يخوض معركةً محسوبة يمتنع فيها من المخاطرة بـ"قوة الرضوان"، ويحافظ عليها في حال نشوب حرب شاملة.
سيناريو مرعب
وحذّر ميلمان من أنّه يوجد في "إسرائيل" أصوات كثيرة، سواء وسط الجمهور أو "الجيش"، أو الحكومة، تعتقد أنّ لا مفرّ لـ"إسرائيل" من مهاجمة لبنان عندما تنتهي الحرب على غزة، مشيراً إلى أنّ رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن في حكومته، يوآف غالانت، ووزراء آخرين، يؤيّدون هذا التوجه القتالي، بينما يعارضه عدد من كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، الحاليين والسابقين.
ومن بين المعارضين، بحسب ميلمان، الوزيران بيني غانتس وغادي آيزنكوت ،اللذان منعا، في الأيام الأولى من نشوب الحرب على غزة، قراراً لكابينت الحرب يطلب إلى سلاح الجو القيام بهجومٍ واسع على لبنان.
وتوقّف ميلمان عند مطالبة "إسرائيل" بتطبيق القرار 1701، الذي أنهى حرب لبنان الثانية (حرب تموز/يوليو 2006)، في حين أنّها لم تلتزمه، وانتهكت السيادة اللبنانية، وواصلت طلعاتها الجوية فوق لبنان.
وحذّر ميلمان من أنّه سيلحق دمار كبير بلبنان، في الحرب المقبلة، لكنّ "التدمير سيكون متبادلاً"، وأضاف أنّه شارك بنفسه في الأعوام الأخيرة، في عدد من الإحاطات لرؤساء الأركان وقادة الجبهة الداخلية، والذين رسموا (جميعهم) صورة مخيفة للدمار الذي يمكن أن يزرعه حزب الله في "إسرائيل"، كونه يمتلك بين 120 و150 ألف قذيفة وصاروخ من كل الأنواع، وهي قادرة على الوصول إلى أي نقطة في "إسرائيل"، بما فيها "إيلات".
وأفاد ميلمان بأنّ بضعة آلاف من صواريخ حزب الله دقيقة، وهذا يعني أنّ "إسرائيل" فشلت في منع مشروع حزب الله المتعلق بـ"الصواريخ الدقيقة"، والتي ستُوجَّه في الحرب، ومعها آلاف الصواريخ "الغبية"، إلى كل مطار في "إسرائيل"، مدنياً كان أم عسكرياً، وإلى "الكريا" (مقر وزارة الأمن وقيادة الأركان في الجيشٍ الإسرائيلي)، وإلى محطات الطاقة في حيفا وعسقلان، والسكك الحديدية، وإلى المنشآت الصناعية في بئر السبع، والمفاعلات النووية في سوروك وديمونا، وإلى كلّ موقع مهم تقريباً.
ورسم ميلمان سيناريو مخيفاً ستتعرض خلاله المستوطنات الإسرائيلية لسقوط الآلاف من الصواريخ، وتدمَّر آلاف الوحدات السكنية، كما سيجري إجلاء مئات الآلاف من المستوطنين إلى الفنادق والملاعب والخيام، وفقاً لسيناريوهات قيادة الجبهة الداخلية.
وحذّر ميلمان من أنّ الحرب ضد حزب الله ستتحول إلى حرب متعدّدة الجبهات. وستُطلَق الصواريخ في اتجاه "إسرائيل" من سوريا والعراق واليمن، وربما من إيران. كما أنّ ثمة خطراً كبيراً في أن تشتعل الضفة الغربية، وستجد "إسرائيل" نفسها في حرب لم تشهدها من ذي قبل.
ويتعيّن على "إسرائيل"، بحسب ميلمان، الأخذ في الاعتبار أنّ حرباً طويلة الأمد، في عدّة جبهات، ستؤدي إلى صعوبات في التزود بالغذاء والعتاد، كما ستؤدي إلى تقويض العلاقات بالحلفاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.
وخلص ميلمان، في مقاله، إلى القول إنّ سيناريو الرعب هذا هو تجسيد للتدمير المتبادل المؤكَّد. لذلك، يجب فعل أيّ شيء للحؤول دون حدوثه، وهذا ممكن فقط من خلال ترتيبات دولية شاملة، بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات ودول عربية "معتدلة".
وأشار إلى أنّ البداية يمكن أن تكون عبر التوصل إلى اتفاق لتحرير الأسرى، ووقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي سيؤدي إلى سلسلة ردود تهدئة في المنطقة (من ضمنها مع حزب الله)، وذلك من أجل منع الخطر الذي يهدّد وجود "إسرائيل".
الرئيس السابق لـ"الموساد": "الجيش" الإسرائيلي صغير
وفي السياق نفسه، رأى رئيس "الموساد" السابق، اللواء في الاحتياط داني ياتوم، في حديث إلى إذاعة "103 FM"، أنّ "إسرائيل" تعيش حالةً من المراوحة في الجبهة الشمالية، وتواجه مشكلة يجب عدم إخفائها عن الجمهور، وهي أنّ "إسرائيل" تواجه فعلياً صعوبةً كبيرة في القتال في جبهتين، على الرغم من أنّ مفهومها الأمنيّ، على مدى أعوام طويلة، كان ينصّ (نظرياً) على أنّ "إسرائيل قادرة على القتال في جبهتين في الوقت نفسه، والدفاع في جبهة ثالثة، في الوقت ذاته".
وعلّل ياتوم أسباب ذلك بأن "جيش" الاحتلال صغير، ومبانيه التنظيمية لا تتلاءم اليوم مع ميدان الحرب الحديث.
وحذّر ياتوم من أنّ الحرب ضد حزب الله ستكون إشكالية جداً من ناحية "إسرائيل"، وستكون أصعب كثيراً من صراع بين "منظمة عسكرية ودولة"، لأنّ عناصر حزب الله من الصعب جداً تشخيصهم وجمع معلومات عنهم، كونهم يمتلكون "مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت سطح الأرض بين لبنان وإسرائيل".
وقال ياتوم إنّه لا يعرف ما هو مستوى جاهزية "جيش" الاحتلال وتأهّبه حالياً، لكن عليه أن يستعد جيداً لحرب في لبنان، مشيراً إلى أنّه لا يهم إذا كانت "إسرائيل" ستتنصر في الحرب، لأنّ السؤال هو ماذا سيكون ثمن هذا الانتصار؟ وإلى أي مدى سيلحق الضرر بـ"إسرائيل" في الجبهة وفي الداخل؟
وختم ياتوم مقابلته بالإعراب عن أمله ألّا تُضطر "إسرائيل" إلى الوصول إلى وضع تَفتح فيه جبهة أخرى مع لبنان ضد حزب الله.