بانوراما ـ الثبات
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على جبهة جنوب لبنان واصلت المقاومة عملياتها النوعية وكان الأهم هو استهداف المستعمرات الواقعة خلف الخط الأماميّ، والتسبب بخسائر بشرية ومادية اعترف بها جيش الاحتلال، بينما ربط حزب الله التصعيد باستشهاد امرأة داخل منزلها في الجنوب بقصف إسرائيلي، وتقول مصادر متابعة للجبهة إن التصعيد سوف ترتفع وتيرته، لأن المقاومة وجيش الاحتلال لا يستطيعان خوض المواجهة دون إيقاع خسائر بالطرف المقابل، وسقوط الخسائر سوف يرفع منسوب التوتر، ويستدرج المزيد من التصعيد، وهكذا يحدث التدحرج نحو المزيد والمزيد من التصعيد.
"الأخبار"| ضابط ميداني في المقاومة يروي يوميّات الجبهة الجنوبية: لا قدرة للعدوّ على شن حرب... ونتفوّق عليه استخبارياً
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي كتبت: "على رأس طاولة كبيرة، في قاعة واسعة في أحد المراكز التابعة للمقاومة الإسلامية، في إحدى مناطق جنوب لبنان، جلس الرجل الخمسيني، بثياب مدنية، منتظراً أن يفرغ الشاب الثلاثيني من تجهيز الـ«لابتوب» لبدء عرض الـ«باوربوينت». هدوء الخمسيني لا يوحي بأنه ضابط ميداني كبير، وواحد من مجموعة ضيقة مسؤولة عن قيادة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان، وأنه يتولى إدارة قسم كبير من الجبهة التي تشغل وتشاغل قسماً كبيراً من جيش العدو على الحدود مع لبنان، وأنه «مهجِّر» عشرات آلاف المستوطنين من سكان المستعمرات في شمال فلسطين المحتلة. فيما السترة الجلدية الـ«سبور» النبيذية والسروال الجينز اللذان يرتديهما الثلاثيني يوحيان بأنه مجرد «تقني» سيجهز الـ«لابتوب» وشاشة العرض ثم يغادر. يبدأ العرض بإعطاء الكلام لمن ظننته «تقنياً»، فيبدأ في «تشريح» الجيش الإسرائيلي من أعلى الهرم إلى أصغر فصيل: أسماء الفرق والألوية والسرايا والكتائب والفصائل، مقارّ القيادة، وضعية انتشار العدو وخطوطه، تقسيمات الجبهة، العديد والآليات... حتى تكاد تخاله مقيماً على الجانب الآخر من الحدود!«المبادرة لا تزال بدرجة أعلى بيد المقاومة»، بعد 77 يوماً على اشتعال الجبهة مع العدو، يؤكد الضابط الميداني، ويضيف: «حتى الآن لم تستخدم المقاومة سوى جزء يكاد لا يذكر ممّا في حوزتها. وحتى الأسلحة التي جرّبناها بشكل ضيق جداً لم نستخدم كل الأصناف التي نملكها منها. نحن في مرحلة تفوّق ولا نزال في موقع المبادر، ولسنا مضطرّين في الوضعية الحالية إلى كشف كل أوراقنا».
وللضابط تفسيره للسؤال الذي يردّده كثيرون حول «وجود عدد كبير من الشهداء في صفوف المقاومة»، إذ يشير إلى «أننا وجيش العدو في حركية دائمة، وكل طرف يغيّر تكتيكاته بناءً على مجريات الميدان. في المرحلة الأولى، سقط عدد من الشهداء مع اعتماد العدو تكتيكات سرعان ما وجدنا علاجات لها، ما أدى إلى تراجع العدد. وعندما يرتفع مجدداً فهذا يعني أنه وجد من جهته علاجات لتكتيكاتنا، ما يجعلنا نلجأ إلى تغييرها، وهكذا». أضف إلى ذلك أن وضعية «الحرب غير الكاملة التي نحن فيها الآن لا تفرض علينا الاختفاء تماماً. رغم ذلك، بعيداً عن بعض الأخطاء البشرية، وجدنا علاجات أدت إلى تقليص عدد الشهداء».
تهديدات العدو بشنّ حرب على لبنان في حال لم يسحب حزب الله قواته من جنوب الليطاني، يضعها الضابط الميداني في سياق «الحرب النفسية ومحاولة استيعاب غضب سكان المستعمرات الشمالية. بالطبع نحن جاهزون لذلك، ولكن، في العلم العسكري وبالمنطق، هناك استحالة بأن يكون العدو قادراً على فتح جبهتين معاً. صحيح أن عنصر المباغتة فُقد، إلا أن هذا ينطبق علينا وعلى العدو. ونحن أيضاً نستخلص الدروس مما يجري في غزة. وإذا كان الرهان على قوة التمهيد الناري لدى العدو وقدرته التدميرية، فإنه في المقابل يدرك حجم القدرة التدميرية لسلاح المقاومة. لذلك فإن أوضاع الجبهة تُزان بميزان الذهب في جبهة متحركة وفي ظل قواعد اشتباك متحركة أيضاً».
استعادت المقاومة نسبة 95% من وضعيّتها المعلوماتية والاستخبارية كما كانت قبل الحرب
إضافة إلى ذلك، يقول الضابط الميداني إن المعطيات حول طبيعة تشكيلات جيش الاحتلال على الحدود، تشير الى حالة دفاعية لانتشار المشاة والمدرعات والاستخبارات ومرابض المدفعية، رغم قيامه بتقسيمات جديدة لمناطق العمل واستقدامه تعزيزات ووجود ما يزيد على ثلاث فرق عسكرية، أي نحو 50 ألف جندي، على الجانب الآخر من الحدود. ويلفت إلى أن جزءاً من هذا الانتشار يهدف إلى تعويض تداعيات ما سمّاه الذباب الإلكتروني المعادي بـ«حرب العواميد» (استهداف المقاومة لأنظمة الرادار والمراقبة على طول الحدود). إذ إن العدو أقام سابقاً خطاً دفاعياً «من بين الأقوى في العالم لجهة الاستعلام الاستخباري براً وجواً، إلى جانب جدار اسمنتي وسياج تقني مع نظام تحسس لاسلكي». هذا الخط أصيب بـ«عمى تام» منذ اندلاع المواجهة، ما دفع العدو، بعدما كانت هذه التجهيزات توفّر عليه الاقتراب بشرياً من الحدود، الى محاولة الاستعاضة عنه بنشر ثلاثة خطوط دفاعية، الأول قرب مواقع الحافة الأمامية والمستعمرات الحدودية، والثاني حول المستعمرات على عمق كيلومترين، والثالث بعمق 7 كيلومترات. كما اضطر إلى اللجوء إلى تكتيكات جديدة كاعتماد غير مسبوق، والتنقل بسيارات مدنية، واستهداف مناطق الحافة بشكل متواصل ورمايات استباقية على المناطق التي يمكن أن تستخدم للرمي على قواته، والإطباق الاستخباري البشري على الحافة طوال الوقت، واللجوء إلى حملة إعلامية تهويلية بضرورة عدم استمرار الوضع على كان عليه سابقاً.
ويؤكد الضابط الميداني أن «حجم خسارة العدو على صعيد جمع المعلومات أكبر من حجم خسارة المقاومة التي تمكنت، خلال أسبوعين، من استعادة نسبة 95% من وضعيتها المعلوماتية والاستخبارية كما كانت قبل الحرب. كما أن الاستطلاع من جهتنا بالمسيّرات فوق أراضي العدو مستمر بشكل متواصل، وهناك مسيّرات كثيرة تذهب وتعود من دون أن يتمكن العدو من إسقاطها».
بالعودة إلى «حرب العواميد»، يلفت المصدر في المقاومة إلى أن ما نحن في صدده ليس كاميرات مراقبة من تلك التي تستخدم في المباني والمحالّ التجارية، بل «منظومة تجسس ومراقبة متكاملة وشبكة رادارات وهوائيات يكلّف كل منها مئات آلاف الدولارات. والأهم هو الفائدة الاستعلامية التي توفرها هذه المنظومات للعدو». والحديث هنا عن مراقبة لصيقة لكل منطقة الجنوب بعمق عشرة كيلومترات على الأقل، علماً أن مدى بعض هذه المنظومات يصل إلى 35 كيلومتراً بتغطية ذات جودة عالية، وبعضها الآخر عبارة عن «جهاز استخبارات متكامل»، قادر على جمع المعلومات ومقاطعتها وربطها والخروج بخلاصات وتحقيق اختراقات، وصولاً إلى تجنيد عملاء. ويلفت المصدر إلى أن لبعض هذه المواقع أهمية استراتيجية ترتبط بأعمال عسكرية واستخبارية على مستوى إقليمي، وصولاً إلى سوريا والعراق وربما أبعد من ذلك. ومن أبرزها موقع جل العلام، مثلاً، الذي يضمّ أجهزة هوائيات متطوّرة ومنظومة تشويش ضد المسيّرات ونظاماً بصرياً حرارياً يصل مدى رؤيته إلى عشرات الكيلومترات وراداراً جوّياً للأهداف البعيدة المدى".
"البناء": جبهة الجنوب الى تصاعد وقضيّة مستوطني الشمال صداع يوازي قضية الأسرى
بدورها قالت صحيفة "البناء": "على جبهة جنوب لبنان واصلت المقاومة عملياتها النوعية وكان الأهم هو استهداف المستعمرات الواقعة خلف الخط الأماميّ، والتسبب بخسائر بشرية ومادية اعترف بها جيش الاحتلال، بينما ربط حزب الله التصعيد باستشهاد امرأة داخل منزلها في الجنوب بقصف إسرائيلي، وتقول مصادر متابعة للجبهة إن التصعيد سوف ترتفع وتيرته، لأن المقاومة وجيش الاحتلال لا يستطيعان خوض المواجهة دون إيقاع خسائر بالطرف المقابل، وسقوط الخسائر سوف يرفع منسوب التوتر، ويستدرج المزيد من التصعيد، وهكذا يحدث التدحرج نحو المزيد والمزيد من التصعيد.
وحافظت الجبهة الجنوبيّة على وتيرة التصعيد بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي، بموازاة حركة اتصالات مكثفة على الخطوط الدولية لاحتواء انزلاق المواجهات الدائرة على الحدود اللبنانية الفلسطينية الى حرب شاملة. وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء أمس، «أننا نعمل بشكل نشط حتى لا تمتد النار نحو حدود «إسرائيل» مع لبنان».
وصعدت المقاومة الإسلامية في عملياتها العسكرية ونفذت سلسلة عمليات نوعية، وأعلنت في بيانات متلاحقة قصفها مستعمرة «كريات شمونة» (بلدة الخالصة المحتلة) بصلية صواريخ كاتيوشا، مؤكدة أنها «لن تتهاون إطلاقاً مع المسّ بالمدنيين ولن تسمح باستباحة قرانا وبلداتنا».
كما أعلنت المقاومة عن إطلاقها صواريخ حارقة على أحراج برانيت، مؤكدة أنها لن تتهاون في الدفاع عن القرى والبلدات اللبنانية وستتعامل بالمثل مع أعماله العدوانية ضدها. كما استهدفت مستعمرتي دوفيف وأفيفيم (قرية صلحا اللبنانية المحتلة) بالأسلحة المناسبة وأوقعوا فيهما إصابات مؤكدة، ومراكز تجمّع لجنود الاحتلال في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية والمدفعية وحققوا فيها إصابات مباشرة.
كما أعلنت المقاومة استهدافها نقطة الجرداح بالأسلحة المناسبة، وثكنة راميم (قرية هونين اللبنانية المحتلة) وتجمعًا لجنود الاحتلال في محيطها، وكذلك مستعمرتي المطلّة ورموت نفتالي (قرية النبي يوشع اللبنانية المحتلة).
وأفاد مراسل «المنار»، بأن «القبة الحديدية الإسرائيلية أطلقت صاروخاً اعتراضياً انفجر في أجواء القطاع الأوسط. فيما زعم المتحدّث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، «أننا نعمل بإصرار من أجل إبعاد حزب الله عن الحدود». وفي سياق ذلك، أكد السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل، في حديث تلفزيوني أنه «بعد حرب غزة يجب قلب الطاولة على إيران وأذرعها في المنطقة وتطبيق القرار 1701»، لافتاً الى أن «قائد الجيش العماد جوزاف عون هو رجل المرحلة».
ويشير خبراء عسكريون لـ»البناء» الى أنه «وعلى الرغم من احتدام المواجهات على الحدود بين المقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع رقعة القصف المتبادل واستخدام أسلحة جديدة، إلا أن معظم الضربات مدروسة ومحسوبة بحدود ألا تؤدي الى حرب شاملة، وبالتالي الجبهة مضبوطة ومحكومة بأمرين: توازن قوى وردع بين الاحتلال وحزب الله على الحدود، إذ أن الطرفين لا يريدان توسيع الحرب لأسباب مختلفة، لكن الفارق أن حزب الله لا يخشى الحرب وأعدّ لها ويملك إمكاناتها وقدرة القتال لمدة طويلة، بينما «إسرائيل» ولو أنها تتمناها لكن في الوقت الحالي تخشاها ولا تملك مقدراتها ولا قدرة الانتصار فيها، بل ستؤدي الى مزيد من الغرق والاستنزاف وتضع الكيان على حافة الزوال، والأمر الثاني وفق الخبراء هي الحسابات الدوليّة والإقليميّة، لا سيّما لدى الولايات المتحدة الأميركيّة التي لا تريد توسع الحرب على الحدود اللبنانية مع «إسرائيل» لتجنيب الكيان هزيمة جديدة، وتجنب الانزلاق الى حرب إقليمية تمس بالمصالح الأميركية في المنطقة في ظل تسخين جبهات اليمن وسورية والعراق». وتوقع الخبراء استمرار «الستاتيكو» القائم مع تصعيد إضافيّ متبادل حتى التوصل الى هدنة في غزة.
وفي سياق ذلك، أكدت كتلة الوفاء للمقاومة بعد اجتماعها برئاسة رئيس الكتلة النائب محمد رعد في حارة حريك أن «المقاومة الإسلاميّة تواصل استنزاف العدو الصهيونيّ على أكثر من محورٍ وصعيد، دعمًا لغزّة ومقاومتها وانتصارًا لقضيّة فلسطين وشعبها وحمايةً للبنان من مخاطر أيّ حماقة قد يندفع إليها الصهاينة الموتورون بهدف التعويض عن صورتهم المقزّزة للبشريّة، بصورةٍ مغايرة، يحاولون تظَّهيرها إمَّا عبر إنجازٍ ميدانيٍ موهوم أو تقدّمٍ سياسيّ مزعوم».
في المقابل، واصل العدو الإسرائيلي اعتداءاته على الجنوب، واستهدفت مدفعية الاحتلال المتمركزة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة الأحياء السكنية في بلدة مارون الراس بالقصف المدفعي، وأصيب منزل المواطن ماجد مهنا اصابة مباشرة، مما ادى الى استشهاد زوجته نهاد موسى مهنا وإصابته بجروح وهما في العقد الثامن من العمر. وعملت فرق من كشافة الرسالة الاسلامية على نقل الجثمان والجريح الى مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، حيث أخضع مهنا للإسعافات الأولية.
وأغارت الطائرات الحربيّة بثلاثة صواريخ «جو -أرض» على منزل خالٍ في بلدة كفركلا في جنوب لبنان. كما استهدف القصف المدفعي الإسرائيلي أطراف بلدتي مارون الراس وعيترون وأطراف بلدات يارون وعيتا الشعب. وأطلق صباحاً القنابل الحارقة على أحراج جبل اللبونة والعلام وعلما الشعب.
وأصيب عدد من أفراد عائلة مواطن جراء استهداف منزله بصاروخ موجّه من مسيّرة إسرائيلية، في منطقة «خلة فضة» الواقعة بين بنت جبيل وعيترون. وعملت فرق الإسعاف في «كشافة الرسالة الإسلامية» و»الهيئة الصحية الإسلامية» على نقل المصابين الى مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، حيث أجريت لهم الإسعافات اللازمة. وتسببت الغارة بأضرار مادية جسيمة في المنزل.
وزعمت القناة 13 الإسرائيلية، أنّ «الدفاعات الجوية اعترضت مسيّرة في الجليل الأعلى تسللت من الأراضي اللبنانية».
على صعيد آخر، استمرّت الاتصالات والمساعي السياسيّة لاحتواء السجال والتوتر بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع الوطني موريس سليم حول ملف التعيينات في رئاسة الأركان. وقد نجح وزير الثقافة القاضي محمد وسام مرتضى، من إصلاح ذات البين بين ميقاتي وسليم، بزيارة اصطحب خلالها سليم الى السراي الحكومي حيث اجتمعا مع ميقاتي، وزال ما اعتبره سليم سوء تفاهم مؤكداً احترامه وتقديره لميقاتي ومقام رئاسة الحكومة.
وتمّ البحث خلال الاجتماع في الأوضاع العامة لا سيما الوضع جنوباً ووجوب التعاون ببن الجميع على تحصين الوضع الداخلي وعلى انتظام عمل المؤسسة العسكرية وفقاً للقوانين والأنظمة والأعراف.
وقال وزير الدفاع بعد اللقاء: «تناقشنا انا ودولة الرئيس في بعض التفاصيل واتفقنا على أن هذا المسار سيستمر لمعالجة كل ما من شأنه أن يحصّن المؤسسة العسكرية، وأن يصبّ في خدمة الوطن وسلامته، وأن يقوم الجيش بلعب دوره، كما هو على الدوام».
ولفت رداً على سؤال حول التعيينات في رئاسة الأركان والمجلس العسكري، إلى أن «هذا الموضوع لا يزال قيد التداول والنقاش وكل الحلول لن تكون إلا وفقاً للدستور وقانون الدفاع الوطني بطبيعة الحال».
إلى ذلك، رحلت الملفات والاستحقاقات الى العام المقبل، وعلى رأسها الملف الرئاسي وسط معلومات تشير الى أنه سيعاد تحريك الملف مطلع العام الجديد بتفعيل الدور الفرنسي وزيارة مرتقبة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان ومسؤولين قطريين، للاستفادة من التسوية السياسية التي حصلت للتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون وتوجت بانعقاد المجلس النيابي وإقرار القانون. وعلمت «البناء» أن أطراف المعارضة ستفعل حراكها على خط رئاسة الجمهورية على الصعيد السياسي الداخلي وعلى الصعيد الخارجي، للدفع والضغط على كافة الأطراف للنزول الى المجلس النيابيّ وانتخاب رئيس للجمهوريّة، كما ستقوم بحملة سياسيّة إعلاميّة للضغط على رئيس مجلس النواب نبيه بري للدعوة الى جلسات متتالية للمجلس لانتخاب رئيس على غرار دعوته الى جلسة لإقرار قانون التمديد.
إلا أن مصادر سياسية أشارت لـ»البناء» إلى أن «حسابات وظروف ملف قيادة الجيش تختلف عن حسابات رئاسة الجمهورية، لا سيما أن نصاب جلسة التمديد 65 نائباً والتصويت 33 نائباً، أما في انتخاب الرئيس فالقاعدة الدستورية مختلفة، النصاب والانتخاب هو 86 نائباً في الدورة الأولى والنصاب 86 والانتخاب 65 في الدورة الثانية، ما يستحيل أن يتمكن أحد الأطراف من فرض مرشحه، وبالتالي المخرج الوحيد لانتخاب الرئيس هو الحوار ونسج تحالفات بين القوى الرئيسية الثلاث التي تشكل المجلس وهي الثنائي الشيعي، التيار الوطني الحر، والمعارضة، وبالتالي التوافق على اسم أو 3 أسماء والنزول الى المجلس وتأمين النصاب والاحتكام الى اللعبة الديمقراطية».
وعلق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في بيان على كلام الرئيس بري في ملف الرئاسة أمس الأول، بالقول: «إذا كان الرئيس نبيه بري يريد الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن طريق التوافق فنحن على أتمّ الاستعداد لذلك، ولكنّ التوافق يكون على غرار ما حصل في موضوع تمديد سن التقاعد لقائد الجيش، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، ولا يكون إلّا من خلال الاتّصالات الجانبيّة الهادئة، وليس عبر طاولة حوار استعراضيّة شهدنا الكثير منها في السنوات الـ15 الأخيرة والتي لم تؤتِ يومًا بثمرة واحدة».
لكن أجواء مطلعة على موقف عين التينة لفتت لـ»البناء» الى أن لطالما كان الرئيس بري سباقاً للدعوة الى الحوار في المفاصل الأساسية والدقيقة التي مر بها لبنان، وقد أثمرت بحل الكثير من العقد أمام حل الاستحقاقات الدستورية وغير الدستورية، لكن المدخل الوحيد لحل الاستحقاق الرئاسي، هو الحوار الوطني أو على الأقل بين مكوّنات المجلس النيابي لتكوين نصاب لعقد الجلسة وأكثرية للانتخاب، وإلا ما الفائدة من الدعوة الى جلسات من دون توافق مسبق سوى فرط الجلسة بسبب غياب النصاب كما حصل طيلة الجلسات الماضية؟». وأوضحت المصادر أن ما حصل من توافق سياسيّ مسبق قبل عقد جلسة لإقرار قوانين حياتية ومالية والتمديد لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية أكبر دليل على أن الاستحقاقات لا تنجز إلا بحوار وتوافق يتوّج بجلسة للمجلس النيابي، بمعزل عن شكل الحوار أكان جانبياً أو وطنياً، لكن في استحقاق الرئاسة لا يمكن إلا أن يكون وطنياً أو نيابياً ضمن طاولة حوار لجوجلة المواصفات والأسماء والاتفاق على اسم أو أكثر والنزول الى المجلس للاختيار من بينها.
ولفت مصدر سياسيّ لـ»البناء» الى أن «الملف الرئاسي لن يفتح بشكل جدّي، قبل انجلاء مشهد الحرب في غزة، وتهدئة الجبهة الجنوبية، للوقوف على حقيقة موازين القوى التي ستُفرزها هذه الحرب وتداعياتها على المنطقة والاستحقاقات المقبلة، وبالتالي لا رئيس في لبنان في المدى المنظور إلا إذا حصلت مفاجآت غير متوقعة».
وفي سياق ذلك، رأت كتلة الوفاء للمقاومة «أن معالجة أوضاع البلاد ورعاية مصالح المواطنين تتطلبان جهوداً حكوميّة ونيابية جادة ومخلصة ومنتظمة، وإذا كان الشغور الرئاسيّ يشكل ثغرة أساسية كبرى في الانتظام العام وبنية الدولة، فإن الواجب الوطني يقضي بالإسراع في ملء هذا الشغور من جهة وبعدم التفريط ببقية مداميك الدولة، وأن انعقاد جلسة التشريع النيابية مؤخراً هو دليل إضافي على أهمية التفاهم لإنجاز انتخابات الرئيس وتسيير أعمال البلاد والتعاون الدائم للعمل بموجب الدستور وعدم تعطيل مواده تحت أي ذريعة».
الى ذلك، نفى المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، في بيان، «الأخبار الصحافية المتداولة عن رسالة مزعومة قيل إن الرئيس عون وجّهها إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ما يتعلق بالتمديد لقائد الجيش، ويضعها في سياق الشائعات المفبركة التي لا أساس لها من الصحة».
"النهار": تفلّت "قواعد 8 تشرين" والتهديدات على الغارب
بدورها كتبت صحيفة "النهار": لم تتبدد وتيرة القلق من التصعيد المتدرج في الوضع الميداني في الجنوب خصوصا بعدما تجاوزت المواجهات وعمليات القصف المتبادلة قواعد الاشتباك السائدة منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، فتوغل الإسرائيليون في القصف والاستهداف الجوي على نحو لافت الى منطقة داخلية متقدمة من إقليم التفاح في شمال الليطاني ورد عليهم حزب الله بتوغل مماثل بقصف صاروخي لكريات شمونه في عمق الجليل وباستعمال المسيرات في قصف مواقع في مزارع شبعا. لكن هذا المؤشر التصعيدي جنوبا ظل رهن التطورات الجارية على صعيد محاولات جادة لاحلال هدنة إنسانية جديدة في غزة اذا نجحت ستتمدد مفاعيلها حتما إلى الجبهة الجنوبية، كما تؤكد المعطيات، ولو تواصلت التهديدات الإسرائيلية بحرب على لبنان. ووسط هذا المناخ، بدا لافتا ان الداخل السياسي شهد حركة “إعادة لم شمل “حكومية ولو محدودة ومحصورة بالاستحقاقات العسكرية وتحديدا بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم برعاية من حزب الله الذي يبدو كأنه تعمد تظهير عدم تهميشه للملفات الداخلية فيما هو يخوض المواجهات الميدانية في الجنوب، فنادت كتلته النيابية امس بضرورة الإسراع في ملء الشغور الرئاسي.
احتواء الازمة بين ميقاتي ووزير الدفاع حصل بعدما حضر الأخير برفقة وزير الثقافة محمد وسام مرتضى الى السرايا واجتمعا مع الرئيس ميقاتي بناء على طلب مرتضى. وافيد من السرايا ان سليم “أوضح موقفه وعبّر عن أسفه لسوء التفاهم الذي حصل سابقا، مؤكدا احترامه الاكيد والدائم لمقام رئاسة مجلس الوزراء وتقديره لميقاتي وموقعه. وتم البحث في الاوضاع العامة لا سيما الوضع جنوبا ووجوب التعاون ببن الجميع على تحصين الوضع الداخلي وعلى انتظام عمل المؤسسة العسكرية وفقا للقوانين والانظمة والأعراف”. ووصف سليم اللقاء بانه كان “كالعادة مفعما بجو الأخوة والصراحة والمودة، والاحترام المتبادل القائم بيننا على الدوام”. وقال “تداولنا شؤون مؤسسات وزارة الدفاع الوطني، وكل ما يتعلق بأوضاعها لا سيما، موضوع الشواغر في بعض المواقع العسكرية. وأوضحت لدولة الرئيس أن شؤون المؤسسة العسكرية هي من أولى اهتماماتي على الدوام، واني الادرى بشعابها وبما يصب في مصلحتها والمصلحة الوطنية. تناقشنا بعض التفاصيل واتفقنا على أن هذا المسار سيستمر لمعالجة كل ما من شأنه ان يحصّن المؤسسة العسكرية، وأن يصب في خدمة الوطن وسلامته، وأن يقوم الجيش بلعب دوره كما هو على الدوام”.
وكان ميقاتي شدد لدى زيارته امس لمتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده على “انني لا أريد أن أدخل بأي سجال حول هذا الموضوع لأن العبر هي في خواتيمها والخواتيم لغاية الآن جيدة، وسأظل على مبدئي بعدم الدخول في اي سجال اعلامي مع احد على رغم كل ما يقال. ولقد قلت وأكرر بأن هناك أمرا يتعلق بصلاحيات رئيس الوزراء ومقامه ولا أقبل ان يتعرض أحد له بأي شكل من الأشكال”.
موقفان من الاستحقاق
في غضون ذلك برز موقفان من الاستحقاق الرئاسي ارتباطا بما جرى في استحقاق التمديد لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية.
الموقف الأول لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي اعتبر انه “إذا كان الرئيس نبيه بري يريد الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن طريق التوافق فنحن على أتمّ الاستعداد لذلك ، ولكنّ التوافق يكون على غرار ما حصل في موضوع تمديد سن التقاعد لقائد الجيش، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، ولا يكون إلّا من خلال الاتّصالات الجانبيّة الهادئة، وليس عبر طاولة حوار إستعراضيّة شهدنا الكثير منها في السنوات الـ15 الأخيرة والتي لم تؤتِ يومًا بثمرة واحدة”.
اما الموقف الاخر فكان لكتلة الوفاء للمقاومة التي أعلنت “ان معالجة أوضاع البلاد ورعاية مصالح المواطنين تتطلبان جهودا حكومية ونيابية جادة ومخلصة ومنتظمة، وإذا كان الشغور الرئاسي يشكل ثغرة أساسية كبرى في الانتظام العام وبنية الدولة، فإن الواجب الوطني يقضي بالإسراع في ملء هذا الشغور من جهة وبعدم التفريط ببقية مداميك الدولة، وأن انعقاد جلسة التشريع النيابية مؤخرا هو دليل إضافي على أهمية التفاهم لإنجاز انتخابات الرئيس وتسيير أعمال البلاد والتعاون الدائم للعمل بموجب الدستور وعدم تعطيل مواده تحت أي ذريعة”.
التصعيد الميداني
اما على صعيد الوضع الميداني في الجنوب ومع ان انحسارا نسبيا سجل في المواجهات قياسا بيوم الأربعاء فان معالم التصعيد ظلت تسود معظم انحاء المنطقة الحدودية مع تجدّد القصف الإسرائيلي امس مستهدفا المنازل ومسقطا ضحايا. واستهدفت المدفعية الاسرائيلية الاحياء السكنية في بلدة مارون الراس حيث أصيب منزل المواطن ماجد مهنا اصابة مباشرة، مما ادى الى استشهاد زوجته نهاد موسى مهنا واصابته بجروح وهما في العقد الثامن. كما تعرضت اطراف الناقورة لقصف مدفعي اسرائيلي ودوّت صافرات الإنذار في مقر “اليونيفيل”.
واستهدفت المدفعية الاسرائيلية بركة كفرشوبا على طريق شبعا. وشن الطيران الحربي الاسرائيلي غارة على أطراف الخيام في المنطقة الواقعة بين الماري والخريبة. وظهرا تعرضت اطراف بلدتي مارون الراس ويارون لقصف مدفعي متقطع كما طاول القصف محيط حديقة مارون الراس. وأغارت الطائرات الحربية بثلاثة صواريخ “جو-أرض” على منزل خالٍ في بلدة كفركلا. كما استهدف القصفٌ المدفعي الإسرائيلي اطراف بلدتي مارون الراس وعيترون واطراف بلدات يارون وعيتا الشعب. وأطلق الجيش الإسرائيلي صباحا القنابل الحارقة على أحراش جبل اللبونة والعلام علما الشعب.
ولوحظ ان القصف المدفعي والصاروخي الاسرائيلي من البر والجو على عدد من قرى وبلدات المنطقة الحدودية في الجنوب، تركز معظم ساعات النهار على بلدة كفركلا المحاذية للجدار الإسمنتي الاسرائيلي والخط الازرق، حيث تعرضت البلدة وأطرافها لغارتين من الطيران الحربي وثلاثة غارات من الطيران المسير، إضافة إلى قصف مدفعي من الدبابات ومدافع الهاون، مما ضاعف في حجم الاضرار والخسائر وخصوصا المادية، علما ان غالبية البيوت والمحال في البلدة اصبحت خالية بعد ان اضطر أهالي البلدة على تركها ومغادرة البلدة.
وكانت الليلة السابقة شهدت إحدى أعنف الغارات الجوية الإسرائيلية وأبعدها، حيث أنها نُفذت في مناطقٍ ليست بحدودية وتُعدّ في العمق اللبناني. ونفذت مقاتلات حربية اسرائيلية قصفاً جوياً في عمق مثلث إقليم التفاح – جزّين – أطراف شرق صيدا، وأغارت على أحراج تقع بين منطقتي بصليا وسنيا القريبة من جباع وكفرملكي .
في المقابل، اعلن حزب الله انه استهدف دوفيف وأفيفيم بالأسلحة المناسبة “وأوقعنا إصابات مؤكدة رداً على إعتداءات العدو على القرى والمنازل المدنية وإستشهاد المواطنة نهاد موسى مهنا وجرح زوجها”. واعلن استهدافه تجمعا للجنود الاسرائيليين في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة ، كما اعلن “شن هجوم جوي بثلاث مسيرات إنقضاضية دفعةً واحدة على تجمعات العدو المستحدثة خلف مواقعه في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وأصابت أهدافها بدقة” واعلن انه استهدف نقطة الجرداح كما ثكنة راميم وتجمعا للجنود في محيطها. ومساء اعلن استهداف مستعمرتي المطلة ورموت نفتالي.
وفي اطار توجيه التهديدات قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت امس أن “إسرائيل لن تصبر على تهديدات حزب الله، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي “سيبعد الحزب عن الشمال”. وأوضح غالانت أن “إسرائيل ستبعد حزب الله عن الشمال دبلوماسياً أو عسكرياً”.
وفي الإيجاز للعمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي، قال المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي إن “منطقة الجنوب اللبناني منطقة قتال وستبقى كذلك مهما واصل حزب الله انتشاره فيها والاعتداء انطلاقا منها”. وأضاف: “منذ بداية الحرب يواصل حزب الله جر لبنان وسكان جنوب لبنان إلى منزلقات خطيرة”.