الثبات ـ فلسطين
كشفت صحيفة "هآرتس" أنّ "إسرائيل"، بحسب خمسة مصادر مطلعة، اشترت منظومةً تكنولوجيةً من أجل التأثير الجماعي، وهذه المنظومة قادرة، من بين جملة أمور، على إنتاج محتوى يتكيّف مع حملات وعي عبر الإنترنت، كجزء من محاولة أوسع للتعامل مع ما وصفته مصادر استخبارية وتكنولوجية بـ"فشل الإعلام الرسمي" الإسرائيلي، والذي تكشّف في السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، ومع أزمة الصدقية الخطرة في "إسرائيل"، والتي زادت في صعوبة قدرة "الجيش" الإسرائيلي على العمل ضد حركة حماس.
وبحسب الصحيفة، هذه المنظومة يتمّ تشغيلها حالياً من جانب مكتب حكومي، وفقاً لعدة مصادر، على الرغم من أنّ من المفترض أن تُستخدم للحرب النفسية والتأثير الاستخباري. وأشارت الصحيفة إلى أنّ خلفية حصول "إسرائيل" على هذه المنظومة، بحسب ثمانية مصادر من عالم التأثير والاستخبارات والإعلام في "إسرائيل"، كانت الحاجة إلى كبح "آلة السموم" المعادية لـ"إسرائيل"، والتي تنشر "المعلومات المضلِّلة المؤيدة للفلسطينيين والمُنكرة للمذبحة، بالإضافة إلى المحتوى المعادي للسامية عبر الإنترنت"، على حدّ وصفها، وخصوصاً بين الشبان في الغرب.
ونقلت "هآرتس"، عن مصادر في "إسرائيل"، قولها إنّه "توجد حاجة ماسّة إلى التأثير في الرأي العام الدولي، من أجل تمكين الجيش الإسرائيلي من تحقيق أهداف الحرب"، على الرغم من القتل المكثّف والصور القاسية من غزة.
"إسرائيل" غير مستعدة لجبهة الشبكات الاجتماعية
تبيّن في الساعات الأولى من هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بحسب "هآرتس"، أنّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية غير مستعدة لجبهة الشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة الفورية، كـ"تلغرام". ونشأت آنذاك احتياجات استخبارية عاجلة تتطلّب اهتماماً فورياً، فتمّت الاستعانة بعمّال التكنولوجيا الفائقة وشركات التكنولوجيا من أجل المساعدة على سدّ الفجوة. وفي إطار غرفة عمليات مشتركة، تم تطوير تقنيات رسم خرائط الشبكة والتعرّف إلى الوجه. وبعد أسابيع، تبيّن أنّه يوجد حاجة إلى النشر النشط للمعلومات.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة، عن مصادر مشاركة في العملية، أنّ المؤسستين الأمنية والعسكرية، وخصوصاً في أجهزة الاستخبارات، تعتقدان أنّه يوجد "حاجة إسرائيلية ملحة" إلى التأثير من أجل الرد على حركة حماس في ساحة معركة الوعي. وأشار بن يعقوب إلى أنّه منذ اندلاع القتال، تدير حماس شبكة دعاية ضخمةً، باغتت "إسرائيل"، وهي غير مستعدة لها، كما أنّ الحركة تستخدم قناةً عبر "تلغرام" لديها ملايين المتابعين، كقناة شبه رسمية لتنشر الدعاية والمعلومات.
ونقلت "هآرتس" أيضاً عن مصادر إسرائيلية قولها إنّ المشاركين في عملية شراء منظومة النفوذ رأوا أنّ وزارة الخارجية، وما يُسمى "جهاز الإعلام الوطني" في "إسرائيل"، لا يقدّمان حلولاً ملائمةً لاحتياجات المؤسستين الأمنية والعسكرية، كما أنّ قدرة وحدة الناطق باسم "الجيش" الإسرائيلي محدودة للرد الفعال على التدفّق اللامتناهي للمواد المرئية والدعائية التي تنشرها حركة حماس. ونقل بن يعقوب أيضاً عن مجموعة من المصادر الإسرائيلية، قولها إنّ "إسرائيل" بوغِتت في السابع من أكتوبر، وهي "غير مستعدة أبداً"، فوحدات الحرب النفسية الإسرائيلية الحالية، والتي تستهدف في المقام الأول الناطقين باللغتين العربية والفارسية، تبيّن أنّها ليست ذات صلة بالمعركة الحالية وباحتياجات التأثير المطلوبة لدى المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين.
وضع "إسرائيل" في جبهة الوعي خطير
رأت "هآرتس" أنّ الشكوك المتزايدة في وثائق المتحدث باسم "الجيش" الإسرائيلي وحججه، جعلت أي محاولة رسمية إسرائيلية للرد على دعاية حركة حماس تأتي بتأثير معاكس. ونقلت الصحيفة عن مصدر استخباري إسرائيلي سابق، قوله إنّ ما يجري هو معركة بشأن شرعية "إسرائيل" نفسها في الوجود كـ"دولة مع جيش"، ليُضيف أنّه "بهذا المعنى، انتصرت حماس بالفعل".
وبحسب "هآرتس"، أدركوا هذا الأمر في الأجهزة الأمنية وغرف العمليات "المدنية"، وتبيّن لهم أنّه "ليس لدى إسرائيل طريقة فعالة للرد والقتال في ساحة معركة الوعي، وأنّ الفشل يجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي العمل على الأرض". كما اتضح (لدى الاحتلال) مدى خطورة وضع "إسرائيل" في جبهة الوعي، بحيث إنّ نطاق المعلومات التي تنشرها العناصر المؤيدة للفلسطينيين في الشبكة، هائل، وإنّ "إسرائيل" تواجه صعوبةً في كبح موجة الدعم الدولي لحركة حماس. وبالإضافة إلى ذلك، اعتقدوا في "إسرائيل" أنّ الحرب النفسية التي تشنّها حماس، وضمنها نشر مشاهد إذلال الجنود الإسرائيليين، تُهدّد المِنعة "الوطنية" في "إسرائيل" ومعنويات "الجيش" الإسرائيلي.
وأشارت "هآرتس" إلى أنّه بعد أن تبيّن في "إسرائيل" أنّ وسائل الإعلام الرسمية الإسرائيلية تخسر المعركة من أجل الوعي العالمي، بدأ سباق تسلّح للأصول الرقمية، من أجل نشر المعلومات والمحتوى، جنباً إلى جنب مع المتحدث باسم "الجيش" الإسرائيلي، ومحاربة آليات النشر الجيدة لحركة حماس عبر الإنترنت. فبدأ تسريب مقاطع الفيديو والصور التي التقطها الجنود الإسرائيليون في غزة عبر قنوات معلومات غير رسمية على "تلغرام"، ومنها قناة باللغة الإنكليزية، نشرت "مقاطع فيديو حصرية". كما أنّ قسم التأثير في شعبة العمليات في "الجيش" الإسرائيلي، المسؤول عن عمليات الحرب النفسية ضد العدو (أي المقاومة)، بدأ إدارة قناة باللغة العبرية من أجل عرض جثامين الفلسطينيين، "ليرى الجميع ماذا نفعل بهم".
"إسرائيل" اشترت تقنياتٍ موجودةً في السوق ولم تبادر إلى تطوير تقنيات ذاتية
بعد أن ظهرت الحاجة في "إسرائيل" إلى تنفيذ رد واسع النطاق ضد دعاية حماس، تم إنشاء منتدى "إعلام توضيحي"، ضمّ وزارة الخارجية الإسرائيلية، ووزارات أخرى، وشركات تكنولوجية، ومبادرات مدنية، ومنظمات يهودية، وهيئات أمنية مثل "الجيش" الإسرائيلي، و"الشاباك" ومجلس الأمن القومي، وانعقد هذا المنتدى أسبوعياً من أجل تنسيق الأهداف والغايات، وفق ما ذكرت "هآرتس".
الصحيفة أضافت أنّ "إسرائيل" قرّرت الحصول على التقنيات الحالية (الموجودة في السوق)، بدلاً من تطويرها بصورة مستقلة، فتمّ شراء عدد من الأدوات المدنية التي تمّ تطويرها للحملات السياسية والتجارية، ومنها نظام لرسم خرائط للجمهور المستهدف، ونظام قادر على فتح مواقع الويب تلقائياً، وإنتاج محتوى ملائم، ونظام لمراقبة الاتجاهات عبر الإنترنت، وأمور إضافية، وذلك من أجل تنفيذ حملة تهدف إلى ترويج الرسائل التي تسعى "إسرائيل" لنشرها، من أجل تشكيل رأي عام عالمي، بطريقة تخدم أهدافها.
في "إسرائيل" يخشون مخاطر منظومة التأثير
قالت عدة مصادر إسرائيلية، وفقاً لـ"هآرتس"، إنّه في داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين، وفي خارجهما، أدركوا مخاطر الحصول على تكنولوجيا التأثير هذه، وتشغيلها، وكانوا قلقين أيضاً من التدخل السياسي من جانب مكتب رئيس الحكومة، المسؤول عن نظام المعلومات، والهيئات الأخرى المهتمة بالحصول على النظام. وذكرت تقارير إسرائيلية أنّ "هيئةً أمنيةً مهمةً" (لم تُحدّد ما هي) كان من المفترض أن تدير دائرة التأثير هذه، إلا أنّها رفضت إدارتها، بعد أن أعربت عن قلقها من أنّ الدائرة هذه "ستُستخدم أيضاً لأغراض سياسية داخلية في إسرائيل".
وأضافت "هآرتس" أنّ مصادر إسرائيليةً أشارت إلى أنّه تقرّر أن تقوم هيئة حكومية إسرائيلية بإدارة المنظومة، بدلاً من هيئة أمنية، بحيث يتمّ حالياً تشغيل الحملة الأولى عبر الإنترنت، بلغة أجنبية، تمّ إنشاؤها من خلال النظام، بهدف "محاربة معاداة السامية والصهيونية". وبحسب مصادر مشاركة في العملية، ما زال غير واضح أي هيئة في "إسرائيل" ستشرف على نشاط المنظومة، وماذا سيحدث للأصول الرقمية التي تم شراؤها وإنشاؤها بعد انتهاء الحرب.
ونقلت "هآرتس"، عن مصدر مطّلع، قوله إنّ "التأثير أصبح قضيةً استراتيجيةً"، وهذا كان يجب على "إسرائيل" إدراكه مسبّقاً، لكن ذلك لم يحدث، لا على المستوى السياسي، ولا في "الجيش" الإسرائيلي. وأضاف المصدر أنّه "كان يجب التنسيق بين الجميع، لكن بدلاً من صوت واحد، "يوجد (الآن) 3 أصوات تعمل في اتجاهات متعددة"، في إشارة إلى السياسيين (الوزارات)، والمؤسستين الأمنية والعسكرية، والجهات "المدنية" الفاعلة (وضمنهم التقنيون والمؤثّرون)... و"كانت هناك فوضى في الأيام والأسابيع الأول، وتشاجرت الوزارات الحكومية المتعددة بشأن الائتمان والمسؤولية". وأضاف مصدر استخباري أنّ "إسرائيل" لم تنظر أبداً إلى هذه الجبهة على أنّها معركة حقيقية، وحالها تماماً كحال التعليم في "إسرائيل": "صفر استثمار". وأضاف المصدر الاستخباري لـ"هآرتس" أنّ الأمر يبدو كما لو أنّ "إسرائيل" اكتشفت الإنترنت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، يوم "طوفان الأقصى".